عرف الشعب المصري المؤلف الكبير أسامة أنور عكاشة كروائي وكاتب للدراما التليفزيونية وبالفعل فقد نجح أسامة أنور عكاشة في هذين المجالين وان جاءت شهرته الأكبر في مجال الدراما التليفزيونية كما في «ليالي الحلمية» و«الشهد والدموع». وقد حاول أسامة أنور عكاشة ان يكتب بعض الأعمال المسرحية لم يعرف منها الجمهور سوي «الناس اللي في التالت» نظراً لعرضها علي خشبة المسرح منذ عدة سنوات، ولكن هناك أعمالاً أخري لم يتم عرضها علي خشبة المسرح وبالتالي لم يتم التعرض لها بالنقد والتحليل كما في «الناس اللي في التالت». ومن هذه الأعمال «ليلة 14» و«أولاد اللذين» و«في عز الضهر». وعلي الرغم من ان روح الروائي والقاص قد غلبت كثيراً علي هذه الأعمال المسرحية، إلا ان هناك بعض الملامح المسرحية التي حاول المؤلف الالتزام بها مثل الحوار المسرحي الملئ بالرموز والإشارات والاستفادة من المدارس المسرحية مثل التعبيرية كما في «قمر 14» إلا أننا عندما نتحدث عن أعمال أسامة أنور عكاشة المسرحية يجب ان نركز علي المضمون المسرحي باستفاضة نظراً لغلبة المضمون الفكري علي الشكل الفني أولاً ولبانورامية النظرة الثاقبة لمعطيات الواقع المصري في العقد الأخير. فالفعل المسرحي كان ضعيفاً جداً في هذه المسرحيات مما جعلها تتشابه كثيراً مع أعمال الروسي العظيم «تشيكوف»، إلي جانب غلبة السرد المميز للرواية علي هذه الأعمال المسرحية التي سيتم التركيز عليها. قضية الحرية هي القضية الأساسية التي كانت تشغل بال أسامة أنور عكاشة في هذه الأعمال، والتي رصد من خلال القيود التي تفرض علي المواطن المصري علي عصرنا الحالي وتكبل هذه الحرية مثل القهر والتميز الطبقي والفقر والبطالة، ولذا كان قضية الحرية هي التيمة الأساسية الغالبة علي هذه الأعمال الثلاثة. ليلة 14 ففي «ليلة 14» يرصد المؤلف- محاولا استخدام القالب التعبيري- مراحل القهر التي يتعرض لها الفرد منذ ولادته وحتي وفاته، كما يرصد أساليب القمع الفكري التي تقوم بها مؤسسات الدولة لتكبيل الفرد. المسرحية تم تقديمها في قالب تعبيري حيث احتوت علي مشهدين فقط أطلق عليهما المؤلف «لوحة» واعتمدت علي المايم والديكور التعبيري «الكرسي الهزاز في الشرفة».. مكتب عليه أوراق» ألا أن هناك أيضاً ملامح لمسرح العبث كما في تسمية الشخصيات «الرجل- هو الأم» كما كان هناك كسر للوهم في هذه المسرحية حيث قامت كل شخصية بعدة أدوار مختلفة، كما استخدم الكاتب أسلوب الفلاش باك كي يوضح مراحل القهر التي يمر بها الإنسان منذ مولده وحتي وفاته كعلاقته بابنه وأمه ومعلمته إلي أن يصل إلي علاقته بزوجته. كما حاول المؤلف استخدام الإضاءة بأسلوب تعبيري وان لم يكن موفقاً في ذلك وذلك لوضعها في إطار تقليدي غير موظف بدقة تطفأ المقدمة.. إضاءة كاملة في العمق»، إلي جانب استخدام الأقنعة كي يرمز إلي حالة الخوف والقهر «يسارع البودي جاردز إلي الإمساك بالرجل ويسحبانه ونلاحظ أنهما خلعا تنكر الفئران. كما أوضح أيضاً تأثر أسامة أنور عكاشة بأفكار المؤلف الروسي «جوركي» وخاصة في مسرحية «الحضيض» حيث كان «جوركي» يركز علي فكرة ان الدين أفيون تقدمه السلطة لتسكين وتخدير الشعوب هو