الرقابة علي الفنون لايفرضها سوي نظام ديكتاتوري مستبد فاقد الثقة في أدائه، يقف علي أرضية رخوة ومهتزة قابلة للغوص أسفل سافلين ، وعقلية خربة تظن أن القهر النفسي والفكري سبيلا للاستقرار ، وفكر جامد متحجر عفي عليه الزمن ولفظته نظم الحكم الديمقراطية السليمة ... نظام يروج له اعلام انتهازي يديره حفنة من الأشرار مدفوعي الأجر بالملايين الحرام والمنهوبة من ثروات الشعب تحت مسميات اخترعوها هم أنفسهم لا أنزل الله بها من سلطان ، وجل رسالتهم وهدفهم المعيب هو تغييب الوعي لدي الشعب وابعاده بكل الطرق والأساليب الدنيئة عن ساحة المشاركة أو ابداء الرأي. هكذا كانت نظرتنا لما يسمي بجهاز الرقابة علي المصنفات الفنية في العهد البائد الذي فرض مناخا فاسدا لايستطيع معه أي شريف مهما حاول أن ينجومن قيوده الحديدية وفروضه الأمنية ومحاذيره الغبية وتابوهاته التحذيرية التي عطلت العقول وقيدت الإبداع ولجمت الأفواه بحجة الحفاظ علي أمن البلاد وقيم المجتمع وعدم ازدراء الأديان ... آن الأوان لتغيير فلسفة هذا الجهاز لتواكب ما قامت من أجله ثورة الشعب وماطالبت به من تحقيق لمبدأ طال انتظاره عشرات السنين منذ ثورة يوليوعام 1952 ألا وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة لكنه للأسف لم يتحقق في أي عهد من عهود الحكومات السابقة أقسمت بأغلظ الإيمان أنها سوف ترعي مصالح الشعب رعاية كاملة ، وأن تحافظ علي الدستور والقانون ، وما الي ذلك من مظاهر المراسيم الشكلية التي تفترض فينا الغباء وعدم الوعي وبلادة الحس. مصنفات فنية وفي الآونة الأخيرة تعالت الأصوات وتسابقت الأقلام وتنوعت الآراء وتباينت حول مايسمي بجهاز الرقابة علي المصنفات الفنية في مصر ، ذلك الجهاز الذي لجأ طواعية لأجهزة أخري في الدولة والسماح لها بأن تتدخل تدخلا سافرا فاق كل حدود الأدب في التعامل مع مصنفاتنا الفنية: السينمائية والمسرحية والغنائية وغيرها من منتجات العقول المبدعة الواعية بأدواتها ، حتي وصل الأمر لأن تكون كلمتها هي العليا وكلمة القائمين علي جهاز المصنفات هي السفلي بحجة أمن الوطن والحفاظ علي قيم المجتمع ، في الوقت الذي تأكد فيه أنها كانت تسمح فقط بمرور كل ما هو بذيء وخارج عن حدود اللياقة والقيم المجتمعية ، من مشاهد البرنوالخليعة غير المبررة دراميا في السينما ، وكلمات الأغاني الهابطة ومفرادتها الوضيعة التي روجت لثقافة الميكروباص تحت مسمي الأغاني الشعبية، وإفيهات مسرحية غاية في السفالة وقلة الأدب، كل هذا بنية خالصة من أصحابها ألا وهي نية جمع أكبر قدر ممكن من الملايين وطز في الثقافة والقيم والأصول المرعية لبناء دولة عصرية من المفترض أنها صاحبة حضارة عمرها آلاف السنين ... وبحجة حرية الإبداع في السينما والمسرح والأغاني ، هذه هي الحرية المسموح بها في الإبداع ، شريطة أن يبتعد هذا الإبداع عن نظام الدولة وعن نقد الحاكم أومن يلوذ بطرفة من حاشية المنتفعين علي اعتبار أن هذا من الخطوط الحمراء غير