في غمرة اندفاع الهجمة الأمريكية علي المنطقة أمل الكثيرون أن تحمل الرياح الآتية إلينا من الغرب ما يسر القلب إلا أن الأيام التالية أثبتت استحالة أن يأتي من ناحية الغرب إلا ما يكسر القلب. تبين وبالدليل الملموس أن الكاوبوي الأمريكي كان يرتب لنا طبخة ظاهرها الديمقراطية وباطنها تسليم السلطة للجماعات الموالية له ولإسرائيل من شاكلة جماعة الرابع عشر من الشهر علي أن يجري تسليم السلطة لهؤلاء من خلال انتخابات معروفة النتائج مقدما. كان وما زال المعروض علي المنطقة (أمريكيا) هو الانتقال من عبودية إلي عبودية تكون فيها السيادة علي الشرق الأوسط للدولة الصهيونية اللقيطة علي أن تكون هناك (حكومات) موالية لها منزوعة أو شبه منزوعة السلاح تتمتع بسيادة شكلية ينحصر دورها في تنفيذ أوامر سيد المنطقة الأبدي الإسرائيلي!!. اندحار المشروع بلغ هذا المشروع الأمريكي قمة نشاطه في الفترة التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق وحتي العام 2006 حيث شكلت الهزيمة الإسرائيلية في حرب تموز علامة فارقة علي اندحار هذا المشروع رغم أن الآنسة كوندي كانت واثقة كل الثقة من نجاح خطتها فكان أن سارعت وقتها وبهدف بث الثقة في نفوس حلفائها من جماعة الرابع عشر من الشهر وإقناعهم بالصبر والصمود في مواجهة الشارع العربي الداعم والمؤيد للمقاتلين المدافعين عن لبنان لإعلان أن هذه الحرب هي آلام المخاض التي ستنتج ذلك الشرق الأوسط الأمريكي الجديد. لم يخبرنا أحد من مؤيدي السياسة الأمريكية أو الخائفين من سطوتها كيف يمكن أن يكون ميلاد الديمقراطية معمدا بأنهار الدماء وتلال الخراب؟!. كما أن أحدا منهم لم يخبرنا عن سر اختيار لبنان وهو البلد العربي الأكثر ديمقراطية ليشهد ميلاد الشرق الأوسط الجديد؟!. لم تكن هناك رغبة ولن تكون هناك رغبة أمريكية لنشر ديمقراطية ولا احترام لحقوق الإنسان لا هنا ولا في لبنان ولا في أي مكان بل كانت وما زالت هناك رغبة أمريكية جامحة لاستعادة الهيمنة الكاملة علي المنطقة وثرواتها حيث يشكل الكيان الصهيوني رأس الحربة من أجل تنفيذ هذا الغرض. منذ العام 2006 والمشروع الأمريكي في المنطقة يشهد سلسلة من الانتكاسات والتراجعات كان آخرها عجز الإدارة الأمريكية عن الوفاء بالتعهدات التي قطعتها لحلفائها العرب فيما يتعلق بتشكيل حكومة عراقية موالية للغرب ومعادية لإيران رغم الحجم الهائل للإنفاق علي القوي المرشحة أمريكيا لاستلام السلطة وهذا هو السبب الحقيقي لتأخير تشكيل الحكومة العراقية الجديدة حتي هذه اللحظة رغم مرور أكثر من سبعة أشهر علي انتهاء الانتخابات البرلمانية. من المفيد أن نذكر أن الانسحاب الأمريكي السريع نسبيا من العراق ما كان ليتم لولا التعهد الذي قطعته أمريكا بعدم مهاجمة إيران عسكريا ورغم ذلك فالمقاومة العراقية الحقيقية تواصل توجيه ضرباتها لما تبقي من قوات الاحتلال في هذا البلد لئلا تفكر الإدارة الأمريكية في إقامة قواعد عسكرية دائمة لها في العراق. العقوبات علي إيران من ناحية أخري فالولايات المتحدة التي ما زالت تهول علي إيران بفرض مزيد من العقوبات تستجدي الآن هذا البلد من أجل تسهيل خروجها من أفغانستان بعد أن تصاعدت خسائر قوات الناتو في الفترة التي تلت إصدار الوجبة الأخيرة من قرارات مجلس الأمن ضد إيران بصورة مزعجة للغاية. لم يبق في الجعبة الأمريكية الخاوية إلا سلاح المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وهنا يبدو مدي تآكل قوة هذه الدولة (العظمي) التي أعلنت علي لسان رئيسها بوش عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقبل تسعة أعوام فقط لا غير عن اعتماد سياسة الضربات الاستباقية لمحور الشر فإذا بها الآن تكتفي بالمكائد والدسائس كبديل عن القصف الجوي والاجتياح البري، وتلك الأيام نداولها بين الناس. أما عن المفاوضات العربية الإسرائيلية التي دفعت هذه الإدارة حلفاءها العرب إليها دفعا فقد استحالت سرابا بعد أن كانت حلما فخاطرا فاحتمالا. في تلك الأجواء بدا في الأفق ملامح تقارب مصري إيراني تبدي في توقيع اتفاقية تبادل الرحلات الجوية بين البلدين والتصريحات التي أطلقها شيخ الأزهر أحمد الطيب مستنكرا قيام بعض القنوات الفضائية بتكفير الشيعة. أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا إلا أن تصريحات شيخ الأزهر وإغلاق قنوات الفتنة لا تكفي وحدها لتنقية الأجواء من الأبخرة السامة والقاتلة خاصة وأن التمدد الفتنوي لم يلحق الأذي بالشيعة وحدهم بل جاء في الأساس خصما من نفوذ الأزهر ذاته. تغيرت المنطقة إذا بسبب الانتكاسات المتوالية التي مني بها المشروع الأمريكي الصهيوني وإبطال أدواته المكلفة بتأجيج الفتنة الإسلامية الإسلامية والإسلامية المسيحية. تأكد الآن أن النفوذ الأمريكي في المنطقة آخذ بالانحسار والتراجع بصورة موازية ومساوية لانسحابهم من المنطقة وأن ثمة ضرورة ملحة لملء هذا الفراغ من خلال التعاون والتنسيق بين دول المنطقة وأن التصلب السياسي الذي أبداه البعض في مرحلة سابقة لم يعد له من مردود إلا إلحاق الأذي بكل من راهن علي التفوق السياسي والعسكري الغربي المطلق الذي آمن البعض به في السابق وكأنه كلمة الله التي سبقت لعباده الأمريكيين!!. لقد أضحي تحول موازين القوي لصالح القوي الناهضة في المنطقة أمرا واقعا وعلي الجميع أن يختاروا بين رياح الغرب القاتلة التي تحاول استعادة زخمها ورياح الشرق التي تحمل علي جناحها تباشير الوحدة والتعاون بين أبناء الأمة الواحدة.