هناك ثمة تغيير واضح طرأ علي نوعية البرامج التي تقدمها قناة نايل سينما في الآونة الأخيرة، فلم أكن "ومازلت" أطيق حفلات أعياد الميلاد التي تقيمها القناة لبعض النجوم،وتلك الهيصة والتهليل المجاني لكل من هب ودب حتي أولئك الذين لم يقدموا شيئا للسينما المصرية أو هؤلاء الذين أساءوا إليها وأعلنوا انسحابهم بعد أن اكتشفوا أو اكتشفن أن السينما "حرام"! وكنت أتابع حفلات أعياد الميلاد التليفزيونية وأتساءل ولابد أن كثيرين مثلي كانوا يتساءلون: هل تم افتتاح هذه القناة التي تكلف الدولة أموالا طائلة كي نسعد حفنة من النجوم "ثلاثين أربعين شخصا" ونحتفي بأعياد ميلادهم؟ أم أن الهدف منها خدمة المواطن المصري ونشر الثقافة السينمائية والتنويرية، وتنمية الذوق العام والترفيه عنه بطريقة محترمة لا تستفز مشاعره وتشعره بالعجز لأنه غالبا غير قادر علي عمل أعياد ميلاد لأطفاله الذين يستحقون البهجة ثم يتابع نفس المواطن المنهك المهدود الذي أعيته السبل تلك الحفلات السخيفة التي تقام لبعض النجوم؟ بالمناسبة لا يوجد تليفزيون علي وجه الأرض يفعل ذلك باستثناء طبعا روتانا وART، وكان هذا الفعل مرتبطا بوجود هالة سرحان في تلك القنوات فهي التي بدعت مبدأ الهيصة والتهييص لكل من هب ودب! إنجاز حقيقي طبعا نحن لا نمانع من تكريم والاحتفاء بكل صاحب إنجاز فني حقيقي،يعني كل من قدم دورا سينمائيا أو كتب أو أخرج فيلما ناجحا، أو حصل علي جائزة من مهرجان محلي أو دولي !مبدأ الاحتفال أوالاحتفاء غير مرفوض ، ولكن الاحتفال بإيه وبمين ؟ فلا يعقل أن يتساوي ممثل تافه ساهم في تخريب السينما المصرية بآخر قدم أعمالا محترمة! المهم أن قناة نايل سينما لم تتوقف طبعا عن عمل أعياد الميلاد لإنها تعتبرها إنجازا لا يمكن الاستغناء عنه،وهي وسيلة "لا احترمها كثيرا" لإغراء النجوم علي المشاركة في برامج القناة التي لاتدفع مقابلا ماديا لضيوفها من النجوم! مع أن البرامج التي تستضيف النجوم التي تقدمها القنوات العربية المنافسة،تدفع للنجوم وتستضيفهم علي أرضها وتتحمل قيمة تذاكر الطيران، وإقامة النجم في أحد الفنادق الفاخرة، ثم تمنحه أجرًا مجزيا، ومع ذلك تحقق تلك البرامج مكاسب أدبية ومادية، دون ان تحمل نفسها ثمن مجاملة فنان،بلا قيمة وتضطر لنفاقه والحديث عن فضائل غير موجودة فيه لأنه قبل أن يظهر ببلاش! وطبعا مقولة إن التليفزيون المصري ظروفه المادية صعبة وميزانيته علي قده، ولا يستطيع أن يدفع لنجومه مقولة مضللة وكاذبة ولولا أننا لا نعترف بالشفافية لكان من حقنا أن نتساءل: كيف توضع ميزانية البرامج؟ وكيف يتم تبديد الملايين علي أشخاص يحصلون علي أجور ضخمة جدا دون أن يفعلوا شيئا؟ وهذا موضوع آخر ليس مكانه هذه السطور! طفرة ملحوظة ونعود إلي مسار حديثنا الذي بدأناه بتلك الطفرة الملحوظة علي مستوي قناة نايل سينما، تلك التي بدأت بالاهتمام بالمناسبات السينمائية العالمية وتقديم متابعة لجوائز الأوسكار، ومهرجان كان السينمائي الدولي وغيره من المهرجانات العربية أو الدولية، بالإضافة لتطورملحوظ في مستوي القضايا المطروحة من خلال برنامج "استوديو مصر" الذي قدم الأربعاء الماضي حلقة عن معني التطبيع الثقافي، وكانت المناسبة تلك الاتهامات التي مازالت تلاحق الفنان خالد النبوي بعد مشاركته في الفيلم الأمريكي "اللعبة العادلة" بحجة أن هناك ممثلة إسرائيلية شاركت في الفيلم الذي عرض في المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة بمهرجان كان السينمائي ولم يلتفت من أثاروا الزوبعة أن الفيلم الأمريكي ينحاز للقضية العربية ويدين السياسة الأمريكية التي خدعت العالم بأسباب ملفقة عن احتلالها للأراضي العراقية، أكثر من شهرين والأزمة المفتعلة لم تهدأ، وأغلب الظن أن من أشعل النار فيها كان يقصد "الشوشرة " علي نجاح خالد النبوي في فيلم «الديلر»! واستضاف برنامج «استوديو مصر» الذي يعده "ماجد حبته" وتقدمه ماجدة القاضي مجموعة من المثقفين لهم مثلنا جميعا رأي رافض للتطبيع مع إسرائيل! لكن اختلف الامر في تفسير معني التطبيع الثقافي، فإذا كنا جميعا نرفض مشاركة أي فيلم إسرائيلي "حتي لو كان يتبني وجهة النظر العربية" في أية مهرجانات محلية داخل أراضي مصر، كما نرفض مشاركة اي فرقة مسرحية من اسرائيل في مهرجان المسرح التجريبي أو نرفض مشاركة إسرائيل في معرض الكتاب، وبالتالي نرفض مشاركة اي فيلم مصري في مهرجان يقام علي الأراضي المحتلة! لكن هل يمكن أن نرفض مشاركة فيلم مصري في مهرجان سينمائي عالمي لمجرد وجود فيلم اسرائيلي في المهرجان؟ هل المطلوب ان ننسحب من الساحة لنترك الفرصة للسينما الإسرائيلية ان تتسيد الموقف ثم نكتفي بالبكاء والشكوي لأن صوتنا لايصل الي العالم؟ للأسف ضيوف حلقة التطبيع من برنامج "استوديو مصر" لم يكن اي منهم مؤهلا للحديث عن السينما والأبعاد المختلفة للقضية، ولم تستطع المذيعة "ماجدة القاضي" أن تقدم كل الأطروحات التي لاتصلح معها العبارات الإنشائية الرنانة أو المزايدات الوطنية!فالحكاية أكثر تعقيدا من فكرة الرفض أو القبول، وخاصة أن السينما العالمية بدأت في الآونة الاخيرة تقدم افلاما تسمح بتواجد إيجابي للشخصيات العربية، وتلك الشخصيات تحتم الاستعانة بممثلين عرب، حيث لا يمكن مثلا الاستعانة بممثل مكسيكي أو إيطالي أو أمريكي أو هندي ليقدم شخصية عربية نظرا لحاجز اللغة،فيكون الحل أحد أمرين لا ثالث لهما إما الاستعانة بممثل عربي أو إسرائيلي "وهو مايحدث كثيرا جدا " لأن الممثل الإسرائيلي غالبا ما يتقن اللغة العربية بجميع لهجاتها ولكناتها مثل فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية"حيث قام مجموعة من الممثلين الاسرائيليين بتقديم شخصيات مصرية! والفيلم الامريكي «اللعبة العادلة» استعان بالممثلة الإسرائيلية لتجسيد شخصية فتاة عراقية ! يبقي مناقشة الموضوع كان لابد وأن تبدأ من هذه الحقيقة التي يجهلها أو يعرفها بعض ضيوف برنامج "استديو مصر" ولكنهم تغاضوا عنها في هوجة انفعالاتهم !ومعني أن يرفض خالد النبوي أو غيره من الممثلين المصريين والعرب أداء أدوار شخصيات عربية في الأفلام الأمريكية أن يحل مكانهم ممثلون من إسرائيل!! ليصبح بعد ذلك الممثل الإسرائيلي هو البديل الطبيعي للممثل العربي! وطبعا لا تتوقع ان يكون هذا الممثل الإسرائيلي حريصا علي الصورة التي تقدم بها الشخصيات العربية والمسلمة في الأفلام الأمريكية أو الأوروبية! يد إلهية المخرج الفلسطيني إيليا سليمان قدم في مهرجان كان فيلم "يد إلهية" ونال عنه الجائزة الكبري في عام 2005، وهو - أي الفيلم - يضم مجموعة من الممثلين الفلسطينيين وغيرهم من الممثلين الاسرائيليين ثم عاد في العام الماضي 2009 ليقدم في مسابقة كان فيلم «الذكريات الباقية» وهو ايضا يضم ممثلين من الطرفين، وطبعا لايمكن التشكيك في وطنية إيليا سليمان المهموم بتوصيل قضية بلاده للعالم أجمع من خلال أفلامه السينمائية التي تحصل احيانا علي تمويل من جهات إسرائيلية! وبالإضافة ل"إيليا سليمان" هناك "شيرين دعبس"، رشيد مشهراوي، محمد البكري مخرج فيلم "حيفا" وآخرون الحديث عنهم يحتاج صفحات كاملة من الجريدة! الذين لاموا وهاجموا خالد النبوي ومن قبله "عمرو واكد" لايعرفون إلا القليل عما يحدث علي ساحة السينما العالمية، وكنت أتمني أن يحرص برنامج "استوديو مصر" علي استضافة نماذج مختلفة من المثقفين،لكل منهم مكانته وقدرته علي التحليل الموضوعي لكن للأسف فإن ماحدث في حلقة التطبيع،كان دليلا علي انسياق ضيوف الحلقة خلف صاحب الرأي الأعلي صوتاً وعنفاً! وكان خالد النبوي هو ضيف الحلقة التي عرضت يوم الخميس الماضي من برنامج استوديو مصر،وقام بتقديمها "مصطفي ياسين"، وطبعا كان من الواضح أن خالد النبوي جاء للبرنامج وفي نيته توضيح وجهة نظره، وتقديم معلومات كثيرة ومفيدة عن طبيعة مشاركته في بعض الافلام العالمية! لكن كما اتضح من عرض الحلقة أن هناك مونتاجا قاسيا تم علي كثير من مناطق الحوار، أغلب الظن أنه تم عن جهل وقلة وعي وليس عن قصد، ومع ذلك فإن الحلقة طرحت الكثير من القضايا السينمائية المهمة، تبادل مناقشتها مذيع ذاكر الموضوع باهتمام ونجم يعرف قيمة الدور الذي يلعبه في المجتمع،حلقة خالد النبوي من الحلقات النموذجية التي توفر لها الإعداد الجيد، والمذيع الفاهم، والضيف المثقف، فجاءت الحلقة تحمل الكثير من الترفيه والمتعة والثقافة أيضا!