ما ظهر هنا أيضاً في هذه المسرحية: «نفق طويل وأسود مخيف لكن في أخره خالص حاتلاقي نور.. تتلفت تلاقي روحك في الجنة». أما النهاية فتعبيرية تدعو للتمرد ورفض هذا القهر السلطوي من خلال دعوة عروس البحر للرجل للخروج من هذه الشرنقة الخانقة وامتثاله لها «جاي ما عدش قدامي طريق تاني علشان أبقي حر». في عز الضهر واستمراراً لاستعراض صورة المجتمع المصري في العصر الحالي تأتي مسرحية «في عز الضهر» بأسلوب واقعي يشِّرح أمراض المجتمع المصري وان كان المؤلف يرجع هذه الأمراض إلي نكسة 1967 «عقارب ساعته واقفة علي يوم ماجه ستاشر منه سبعة وستين». وعلي الرغم من قتامة الصورة في هذه المسرحية من خلال استعراض أمراض هذا العصر وانتشار الفساد علي جميع المستويات مثل غياب الآباء وبعدهم عن حياة أبنائهم وانتشار الدعارة والقوادة والمخدرات وخيانة الأزواج والزوجات وانتشار البطالة وحالة الإحباط المسيطرة علي الشباب، إلا ان هناك دعوة للثورة علي كل هذه الأوضاع الفاسدة والمناخ الاجتماعي الفاسد وان لم يكن منطقياً ان تأتي علي لسان القوادة زينب- في نهاية المسرحية- لعدم ملائمة حديث هذه الشخصية مع حديثها في النهاية، كما لم يكن هذا التحول في شخصيتها منطقياً، وان كانت هناك بمثابة صوت المؤلف في المسرحية في المشهد الختامي «لأننا حجارة مرصوصة علي صدورهم تاريخنا لعنة مسطورة علي جبينهم مش حايخترونا لأننا امبارح اللي مافيهوش ذكري تفرح ولا تنور طريق. عاب هذه المسرحية المباشرة والتكرار، فقد كانت المسرحية تنويعة علي نغمة واحدة إلا أن التكرار كان يعيبها، تكرار الأفكار والتيمات والحوار بكلمات مختلفة. أولاد اللذين أما «أولاد اللذين» والتي كتبت في فصلين فتتعرض للتناقض الاجتماعي الموجود في مصر، حيث يري المؤلف ان مصر أصبحت مقسمة إلي طبقتين، طبقة فاسدة ثرية تتمتع بكل خيرات البلاد وثرواتها، وطبقة معدمة تعيش علي فتات هذه الطبقة من خلال المقابلة بين أحوال شخصية الهجام وعائلته البسيطة وأحوال معسكر الأغنياء ممثلة في أولاد الأثرياء وعائلاتهم الثرية الفاسدة التي تطيح بكل الأخلاق والقيم وينتشر الفساد الأخلاقي بين طياتها، «بابا مجدي ومامته مش منفصلين لكن عاملين شركة مساهمة دمها خفيف قوي كل واحد في التراك بتاعه وشريكه ما يضايقوش فاكرين أنهم بيمثلوا علي الناس كلها مع ان الكل عارف». إلي جانب ذلك يظهر تحالف السلطة مع الفساد وهو ما يبرز انتشار الفساد طالما هناك مظلمة حماية لهذا العفن الإنساني والجرائم الأخلاقية «إحنا الثلاثة محميين علشان كده مش عارف ليه مرتبكين ومخضوضين إحنا لازم نتصرف بمنتهي الهدوء والبرود». ولهذا لا يجد الهجام ممثل فريق البسطاء أديم الأرض إلا الصراخ معبراً عن عجز واغتراب طبقة «وهو فاضل لي إيه غير الفرحة؟ وفاضل لباقي الناس إيه غير الفرحة؟ أنتو وأهاليكم عالمسرح بتلعبوا واحنا بنتفرج ياللا كملوا لعب وفرحوني». وتنتهي المسرحية بشكل ساخر ولكن مرير حينما يتواطئ الضابط ممثل السلطة الأمنية مع الفساد ويتستر علي جريمة القتل التي ارتكبها أولاد اللذين الأثرياء» يفتح جهاز اللاسلكي - ألو فجر ينادي حول تقرير عن المهمة.. لا شيء إنذار خاطئ- الجميع بخير».