أعلنت مفوضية استفتاء جنوب السودان أن نتيجة الاستفتاء في مراكز شمال السودان ودول المهجر اكتملت وسيتم الاعلان عن نتيجتها الأولية غداً، بعد إعلان النتيجة الأولية في غالبية مراكز الجنوب. وقال رئيس مفوضية الاستفتاء في الجنوب، شان ريك مادوت، إن نحو96% من المقترعين في الولايات العشر الجنوبية قد أدلوا بأصواتهم، بما يكفل العدد اللازم لضمان الانفصال، وهومليون و890 ألف صوت من أصل ثلاثة ملايين و932 آلفاً و588 ناخباً مسجلاً. وجاء في موقع مفوضية استفتاء جنوب السودان علي الإنترنت أن 98.6% صوتوا لصالح الانفصال بعد فرز أكثر من 80% من الأصوات. وكانت إحدي مناطق اقتراع ولاية جنوب دارفور في شمال السودان قد شهدت تصويت لصالح الوحدة 63.2 بالمائة. وفسر شان ريك مادوت ذلك بأنه نتيجة لتسجيل بعض الشماليين من دارفور كجنوبيين، وأكد أن لتصويتهم تأثيرا كبيرا علي النتيجة. شهد السودان أثناء الاستفتاء حوادث أمنية متفرقة حيث حدثت اشتباكات بين القبائل الشمالية والجنوبية في منطقة أبيي الحدودية أدت إلي مقتل 23 شخصاً علي الأقل في اليوم الثاني من الاستفتاء، واتهم جيش جنوب السودان الشمال بدعم مقاتلين منشقين شاركوا في الاشتباكات بينما اتهم زعيم قبائل المسيرية حامد الأنصاري قبائل الدنكا نقوك بإثارة أعمال العنف. كما أعلنت السلطات السودانية الجنوبية أن عناصر من قبيلة المسيرية العربية هاجمت قافلة تقل جنوبيين عائدين من الشمال إلي الجنوب مما أدي إلي مقتل عشرة أشخاص وإصابة 18 آخرين بجروح. واتهم الجنوب حكومة الخرطوم باستخدام قبائل المسيرية لزعزعة الاستقرار في جنوب السودان من خلال أعمال عنف تقوم بها ميليشياتها التي تعرف باسم قوات الدفاع الشعبي. ومع استمرار أعمال العنف بين الجانبين والتي أدت إلي مقتل 46 شخصاً علي الأقل خلال الأسبوع الماضي، أعلنت كل من قبائل المسيرية والدنكا نقوك انهما توصلتا الي سلسلة من الاتفاقات التي تم التوقيع عليها في كادوجلي عاصمة ولاية جنوب كردفان. وشملت الاتفاقات الخلافات المتعلقة بالهجرة وبالتعويض عن أعمال العنف الماضية وانتشار الأسلحة في المنطقة الحدودية المتنازع عليه وحماية حرية التنقل وحقوق الرعاة. المعارضة تدعوإلي ثورة شعبية ومع قرب الإعلان عن نتيجة الاستفتاء، اشتبكت الشرطة السودانية في الخرطوم مع أنصار المعارضة الذين تظاهروا وكانوا يتوجهون إلي منزل زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي الذي اعتقلته السلطات. وكان تحالف المعارضة قد أقام ندوة سياسية دعا فيها إلي النزول إلي الشارع لإطاحة الحكومة خرج بعدها أنصار المعارضة إلي منزل الترابي للمطالبة بإطلاق سراحه مما أدي إلي مواجهات مع الشرطة. كانت المعارضة السودانية قد دعت إلي ثورة شعبية وهددت بالخروج إلي الشوارع إذا لم تعزل الحكومة وزير المالية وتحل البرلمان بسبب قرار رفع أسعار عدد كبير من السلع الغذائية. ويعاني السودان ازمة اقتصادية وعجز في الميزانية وزيادة نسبة التضخم بالإضافة إلي حجم الديون الخارجية. وتعليقاً علي القبض علي حسن الترابي، قال مساعد الرئيس نافع علي نافع إن الأجهزة الأمنية حصلت علي معلومات تثبت تورط الترابي في التخطيط لاغتيالات سياسية. وأكد مساعد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، إبراهيم السنوسي، أن حكومة حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير ستصبح غير شرعية بعد إعلان نتائج استفتاء تقرير مصير الجنوب، وأضاف أن حزبه "سيواصل نضاله من أجل إطاحة الحكومة، وتشكيل حكومة قومية انتقالية تهيئ لمؤتمر دستوري لمعالجة أزمات البلاد المتفاقمة". وشارك حزب المؤتمر الشعبي أحزاب معارضة أخري من بينها الحزب الشيوعي، وحزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي. ودعا سكرتير الحزب الشيوعي، محمد إبراهيم نقد، إلي النزول إلي الشوارع لمحاربة الغلاء وارتفاع الأسعار. قلق حول مستقبل السودان وكان استفتاء مصير جنوب السودان قد لقي إشادة عربية ودولية، ووصف بأنه تم في جومن النزاهة والشفافية. غير أن النتيجة شبه المتوقعة للانفصال ألقت بظلال من القلق حول مصير شمال وجنوب السودان في ظل استمرار الملفات الخلافية العالقة بينهما. وأعلن رئيس جنوب أفريقيا السابق رئيس لجنة حكماء أفريقيا ثامبومبيكي أن المحادثات حول المسائل العالقة ستستأنف نهاية يناير الجاري وعلي رأسها قضية منطقة أبيي الغنية بالنفط. وفي الوقت الذي أبدي فيه المراقبون قلقهم حول مستقبل السودان بعد