بعد عاصفة من الجدل والانتقادات الحادة، قرر البرلمان اللبناني تأجيل التصويت علي مشروع قانون جديد خاص بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات كان من المفترض طرحه للتصويت في جلسة البرلمان التي عقدت الثلاثاء الماضي . لكن الانتقادات الشديدة التي وجهت له أسهمت في تأجيل التصويت عليه لمدة شهر بعد أن اعتبره الكثير من اللبنانيين مخيبا للآمال، حيث يتضمن القانون بعض المواد التي يمكن استغلالها في انتهاك الحق في الخصوصية وتقييد حرية استخدام الإنترنت، والإضرار بالاستثمارات في مجال الاتصالات والمعلوماتية في لبنان. ويمنح القانون الحق لهيئة الاتصالات بالتفتيش المالي والإداري والإلكتروني و الحصول علي أية معلومات والدخول لأنظمة التشغيل أو أي أدوات تتعلق بمعالجة البيانات. بالإضافة لمنح المراقب أو المفتش الحق في الحصول علي أية وثيقة مخزنة وعمل نسخ منها، والحصول علي المعلومات والإيضاحات التي يراها مناسبة في وقت التحقيق أو بعده، والدخول علي البرامج والمعلومات وطباعتها . وهو الأمر الذي اعتبره اللبنانيون انتهاكا لخصوصية مستخدمي الإنترنت . وقد وجهت انتقادات شديدة لمشروع قانون تكنولوجيا المعلومات الجديد الذي أكد البعض وجود دوافع سياسية خلفه حيث يقضي بإنشاء هيئة خاصة تسمي هيئة التواقيع والخدمات الإلكترونية تتمتع بشخصية معنوية واستقلال مالي وصلاحيات واسعة مستمدة من مجلس الوزراء الذي يعين رئيسها واعضاءها الخمسة . في الوقت الذي انتقد فيه عدد كبير من اصحاب المدونات والمواقع الالكترونية القانون المقترح والذي ينص علي عقوبات بحق من يحاول عرقلة عمل الهيئة وتتراوح العقوبات بين السجن من ثلاثة إلي ستة أشهر ودفع غرامة مالية من خمسة إلي عشرة ملايين ليرة لبنانية . ولايتم العقاب فقط للاعتراض علي عمل الهيئة وإنما قد يطال من يرفض إعطاءها معلومات شخصية . وخلال الجلسة التي شهدها البرلمان اللبناني الثلاثاء الماضي أكد كثير من النواب أن تأجيل البحث في دراسة مشروع تنظيم المعلوماتية في لبنان لمدة شهر إضافي سيعطي النواب فرصة لدراسته بعمق لتحقيق التوازن ما بين احترام قيم الحرية واحترام موازين الحرية . واعتبر النائب عن كتلة التغيير والإصلاح غسان مخيبر أن القانون يعطي الهيئة المشرفة صلاحية الضابطة العدلية دون إشراف القضاء مع إمكانية ضبط عدد كبير من مستندات الإنترنت. وأوضح أن القانون يتضمن مجموعة من الأحكام المتعلقة بالحريات الشخصية ودعا إلي إعادتها للجنة الفرعية لدراستها وتصحيح الشوائب التي تضمنتها من أجل تطوير القانون ليخدم مصالح اللبنانيين وحرياتهم وبشكل خاص المستثمرين في قطاع المعاملات الإليكترونية . أما النائب سامي الجميل من حزب الكتائب اللبنانية فاعتبر أن الصلاحيات المعطاة للهيئة غير مقبولة، فهي تتمتع بصلاحيات قضائية تمكنها من ملاحقة المخالفات علي الإنترنت بينما المفروض أن تكون النيابة العامة هي المسئولة عن ملاحقة أي خطأ أو تجاوز . ورأي أن إعطاء هذا الحق لهيئة معينة يمكن أن يؤدي للإضرار بالحريات العامة . مصادر لبنانية أكدت أنه لم تعرف حتي الآن الكتل التي ستصوت مع أو ضد القرار وإن كانت التكهنات المبدئية تشير إلي أن كتلة المستقبل تتجه للتصويت عليه في الوقت الذي