سبق أن لفتنا الانتباه الي ان موقع "ويكيليكس" الشهير لم يكشف وثائق تتعلق باسرائيل، بل ولم يكشف الا تلك النوعية من الوثائق التي تخدم التوجهات والمصالح والدعاية الاسرائيلية بطريقة أو بأخري. ويبدو ان "ويكيليكس" أراد ان يؤكد ما ذكرناه سابقا، فكشف الاسبوع الماضي عن مجموعة من الوثائق، التي حاول البعض اضفاء أهمية كبيرة عليها باعتبارها أول مجموعة من الوثائق السرية التي تتعلق باسرائيل، لكن المتأمل جيدا لمضمون هذه الوثائق سوف يكتشف علي الفور أنها تصب في صالح الحسابات الإسرائيلية أيضا. وتتضمن احدي الوثائق المسربة برقية بعثها السفير الأمريكي في تل أبيب جيمس كانينجهام إلي واشنطن في 3 فبراير 2009، اراد من خلالها ان يلفت نظر الادارة الامريكية إلي ان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيجدور ليبرمان شخصية مهمة، لكن قيمته تدنت في أعقاب تعيينه وزيرا للخارجية الاسرائيلية. وكتب كانينجهام في البرقية التي كشفت عن محتواها صحيفتا الجارديان البريطانية وهآرتس الاسرائيلية، أنه "لا توجد لوزارة الخارجية (في حكومة بنيامين نتنياهو) وزن كبير في الجيش وأجهزة الاستخبارات، ومنذ تعيين ليبرمان وزيرا للخارجية انخفض وزن الوزارة بسبب ليبرمان، وبسبب تعزز مكانة رئيس مجلس الأمن القومي عوزي أراد". واضاف: "من الناحية الفعلية يمنع نتنياهو ليبرمان من العمل في القضايا المركزية، مثل علاقات إسرائيل مع الولاياتالمتحدة والمفاوضات مع الفلسطينيين، ويفضل نتنياهو التشاور بشكل مكثف مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ووزير الدفاع ايهود باراك". وبحسب برقية كانينغهام، أضر ليبرمان بالعلاقات الخارجية الإسرائيلية، واضطر نتنياهو إلي التدخل عدة مرات مثلما حدث مؤخرا، عندما صرح نتنياهو بأن نوايا إسرائيل تجاه سوريا نوايا سلمية، في أعقاب التصريحات الهجومية التي ادلي بها ليبرمان ضد عائلة الرئيس السوري بشار الأسد. رشيد وأبو مازن وكشف ويكيليكس عن وثيقة أخري، عبارة عن برقية أرسلها السفير الأمريكي السابق في تل أبيب ريتشارد جونز إلي واشنطن، وتحدث فيها عن لقاء عقده مع ليبرمان في مكتبه بالكنيست، في أكتوبر 2006، قبل يوم واحد من انضمام ليبرمان إلي حكومة ايهود أولمرت. وكتب جونز في البرقية ما سمعه من ليبرمان، وأنه وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه "ضعيف وفاسد ومنفصل عن الواقع"، واقترح ليبرمان أن تجد الولاياتالمتحدة واسرائيل شريكا ملائما أكثر ليتولي رئاسة السلطة الفلسطينية، وكانت المفاجأة انه اقترح اسم محمد رشيد، الذي كان المستشار المالي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وأوضحت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية دوافع ليبرمان لطرح اسم رشيد، فذكرت أن رشيد أقام علاقات تجارية، ربما لا تزال مستمرة حتي اليوم، مع المليونير النمساوي مارتين شلاف، المقرب جدا من ليبرمان، وربطت تقارير تم نشرها في الماضي بين أعمال شلاف وأعمال ليبرمان وفي خلفيتها ورد ذكر رشيد". الطريف ان أحد الاسرائيليين علق علي محتوي هذه الوثيقة قائلا في سخرية: "الأفضل هو ان يرشح ليبرمان نفسه لرئاسة السلطة الفلسطينية"!. البحرين وإسرائيل وكشفت وثيقة أخري عن العلاقات السرية بين أجهزة المخابرات الاسرائيلية والبحرينية، من خلال برقية تحدثت عن لقاء جمع السفير الامريكي في البحرين مع ملك البحرين الشيخ حمد بن خليفة، عام 2005 وادعي السفير الامريكي أن ملك البحرين اعترف امامه بوجود علاقات تربط بلاده مع اسرائيل في مجال الاستخبارات، وان البحرين تنوي تطوير العلاقات معها في مجالات اخري. حزب الله وحماس وذكرت برقية سرية عام 2009 ان مصدرا تابعا للموساد حذر من القدرات الصاروخية لحزب الله، الذي قال انه يستطيع اطلاق 20 الف صاروخ باتجاه تل أبيب، وان الحزب يستعد لمواجهة طويلة المدي. وتنقل البرقية المسربة عن نفس المصدر الاستخباري قوله ان حزب الله يستعد لاطلاق ما يتراوح بين 400 الي 600 صاروخ يوميا، علي مدي عدة أشهر، من بينها 100 صاروخ علي تل أبيب. ويتبين من عدة وثائق اخري أعدها دبلوماسيون أمريكيون، وتسربت عبر موقع "ويكليكس"، أن إسرائيل لم تضع خلال