المسموح بتعديها أومجرد الاقتراب البريء منها ، الي جانب تابوهات المتسلطين التي وضعوها تحت مسمي الحفاظ علي قدسية الأديان ، والآداب العامة وهذا يعني ببساطة امكانية تطويق أي ابداع أومنعه من الأساس ، وببساطة أكثر ووفقا لرؤيتهم يمكن وضع كل ابداعات مصر الفنية التي انجزت منذ زمن الفراعنة وحتي تاريخه في قائمة الممنوعات ، اذن ما يسمحون به فهومن فرط كرمهم وما يمنعونه فهوحق لهم ... منطق مغلوط ومعكوس وقياس معيب ووصمة عار في جبين الإبداع المصري ، يجب أن نتخلص منها وتحديدا مع تفجير ثورة الشعب في 25 يناير. تسيب وانفلات لكن يبقي أن نشير الي أن هناك فرقاً كبيراً بين حرية الإبداع وبين التسيب أو الانفلات والانحطاط الأخلاقي ، للأسف مازالنا أمام حفنة من المبدعين ينظرون الي هذه الحرية نظرة تجارية بحته ويتصورون أن الحرية تعني فعل ما أريد بغض النظر عن حرية الآخرين أوسلامتهم ، البلطجي يظن أنه حر فيما يرتكبه من جرائم وآثام ، اللص يتخيل أن من حقه السرقة ولوبقوة السلاح الأبيض أوالناري ، الغشاش يعتقد أن الآخرين مغفلون وسذج ، المرتشي يقنع نفسه بأن الرشوة هدية والنبي قبل الهدية ... كل هؤلاء الفاسدين والخارجين عن الناموس البشري في طباعهم وتكوينهم المشوه يتصورون أنها الحرية التي يجب ألا تعيق أهدافهم أوتحقيق طموحاتهم المريضة والمرفوضة من المجتمع البشري. نحن ضد وجود ما يسمي بجهاز الرقابة علي المصنفات الفنية في وضعه الراهن وبشكل خاص بعد ثورة شعبنا العظيم في 25 يناير ، وعلي هذا الجهاز أن يختار له دورا أكثر تفهما وملائمة ومعاصرة لما نعيشه الآن في مصر من جو يبدو صحيحا ومناخا صحيا مأمولا، واما أن يبتعد بشرف عن ساحة التسلط علي الفن والإبداع ، ومن المرجح أنه سوف يعيد حساباته علي أساس أن بعبع ما يسمي بأمن الدولة سوف يزول للأبد كحجر عسرة أمام المبدعين ويتفرغ لما هوأهم في متابعة الأرهاب وأذياله والجواسيس وأعوانهم ليصبح جهازا وطنيا بمعني الكلمة ، نفتخر به في تحقيق هذه المهام الوطنية ، بعيدا عن تدخلاته السافرة كما في العهود البائدة عمال علي بطال وفي كل كبيرة وصغيرة حتي ظن كل منا أنه من أصحاب الملفات فيه. الحرية المرتقبة علي الجانب الآخر نأمل أن يكون المبدعون في مصر أهلا لهذه الحرية المرتقبة والتي تحتضنها بيئة ديمقراطية سليمة، ويغيروا ما في أنفسهم تماشيا مع مصر الجديدة ، وأن يحكموا ضمائرهم دون رقابة أووصاية أوتوجيهه ... يحكمهم فقط ضمير خالص لمصلحة هذا الوطن الذي دفع من أجل حريته مئات الشهداء بأرواحهم وآلاف المصابين بجراحهم ثمنا لهذه الحرية التي سوف نتمتع بها جميعا دون مقابل حقيقي دفعناه ، جل ماقدمناه أننا هتفنا مع الثوار في ميدان التحرير وغيره ، وربما لم يخرج كثيرون من بيوتهم وظلوا مترقبين عن بعد وقلوبهم مع الثورة علي استحياء ، وحتي الذين خذلوا الثورة ... الكل لاشك سوف ينعم بهذه الحرية ، لكن تبقي حرية الإبداع قضية أخري يعوزها الكثير من النقاش ... فهل نحن فاعلون؟