الفيلم الأخير للمخرج «مايكل ووتربوتوم» «القاتل في داخلي» أثار جدلا كبيرا في هوليود إلي حد أن نقاد الفيلم أجمعوا علي أن يطلبوا من الجمهور مقاطعته ليس بسبب الفيلم وقصته، بل بسبب العنف الصادم في مشاهده، فلا تكاد تمضي عشرون دقيقة من عرض الفيلم، حتي نواجه بوحشية تصدمنا رجل يضرب امرأة بقبضتيه - وهو مشهد لا يستطيع أي شخص عادي أن يراه دون أن يغلق عينيه ويشيح بوجه مملوء بالاحتقار والغضب. القضية معدة عن قصة «جيم ثومبسون» التي نشرها عام 1952 بنفس العنوان «القاتل في داخلي» وتدور أحداثها في إحدي مدن تكساس المنزوية وتدعي «سنترال سيتي» وتحكي قصة نائب عمدة المدينة ويدعي لوفورد «كاسي أفيليك» بوسامته الشابة ومراهقته البادية مما يكسبه مظهر الشاب السوي الخلق المتزن التصرفات .. فيه بعض الغباء ربما بحكم نشأته في المدينة، لكن ذلك لا يدوم. الحب .. والعنف والقتل عندما يأمره رئيسه عمدة المدينة «توم بور» بأن يهاجم ماخورا في المدينة يلتقي جويس ليكلاند «جيسكا ألبا» يكتشف أنها علي درجة كبيرة من الجمال وعندما تصفعه تطلق الوحش الكامن في أعماقه ويتحول إلي عاشقها ثم قاتلها. كان «فورد وجويس قد وضعا خطة للنصب علي ابن أكبر ثري في المدينة، لكن الأمر ينتهي بأن الخديعة تنصب من فورد علي جويس، وهنا يصدمنا مشهد العته الذي يضربها فيه حتي الموت بيديه العاريتين، بينما يزعجنا «ووتربوتوم» بفيلمه ويذكرنا أن بطله فورد يرتكب عدة جرائم وهو يحاول أن يخفي أفعاله. إن فيلم «القاتل في داخلي» للحظ السيء قد بدأ عرضه، عندما اكتشفت جرائم قتل ثلاث عاهرات في مدينة برادفورد، وتصدرت اخبارها الصفحات الأولي في الصحف.. إن الفيلم والكتاب أيضا، يعطيا انطباعا مقلقا بأن جويس نفسها مسئولة عن إطلاق الوحش القاتل في أعماق فورد، وخليط من عنف جويس الذي تبدي في مشاهد الجنس السادية - وحبها البريء لفورد. فجرت فيه ذكريات الطفولة ورغبات عنيفة أدت إلي قتلها .. الفيلم يحاول اقناعنا بأن جويس كانت مملوءة بالرغبة في الموت، ولهذا قابلت ضربات فورد بسلبية تامة، وكأنما كانت مجرد حقيبة للضرب مما يتدرب عليها الملاكمون، كانت جويس تسعي إلي حتفها، وتحقق هذا لها فعلا ولا تلومن إلا الضحية. الضرب والعنف للنساء فقط واضح أن «مايكل ووتربوتوم»، عنده مخزون من الرغبة في مشاهد العنف، لكنه عنف موجه إلي النساء في الأغلب، علي الرغم من أن بطله فورد يهاجم رجلين أيضا، وفي رأيي أن العنف المطلق لا يتيح تقديم فيلم جيد لأنه دراميا غير صحيح. إن «ووتربوتوم» قد وقع نتيجة لفهم عام خاطئ عن القتلة من أمثال فورد، وافترض أن تصرفاتهم الصادمة سوف تبهرنا، لكن من الصعب اكتشاف ما يبهر في هذه المواقف، إن فورد لا يملك شيئا من إثارة هانيبال ليكنز بطل «صمت الحملان».. إنه يفتقر إلي الأخلاق أو الذوبان كلية في الشخصية بل هو مثال متحرك للشيطان، وبعد مضي عشر دقائق فقط من رؤيته تتمني لو تقتل نفسك من الملل، لقد فشل ووتربوتوم في محاولته لجعل بطله رمزا دراميا، وعلي قول أوسكار وايلد، الكاتب الإنجليزي الأشهر «كل رجل يقتل الشيء الذي يحبه» وهذا ينطبق حقا علي فورد .. إنه يحب جويس لكنه يقتلها .. ويحب صديقته الممشوقة آني «كيت هدسون» لكنه يقتلها.. نحن أمام دراسة إذن لتدمير الذات .. لكننا لا نجد القدرة لمعرفة ماذا يقود فورد فعلا. تجاهل العوامل النفسية المؤثرة إن فيلم مايكل ووتربوتوم «القاتل في داخلي» يعطينا اشارات إلي طفولة بطله المليئة بالمتاعب، ويعطيه مبررا للانتقام، لكنه علي عكس الكتاب يبتعد عن أي تفسيرات للعوامل النفسية في أعمال بطله.. إن ما يجعل رواية ثومبسون مثيرة منذ صفحاتها الأولي هو أنه منذ المنولوج الداخلي في صفحاتها الأولي تدخلنا في «عقل» قاتل بدم بارد، ويلجأ ووتربوتوم إلي استخدام صوت فورد لكي يحقق لنا هذا النوع من الخصوصية، لكن بطله يظل شخصا غريبا ومبتعدا، وينتهي الفيلم دراميا بصورة سلبية. إن «القاتل في داخلي» ممل وتقليدي، تجتاحه أحداث متلاحقة من العنف والجنس والسيناريو الذي كتبه «جون كوران»، في الأغلب من الصعب تتبعه، خاصة في ظل التمتمة والهمهمة اللتين يطلقهما بطله كاسي أفيليك.. وفي المشاهد الأولي من الفيلم يقدم لنا معلومة من فورد، مفادها أن البوليس أوقفه كمشتبه بأنه قاتل، كنهم لم يعاملوه هكذا في أي وقت من الأوقات أو حتي وضعوه تحت المراقبة. وفي رأيي أن الأداء لم يجود صورة الفيلم .. إن أفيليك ممثل جيد لكنه فشل في أن يتجاوز بنا البرود في شخصية فورد أو رسم الجوهر المجنون تحت السطح .. ومن المؤكد أن شخصية «ألبا» تشعر وتنضج بالجنس ، وكنت أتمني أن أعرف قصتها.. إنها عاهرة بكل بساطة، لكن بقلب مملوء بالظلمة. ما يدهشني أن الفيلم تركني نهبة لسؤال ملح.. هل نحن في حاجة إلي رحلة أخري في عقل قاتل؟!