كثر الحديث هذه الأيام عن عودة عيد الفن، وعن الصورة التي يجب ان يظهر عليها، وكثرت التنبؤات والتكهنات، هل سيكون احتفالا يحضره الرئيس ويقدم خلاله الاغاني والاوبريتات الغنائية، مثلما يحدث في اعياد الثورة او اعياد أكتوبر؟ أو في افتتاح مهرجانات السينما؟ أم أنه سوف يتخذ شكلا أكثر وقارا ويتم فيه تكريم بعض الفنانين ومنحهم الاوسمة والقلادات وشهادات التقدير؟ ثم نقفز الي السؤال الأصعب أي الفنانين يستحق ان يكرمه الرئيس ؟ومن سيكون صاحب الاختيار أو بشكل اكثر دقة ما هي الجهة او الشخص المسئول عن اختيار الفنانين الذين سوف يكرمهم سيادة الرئيس في هذه المناسبة؟ سألتني صحفية شابة عن رأيي في مسألة تكريم الفنانين في عيد الفن! ومن منهم يستحق فعلا التكريم هل هم جيل الكبار لمجرد انهم كبار أم الافضل أن نكرم جيل الشباب حتي نمنحهم دفعة وتشجيعا للعطاء؟ عصير العمر المسألة في غاية التعقيد فعلا، فإذا كان الاتجاه لتكريم الكبار، الذين اعطوا الفن عصير العمر وقدموا اعمالا فنية عظيمة، فمعني ذلك أننا سوف نحرم الشباب من فرص التكريم، وهم وقود المستقبل وأملنا في غد افضل؟ فما الذي يمكن ان يصنعه صاحب القرار في تلك المشكلة التي تحتاج الي حكمة وضمير ومعايير منضبطة؟ في هذه الحالة نحاول ان نستلهم تجارب الآخرين، خد عندك مثلا جائزة الاوسكار، وهي اروع فرصة سنوية لتكريم المبدعين في مجال صناعة السينما، يتم كل عام ترشيح خمسة مخرجين قدموا افلاما ذات مواصفات فنية متميزة، يتفق عليها غالبية اعضاء أكاديمية علوم وفنون السينما المانحة للاوسكار، كما يتم ترشيح خمسة ممثلين ومثلهم من الممثلات ومديري التصوير وكتاب السيناريو، بحيث تكون كل عناصر العمل السينمائي حاضرة، ولا فرق بين رجل وامرأة وكهل وشاب إلا بتفوقه الفني! وفي اوسكار هذا العام الذي تم الاعلان عنه في مارس الماضي، كانت الممثلات الخمس المرشحات للاوسكار هن ميريل ستيرب "60سنه"، هيلين ميرين "63 سنة"، ساندرلا بولاك 44 سنة، كاري موليجان"27 سنه"و"جابوري سيديب " وهي ممثلة سمراء قدمت اول افلامها "بريشوس" وعمرها لايزيد علي23 سنة! ولو كانت تلك الاسماء المرشحة أمام لجنة من المصريين، لقال احدهم أو قالوا جميعا ان من العيب ان تكون من بين المرشحين الفنانة الكبيرة ميريل ستتريب ، ونعطي الاوسكار لغيرها!ولكن لان اللجنة من الخواجات الذين يقيمون كل تجربة بذاتها بعيدا عن المسلمات والآراء المعلبة الجاهزة، تم اختيار ساندرا بولاك للجائزة رغم أن تاريخها الفني لم يكن يحمل افلاما عظيمه، ولكنهم في الاوسكار لايلقون بالاً لتاريخ الفنان وتجاربه السابقة، المهم إنجاز هذا العام، أي آخر فيلم قدمته ساندرا بولاك وهو "الجانب المظلم" الذي لعبت فيه دورا مفعما بالمشاعر الانسانية المتباينة، فاستحقت الاوسكار رغم وجود اثنتين من "غيلان" التمثيل بين المرشحات الخمس وهما ميريل ستريب وهيلين ميللين! الأكبر سناً إحدي الجرائد اليومية طرحت اسم الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، لتكون من بين المرشحين للتكريم في عيد الفن! طبعا هذا موسم الفتاوي وكل واحد حايعلن عن تصوراته وهذا من حقه، ولكن دعونا نناقش بموضوعية هذا الاحتمال فاتن حمامة ممثلة عظيمة وقد نالت من التكريم ماتستحقه، عن كل ماقدمته من اعمال، والناس تعرف قيمتها وقدرها تماما، ولكنها توقفت عن التمثيل منذ عام 1999، دون أن تعلن عن اعتزالها أو