فاز بجائزة ساويرس للإبداع الروائي المبدع أحمد صبري أبوالفتوح عن روايته الكبيرة «ملحمة السراسوة» التي رأي أن حجمها هو شيء عادي بالنسبة للأحجام التي تكتب بها الرواية في العالم، تلك الرواية التي وصفها الكاتب الكبير إبراهيم أصلان. بأنها رواية استثنائية في حيثيات منح الجائزة لها، وهو الشيء الذي أسعده جدًا، عن الجائزة وعن تجربته الإبداعية التقينا به ودار هذا الحوار: ما رإيك في الجوائز الحالية وهل توقعت الجائزة؟ لا أعرف ما الجوائز التي تقصدين، لكن إذا كان قصدك جوائز مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية فأنا أحترم هذه الجوائز لأسباب عدة، إذ هي غير الكثير من الجوائز الأخري دون تسمية، فهي تتسم بالشفافية والاحترام واختيار محكمين علي مستوي فذ، وأيضا فإن مجلس الأمناء يضم أعلي مستوي ثقافي وأكاديمي في مصر، لهذا فجائزة ساويرس تتسم بالمصداقية العالية، أما فيما يتعلق بتوقعي بالفوز بالجائزة فإجابتي نعم، كنت أتوقع الفوز، فهم دائما في مؤسسة ساويرس يختارون محكمين علي أعلي مستوي، ولا يعلنون عنهم إلا مع إعلان الجوائز، ولأن روايتي كانت قد فازت في استفتاء الأهرام عن أحسن رواية في 2009 وأيضا في 2010 فلقد توقعت الفوز رواية طويلة ألم تكن هناك مخاطرة في كتابة رواية طويلة كالسراسوة في ظل انتشار الرواية القصيرة؟ في كل العالم كافة أحجام الرواية تكتب، فتجدين الرواية الضخمة إلي جانب الرواية المتوسطة والقصيرة أو النوفلت، ولا يتحدث أحد عن الحجم، هنا فقط نتحدث عن الحجم، لأنه يمثل تحديا للكتاب الذين يكتبون الرواية القصيرة التي تدور حول تجاربهم الشخصية، فهم في النهاية يرون أن تجربتهم الشخصية جديرة بالكتابة فيكتبونها في صورة نوفلت، لكن الكتاب المتمرسين الذين يكتبون الرواية الصغيرة مثل الكاتب الرائع حسين عبد العليم مثلا فإنهم يكتبون أدبا جميلا، ولأنني مطلع علي آداب العالم بشكل عام وأقرأ باللغة الإنجليزية فإنني كتبت الرواية غير عابئ بأي نقد يتعلق بالحجم، فما رأيك مثلا في روايات دان براون التي تزيد علي آلاف صفحة وغيرها وغيرها من الروايات؟، فقيمة العمل فيه هو وليست في حجمه، لذلك فإن من انتقدوا الرواية لحجمها عادوا وأبدوا اعتذارا عندما قرأوها. ما الهدف أو الرسالة التي تريد توصيلها من خلال السراسوة؟ لا يوجد نشاط إنساني بغير هدف، والكتابة تقوم بوظائف عديدة وتهدف إلي استيعاب جزء من تيارات الحياة، وملحمة السراسوة تضفير الأدب بالتاريخ، فمن خلال تاريخ وحكايات أسرة كبيرة تطوف الكتابة بتاريخ الوطن، فكأن تاريخ الأسرة وحكاياتها هو نص في تاريخ الوطن نفسه، إنه ما يسميه أساتذة التاريخ الحديث، التاريخ الموازي، فإذا كان التاريخ يتحدث عن الحكام والأحداث الكبري فإن الرواية يمكن أن تقدم تاريخا موازياهو تاريخ الناس. يصف البعض السراسوة بالرواية الاسثتنائية فلماذا؟ وصفها بذلك الأستاذ إبراهيم أصلان، وجاء ذلك التعبير في حيثيات منح الجائزة للرواية، يقصدون أنها رواية خارقة واستثنائية، وهذا وصف أسعدني أيما سعادة كيف تري انتشار رواية السيرة الذاتية حالياً؟ السراسوة ليست رواية سيرة ذاتية، إنها ملحمة حقيقية وتصنف أيضا كرواية أجيال، لكن بعض الكتاب يكتبون رواية حياتهم أو سيرتهم، وهي إذا كتبت بصدق واحترافية تكون رائعة، وكل هذا يصب في معمار الرواية. ظاهرة صحية ازداد عدد كتَّاب الرواية في الفترة الأخيرة والبعض يكتبها في شهرين .فهل هذا استسهال لفن جاد؟ هي ظاهرة صحية تماما، فمن خلال الكم يبرز كتاب مجيدون، ومن بين هؤلاء قد يخرج لنا كتاب بقامة نجيب محفوظ وأبو المعاطي أبو النجا وإبراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم وخيري شلبي وجمال الغيطاني وصبري موسي وفتحي غانم ويوسف القعيد وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم وغيرهم من كبار وآباء الرواية، وأفسر تلك الظاهرة بما سبق وقلت إنها محاولة كتابة التجربة الشخصية التي يري صاحبها أنها جديرة بالكتابة، ومنهم من سيواصل لأنه يمتلك الموهبة والقدرة ومنهم من سيتوقف وهذا يحدث في كل عصر، فإذا كانت الرواية قصيرة أو نوفلت لا تستغرق كتابتها زمنا طويلا، أما الاستسهال فهو ضد العمق والجدية، وهذا يودي بصاحبه ماالذي تحتاجه الرواية كي تصل للقارئ وهل لدينا ما يمكن تسميته برواية كاملة مستوفية الشروط الفنية والسردية؟ احتارت الأفهام في وضع معايير محددة لما تحتاجه الرواية أو الأدب أو الفن بشكل عام ليصل للمتلقي، فهذه إشكالية كبيرة تحتاج إلي مناقشات كبيرة ولا نصل معها في النهاية إلا إلي المزيد من الأسئلة، نعم القارئ لا يقبل إلا علي عمل يفهمه، ويتماس مع ذائقيته، وقد لا يتقبل القارئ عملا في وقت ما ثم ينتشر هذا العمل نفسه بعد ذلك، لكني بشكل عام أقول إن الرواية التي تناقش الحياة بصورة قريبة إلي الذهن، والتي تتشكل عبر مقدرة سردية قريبة من ذوق القارئ هي التي تصل إليه،ولا يوجد في رأيي ما يسمي بالرواية الكاملة المستوفية لكل الشروط وإلا لتوقف الناس عن الكتابة بعدها مباشرة. تفاحة آدم ما الجديد لديك بعد السراسوة؟ لدي رواية بعنوان تفاحة آدم، ولقد انتهيت تقريبا من كتابتها وأراجعها الآن، وستكون عند نشرها مفاجأة لقرائي. تخترق الكتابة الجديدة التابوه .فلماذا هذا الاختراق وما ضرورته؟ ليس اختراق التابوه في حد ذاته هدفا من أهداف الرواية، وفي رأيي أن اختراق التابوه قد يكون مطلوبا كلما ازداد الاضطهاد والتطرف في مجتمع ما، وفي مجتمعنا هو أمر مطلوب بشدة، لكسر حالة الحصار التي يفرضها علينا المتطرفون وأعداء الحياة، لكنه إذا كان اختراق التابوه يمارس لذاته فهو نوع من الخطل لماذا تتصدر الرواية المشهد الأدبي حالياً؟ لأنها الشكل الأدبي الأقرب إلي روح العصر الآن، فهي تستوعب كثيرا من المستجدات، وتعبر عن القلق العظيم الذي يعم الناس والأوطان، عبر حكايات وطرائق للسرد تتجدد بتجدد الحياة. ما القضية الملحة التي يجب أن يطرحها السرد الحالي؟ قضايا الإبداع تطرح نفسها عبر كل طرق السرد الممكنة، والسرد الحالي متنوع وقادر علي طرح كل القضايا، وتحديد الهوية الحقيقية للإنسان. في ظل الظروف الاقصتصادية الحالية ما التحدي الصعب أمام الكتَّاب الجدد؟ إشكالية النشر أصعب ما يواجه الكتَّاب الجدد، لأن 90 بالمائة من المطبوعات الآن تتم علي نفقة المبدعين، والشباب لا يقدر علي هذه التكلفة، لذا فإنهم يبتسرون تجاربهم من أجل نفقات النشر، والدولة تعطي ظهرها لهم، ولا يتم النشر للبعض من خلال إمكانيات الدولة إلا بالواسطة وقدر كبير من الشللية إلي أي مدي تأخذ المساحة المهنية من حصة المبدع خاصة أنك تعمل بمهنة غير الأدب؟ الأدب لا يمنح الكاتب شيئا ليعيش به، اللهم إلا إذا تم تسويقه دراميا أو من خلال ترجمات حقيقية في أوروبا وأمريكا، لهذا ظل نجيب محفوظ موظفا يقبض راتبه إلي أن خرج علي المعاش، والمحاماة تنفق علي بيتي وتمكنني من الإنفاق علي الأدب أيضا، فلها فضل كبير علي، فضلا عن أنها تمنحني خبرات هائلة بالحياة، أستفيد منها في إبداعي. ما الذي يدفعك للكتابة وما عوامل وطقوس الإبداع لديك؟ يدفعني شعور بالرغبة في امتلاك القدرة علي الانخراط في الحياة والتعبير عن الموقف الوجودي منها، ويدفعني شعور بأنني أحب الحياة إلي درجة الرغبة في أن أكون نغمة في موسيقاها أو كلمة في جملتها أو لبنة في صرحها العظيم، وتدفعني حالة من الوجد تنتابني كلما امتلأ صدري بهواء الرغبة في البحث عن الحقائق من وراء الأشياء، ولا طقوس لدي، فأنا أستمع إلي الموسيقي وأكتب علي الكمبيوتر مباشرة، من خيالي إلي الصحائف، من قلبي إلي الوجود.