الاستفتاء، قال مستشار حكومة الجنوب جوزيف لاقوان خيار الوحدة علي أسس جديدة ليس مستبعداً خاصة إذا أزيلت الخلافات المتراكمة بين الشمال والجنوب. وبين انتظار نتيجة الاستفتاء والاستعداد لانفصال الجنوب وبين مواجهة غضب المعارضة، لا تزال حكومة الخرطوم تواجه الضغوط الدولية ولا سيما الضغوط الأمريكية للإسراع بحل الملفات الخلافية مع الجنوب وحل أزمة دارفور. وأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية السودانية، خالد موسي، في تصريح له عن رفض الخرطوم الأجندة الأمريكية خاصة بعد مطالبة أعضاء في مجلس النواب الأمريكي دعوا بعدم شطب السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب وعدم إزالة العقوبات عن الخرطوم إلا بعد حل قضية النزاع بين الشمال والجنوب علي منطقة ابيي وتسوية قضية دارفور. وأضاف خالد موسي أن "الولاياتالمتحدة تعمل بأجندة متحركة، فما أن يتم الإيفاء بشروط سابقة حتي تحدد شروطاً جديدة لرفع العقوبات عن البلاد وشطب اسمها من لائحة الدول الرعاية للإرهاب. المجتمع الدولي والولاياتالمتحدة لم يبذلا جهوداً محسوسة للضغط علي الحركات المسلحة في دارفور، بينما بذلت الحكومة جهودها بشهادة المجتمع الدولي". عدم استقرار داخلي وإقليمي استفتاء تقرير مصير جنوب السودان طالما اعتبره الجنوبيون الفرصة الذهبية التي تحدث عنها القيادي الجنوبي الراحل جون جارانج ليصيح الجنوبيون مواطنين من الدرجة الأولي في بلادهم بعد سنوات من التهميش علي المستويات السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية والاجتماعية. نتيجة الاستفتاء ستغير حتما معايير القوي في المنطقة وستغير خارطة القارة الإفريقية التي ستشهد ولادة الدولة الرابعة والخمسين. السؤال المهم والمنطقي الذي يعقب هذه الولادة هوهل ستحقق دولة الجنوب الحلم المنشود أم أنها ستكون بادرة حرب جديدة؟ المؤشرات الأولية تؤكد أن انفصال الجنوب يهدد استقرار كل من الشمال والجنوب. ففي الشمال أشارت تصريحات المعارضة إلي أن نظام البشير لابد له أن يدفع ثمن الانفصال وتفكيك السودان اللذين تسبب فيهما بسبب فساده الإداري وإصراره علي الاستئثار بالسلطة. أما الجنوب فيشهد احتمالات انقسامات بين الجنوبيين ليس فقط علي المستوي السياسي الذي تتصارع فيه الأحزاب السياسية الجنوبية البالغ عددها 70 حزباً، ولكن علي مستوي الانقسامات العرقية والقبلية حيث يتضمن الجنوب ما يزيد علي 200 مجموعة اثنية بينها خلافات ونزاعات متعددة. وبالإضافة إلي ذلك يشهد الجنوب أيضاً تمرد ثلاثة من كبار قادة الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية. يذكر أيضاً أن الجنوب شهد بعض المعارضة السياسية للانفصال، وكان السياسي البارز في جنوب السودان، لام أكول، قد صرح بأن الاستقلال عن الشمال سيكون بمثابة كارثة بالنسبة للجنوب، وأضاف "في الوقت الراهن وفي ظل وجود الاعمال العدائية في الجنوب والنزاعات بين القبائل، والنزاعات حتي ضمن القبيلة الواحدة، فان أي دعوة للانفصال ستكون دعوة لصوملة جنوب السودان". وكان أكول قد انشق عن الحركة الشعبية لتحرير السودان لتأسيس حزبه بعد أن اتهم حكومة سلفا كير بسوء إدارة البلاد. أما علي مستوي دول الجوار، فيسبب انفصال جنوب السودان قلقًا كبيرًا حيث حذر عدد من قادة الدول من أن تحذومناطق أخري حذوالنموذج الجنوبي في السودان. واعتبر الرئيس التشادي إدريس ديبي اتنوا نفصال جنوب السودان سابقة غاية في الخطورة، وقال "كان هناك حلول أخري. أنا أعارض من حيث المبدأ التقيسم بين البلدان الافريقية ومعاهدات الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي تتحدث عن وحدة الأراضي الموروثة من أيام الاستعمار. والآن، إننا نعرض ذلك للخطر، إنها سابقة بالغة الخطورة. وغدا ما هوالبلد الثاني المعرض للتقسيم؟" الجانب الآخر لانفصال الجنوب هواتخاذه نموذجاً يحتذي به من عدة مناطق داخل السودان حيث طالب آلاف السكان من ولاية النيل الأزرق المتاخمة للحدود مع إثيوبيا وجنوب السودان بالحكم الذاتي خلال عملية مشورة شعبية انطلقت الأسبوع الماضي. ولاية النيل الأزرق التي كانت تتبع متتمردي الجيش الشعبي الجنوبي اتخذت من جهود المشورة الشعبية وسيلة للتفاوض مع الخرطوم من أجل إدخال تعديلات جديدة في حال مطالبة الأهالي بالحكم ذاتي للإقليم. يذكر أن ولاية النيل الأزرق لديها 21 ألف مقاتل زرق في الجيش الشعبي بما يهدد باللجوء إلي العنف في حال تعنت الخرطوم ورفضها مطالب الأهالي.