انسحابها، وهناك من الممثلات القديرات مازلن في حالة عطاء وتفاعل مع قضايا المجتمع، وهناك ممثلات من الاجيال التالية لجيل فاتن حمامة، يجتهدن لتقديم اعمال جيدة، تحمل قدرا من المغامرة، ويساهمن في تصعيد نجوم آخرين في مجالات كتابة السيناريو والاخراج والتمثيل ايضا، منهن سميرة احمد، ولبلبة ، ويسرا، وليلي علوي وسوسن بدر ورغم انهن لاينتمين لنفس الجيل وتفصل بينهن سنوات طويلة إلا أن كلا منهن تحارب في مجالها لتقديم اعمال متميزة ومتنوعة تستحق الثناء والتقدير، وإنكار جهدن يؤدي الي الاحباط والقنوط، وإذا تحدثنا عن النجوم الرجال فأري أن عادل امام لايزال يحفر طريقه لاستمرار نجاحه وهو ظاهرة فنية بكل المقاييس ولايزال داخله بركانا من العطاء، مثله مثل محمود عبد العزيز ونور الشريف ويحيي الفخراني ومحمد صبحي وهم ابناء جيل واحد ولكل منهم دوره وبصماته في حفظ التوازن في دنيا الفن الواسعة "السينما والتليفزيون" شريان الحياة ولانغفل قيمة النجوم الشباب فهم سر تدفق الحياة في شريان العمل الفني وبينهم من يقدم اعمالا مدهشة تحمل قدرا من الابداع تمنحنا الثقة في المستقبل، ومنهم آسر ياسين "رغم صغر سنه وحداثة تجربته"، أحمد حلمي ألفه جيله من نجوم الكوميديا وخالد النبوي، وعمرو واكد وخالد ابو النجا فلهؤلاء حضور في كل تجربة فنية جديده، ومن اسباب تدعيمها، اما المخرجون فلايزال الكبار هم الاقدر والاكثر تحملا لمسئولية حماية العمل الفني من العبث والانهيار، وهم في حالة نشاط إبداعي وبدونهم كانت صورة الحياة الفنية تصبح قاتمة ومتآكلة، وبينهم داوود عبد السيد، ومحمد خان، وخيري بشارة، يسري نصر الله ومن ابناء الجيل التالي شريف عرفة واسامة فوزي فجميعهم يستحقون التكريم والتقدير، ولو حذفنا من العشر سنوات الماضية إبداعهم الفني لكانت حياتنا السينمائية خاوية علي عروشها تعاني من فقر رهيب في الابداع!وفي مجال كتابة السيناريو يكاد يكون وحيد حامد من اوائل من يستحقون التكريم ، فهو يفاجئنا بين الحين والآخر بعمل فني يثير الاهتمام والاحترام ويمنحنا حالة هائلة من المتعة المطعمة بالفكر، وعطائه لاينبض ولايخفت أو يذبل، وماهر عواد السيناريست العزوف عن الضجيج والاضواء فهو صاحب بصمة مميزة واسلوب فني لا يباريه فيه أحد، ومحمد أمين المخرج والسيناريست الذي يقدم اعمالا سينمائية هادفة وجادة ولاتخلو من المتعة!أما في مجال الموسيقي فاعتقد أن ياسر عبد الرحمن حالة خاصة ، وموسيقاه كانت أحد أهم عناصر النجاح في الاعمال التي شارك فيها حتي تكاد تكون ترتفع في قيمتها عن الفيلم نفسه "ليلة البيبي دول " فهو عبقرية متفردة لايمكن إنكارها أو تخطيها، والموسيقار عمر خيرت من قلائل من برزوا في مجال الموسيقي التصويرية وأعماله بالغة الروعة، وعطاؤه لايمكن انكاره"الجماعة" في التليفزيون، و"أولادالعم" في السينما، راجح داوود صاحب البصمة الخاصة، والجمل الموسيقية المميزة التي تضيف تأثيرا ابداعيا علي كل عمل فني يشارك فيه، عمار الشريعي في كفاحه الدائم لتقديم الافضل في كل عام رغم غزارة إنتاجه!هؤلاء جميعا يستحقون الاشادة والتكريم وتخطيهم لاي سبب من الاسباب في إجحاف وتقليل من قيمة عيد الفن هذا إذا اردناه احتفالا حقيقيا باصحاب المواهب القيمة، هؤلاء هم قوتنا الناعمة التي نحارب بها قبح الحياة وجيوش الظلام هؤلاء هم بعض من مبدعينا الذين نفاخر بهم الامم ، ولذلك فهم يستحقون التكريم في عيد الفن!