وعدت فيه كتلة التغيير والإصلاح بعض الناشطين بالامتناع عن التصويت. وقد أعلن عدد من الناشطين في مجال الحقوق في لبنان أن الكثير من الجهود ستبذلها هيئات من المجتمع المدني خلال هذا الشهر عبر الاتصال بالمسئولين وممثلي الرأي العام للضغط باتجاه إحداث التغيير المطلوب في مشروع القانون. ويجري العمل بقانون تكنولوجيا المعلومات في لبنان منذ العام 2004 غير أن اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة أدخلت عليه تعديلات أثارت حفيظة المهنيين والمتعلقة بإعطاء هيئة التواقيع والخدمات الإلكترونية صلاحيات واسعة وهو ما يمكنها من الدخول إلي المعلومات الخاصة بالشركات والمؤسسات وهو ما أكده جابرييل ديك رئيس جمعية المعلوماتية المهنية في لبنان. كما أن اقتراح القانون يهمش دور بعض الوزارات المعنية بقطاع تكنولوجيا المعلومات والقطاع الخاص مثل وزارة المالية ووزارة الاتصال ووزارة العدل . بالإضافة إلي أن الهيئة تتمتع بصلاحيات تنظيمية وفي نفس الوقت لها صلاحيات الاستثمار في خدمات إلكترونية ، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون غير مقبول . يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه الدعوات الشعبية في لبنان بتوسيع المشاركة في الحملة الإلكترونية علي الإنترنت والتي تحث علي إعادة صياغة هذا القانون المثير للجدل، حيث شهدت الفترة الماضية حركة نشطة علي مستوي المجتمع المدني من خلال زيارات للكتل النيابية المختلفة أو من خلال إنشاء الحملات المعارضة للقانون علي مواقع إليكترونية مختلفة وأيضا علي الفيس بوك حيث أنشأت مجموعة خاصة باسم " أوقفوا هذا القانون " . كما قام بعض المدونين بالاعتراض علي القانون الذي قد يهدد مدوناتهم وقاموا بتصميم ملصق خاص ونشره علي الإنترنت . وقد عبر رئيس جمعية تبادل الإعلام الاجتماعي اللبناني محمد نجم عن سخط المجتمع المدني علي تهميش دوره، متحدثا عن عنصر المفاجأة الذي لم يسمح للنواب ولا للناشطين المعنيين أو الخبراء من خارج إطار اللجان بتقديم تعليقاتهم المختصة علي مشروع القانون . ودعا نجم إلي المشاركة بشكل مكثف في الحملة الإليكترونية التي تحث علي تأجيل التصويت علي القانون ريثما تتم إعاد صياغته قانونيا . لكن قرار تأجيل التصويت علي مشروع القانون لمدة شهر أضفي أملا جديدا علي إمكانية أن يحدث الضغط الشعبي نتيجة فاعلة في تغيير بعض مواد هذا القانون . وكتب الموقع الخاص بجمعية تبادل الإنترنت الجماعي النشطة في هذا الموضوع تحت عنوان "اوقفنا القانون " معتبرا أن تأجيل التصويت بحد ذاته هو نجاح للحملة، حيث تحدث عن الخطوات التي تم اتخاذها للوصول لخطوة إيقاف القانون ولو بشكل مؤقت من خلال الاتصال بالنواب والصحفيين وإرسال الرسائل الإليكترونية علي الفيس بوك وموقع تويتر والتنسيق مع باقي الهيئات والمنظمات المدنية . وتطالب الحملة باستغلال فترة هذا الشهر من أجل توحيد الجهود واختيار موقف محدد من إعادة صياغة القانون الذي يتيح في فقراته التاسعة والستين الأولي نقل لبنان إلي مصاف الدول المتقدمة في مجال الخدمات الصرفية الإليكترونية ويهدد في مواده الاثنين والعشرين الباقية بإعادة لبنان إلي الخلف ثلاثين عاما علي الأقل بحسب رأي الكثير من اللبنانيين .