العامين 2008 و2009 سياسة واضحة تجاه قطاع غزة وحركة حماس التي أصبحت تحكم القطاع منذ منتصف 2007 . وتحدثت برقيات أخري عن محادثات وصفت بالسرية، جرت بين رئيس جهاز الامن العام الشاباك (وهو جهاز الاستخبارات الداخلية في اسرائيل) يوفال ديسكين، الذي تحدث في منتصف 2008 عن حتمية وقوع عملية عسكرية برية في قطاع غزة، وهو ما حدث فعلا في نهاية العام نفسه، عندما شنت إسرائيل الحرب علي غزة، لكنه قال آنذاك ايضا أنه سيتعين علي إسرائيل احتلال الشريط الحدودي الجنوبي للقطاع مع مصر لفترة معينة لمنع استمرار نقل الأسلحة، وهو ما لم يحدث. وكان ديسكين التقي وزير المخابرات المصرية آنذاك عمر سليمان في 12 مايو 2008، وتباحثا حول سبل التوصل إلي تهدئة في القطاع، وفي اليوم التالي التقي ديسكين مع السفير الأمريكي في تل أبيب آنذاك ريتشارد جونز. وفي 22 مايو بعث جونز برقية إلي واشنطن قال فيها إن ديسكين وصف لقاءه مع سليمان ب"المثير" وأنه "جري في أجواء حسنة ومغلفة بالأكاذيب مثلما هو الحال في الشرق الأوسط تمامًا". ووفقا للبرقية الأمريكية، اعتبر ديسكين أن عمر سليمان والحكومة المصرية يريدون كسب الوقت رغم أنهم يتفهمون احتياجات إسرائيل للتهدئة، وأن سليمان فوجئ عندما سمع من ديسكين أن إسرائيل مستعدة للتوصل إلي تهدئة. وذكر ديسكين شروط إسرائيل للتهدئة التي شملت وقفا كاملا للأعمال المسلحة ووقف تهريب الأسلحة إلي القطاع، وشدد علي أن "إسرائيل لن تتحمل أية تعليمات بتنفيذ هجمات تصدر من غزة إلي الضفة الغربية". ورغم الحديث عن استعداد إسرائيل للتهدئة إلا أن ديسكين أكد أنه مثل معظم الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت حماس ستوافق عليها. وكتب جونز في البرقية أن "ديسكين والكثيرين في إسرائيل يعتقدون أن إسرائيل ستضطر إلي الدخول بقوة إلي غزة وضرب تعاظم قوة قواعد الإرهاب هناك، ومن الأفضل أن يحدث ذلك عاجلا"، وأن ديسكين أوضح أن إسرائيل تفضل شن عملية عسكرية برية، وأنه "سيكون علي إسرائيل ان تمارس ضغوطا علي حماس لمدة أشهر أو سنوات". مستقبل غزة وفي 11 نوفمبر 2009 بعث السفير الأمريكي في تل أبيب برقية إلي واشنطن قال فيها إن "الإسرائيليين ينعمون بأفضل وضع أمني منذ بداية الانتفاضة الثانية، نتيجة لنجاح الاستخبارات الإسرائيلية في مواجهة شبكات إرهاب الانتحاريين في الضفة الغربية". وبحسب البرقية، قال القائد السابق للمنطقة الجنوبية في الجيش الاسرائيلي اللواء يؤاف جالانت، إن القيادة السياسية الاسرائيلية لم تتخذ بعد القرارات اللازمة بشأن مستقبل غزة، لكنه اشار الي الخيارات المتاحة امام اسرائيل. وأضاف السفير الأمريكي أن "جالانت أوضح أن إسرائيل مهتمة في المدي القريب بأن تكون حماس قوية بشكل كاف من أجل فرض سلطتها ومنع إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل". وتابع أنه "رغم ذلك فإنه في الأمد المتوسط تفضل إسرائيل منع حماس من ترسيخ سيطرتها في غزة، رغم أنها في الأمد البعيد تطمح إلي الامتناع عن نشوء وضع تضطر فيه إلي إعادة السيطرة علي القطاع وتحمل مسئولية رفاه السكان المدنيين". وتدل وثائق أخري علي أن السفارة الأمريكية في تل أبيب تقيم علاقات وثيقة ودائمة مع حركة "سلام الآن" المناهضة للاحتلال والاستيطان الاسرائيلي، وأوصي الدبلوماسيون الأمريكيون بالحفاظ علي سرية شخص واحد من الحركة الإسرائيلية "بصورة مطلقة" علي ضوء المعلومات النوعية والصادقة التي يمررها للأمريكيين. ويظهر من الوثائق أن سكرتير "سلام الآن"، ياريف أوبنهايمر، حاول تجنيد الأمريكيين لممارسة ضغوط علي إسرائيل بشأن تطبيق قرارات اتخذتها حكومة إسرائيل الحالية في منتصف 2009 فيما يتعلق بإخلاء بؤر استيطانية عشوائية. المشير طنطاوي وبحسب الوثائق السرية التي كشف عنها موقع ويكيليكس، تعتبر اسرائيل ان المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، كان يمثل عقبة أمام عمليات احباط التهريب عبر انفاق غزة. وحسب وثيقة كتبها دبلوماسيون امريكيون عام 2009 ادعت اوساط امنية اسرائيلية ان المشير طنطاوي، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك، يشكل عقبة كبيرة امام احباط عمليات التهريب عبر الأنفاق في غزة.