كتب شريف أسعد ستظل الكنبة المصرية هي قطعة الاثاث الاهم في التاريخ، نعم ... ويمكننا وبمنتهي السهولة ان ندرج هذه القطعة ضمن موسوعة الارقام القياسية لاهم قطعة اثاث علي مستوي العالم، فهي لا تمثل ركن من اركان كل منازل مصر فقط، بل اصبحت ايضا تمثل "حزبا" شعبيا يمثل الغالبية العظمي من شعب مصر شئنا أم أبينا. جلست قليلا لافكر واتمعن في هذه الغالبية وفي رأسي تدور العديد من التصورات حول الطريقة التي ينظر بها كل فرد من افرادها الي الامور، فوجدت انه حزب مثل باقي الاحزاب، ينظر الي الامور من منطلق المصلحة العامة المقترنة بالمصلحة الشخصية، وجدت ايضا ان حتي هذا الحزب لم ينج في النهاية من الانقسام والاختلاف، فمع الاتفاق العام والشامل علي جعل "شلتة الكنبة" هي المقر الرئيسي لهذا الحزب، الا انه وبحكم العادات والثقافات والاهداف المتنوعة إختلفت وجهات النظر والافكار، فمنهم من أراد ان يجلس علي جانب الكنبة الايمن متكئا، ومنهم من رغب في ان يستلقي "ممددا"، ومنهم من ضرب بالغرض الاساسي منها عرض الحائط و إستغلها استغلالا تامًا في النوم غير عابئا بما قد ترفضه الكنبة ذات نفسها، مُدخلًا عليها ما ليس منها و ما لا تحبه ولا تطيقه و تنظر اليه نظرة السلايف بعضهم لبعض "وسادة السرير" المنافس العتيد لها !. هذا الحزب يضم كل من تعرف، ومن لا تعرف، يضم الام والاب والاخ والصديق، يضم كل من لم تحمله قدماه الي التحرير، ويضم ايضا من حملته قدماه الي هناك ولكنها لم تعد قادرة علي المواصلة وسقطت بحاملها في براثن الكنبة المفترسة فلم يستطع بعدها النهوض . هذا الحزب يضم الرافضين للثورة والرافضين لاستكمالها، ويضم ايضا الثائرين الرابضين، الراغبين في مواصلة الثورة " كنبيا " وليس فعليا الي ان تنفجر ثورة اخري او تموت الثورة الحالية. هذا الحزب يضم الملايين من المصريين، وبكل تأكيد من استطاع ان يوحد هذا الحزب نحو اتجاه معين، فقد فاز في معركته لا محالة، بلا ادني شك، وهذا ما يتقاتل فيه الإعلام قتالا عنيفا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ويبذلون في سبيله الغالي والنفيس، يصبحون ويمسون وهم يطلون علينا بمنتهي القوة من خلال قناة الاتصال الاولي مع هذا الحزب " شاشة التلفاز"، وهذه ليست تفاهة كما يعتقد البعض، فتوجيه رأي هذا الحزب الكبير نحو اتجاه معين ,كفيل بان يهزم اي رأي اخر في سهولة ويسر . كل انسان عاش في هذه البلاد وقت الثورة، مثل ورقة، نصفها كتبته الحياة، والاخر وجب عليه ان يملئه بنفسه، فمنا من قرر ان يملأه بفعل النزول الي الثورة والاستمرار فيها، ومنا من قرر ان يكتبه من خلال متابعته للاحداث عن كثب، ومنا من قرر ان يكتبه مما يخرج عليه من شاشات التفاز، و هم الغالبية العظمي، حزب الكنبة الذي يمثل السواد الاعظم من شعب مصر . لو اراد حزب الكنبة ان يُكون حزبا سياسيا، لاكتسح كل الاحزاب الاخري، ولو اراد اصلاح البلاد لصلح حالها بين يوم وليلة، لو اراد ان يقضي علي الثورة لقضي عليها، ولو اراد ان يقيم ثورة جديدة ,لقامت، الخلاصة ان هذا الحزب له القدرة علي تغيير مجريات الامور فقط في حالة ان شارك بصورة عملية . لقد حاولت ان اضع نفسي في منتصف "الكنبة"، وان اتقرب منها، واتودد اليها حتي اشعر بنفس مشاعر اعضاء الحزب، حاولت الا اُدخل عليها دخيلا من خارجها، "لا بطانية ولا مخدة "، واعتذرت لها عن كل ما حدث مني ومن اولادي اتجاهها من قبل من " تنطيط و سكب شاي و مسح اياد امتلئت طبيخًا ..الخ " حتي نتقارب شعوريا ومعنويا. وفي النهاية، وبعد ان اصبحت الامور بيننا علي ما يرام، بدأت اشعر رويدا رويدا بما يشعر به اعضاء هذا الحزب، وبدأت اسباب الاختلاف في الرأي بينهم وبين من يقفون في الشارع ثائرين تتضح . لقد وجدت ان العقل والمنطق لديهم قد طغي بشكل او بأخر علي الاحاسيس و المشاعر، لقد تحولت عقولهم الي طريق "اتجاه واحد مثل شوارع المعادي" موجه نحو افكار لم تكونها التجربة الفعلية، بل كونتها الالة الاعلامية الشرسة الدئوبة والقراءات والمشاهدات التي ملئت البرامج وصفحات الصحف ومواقع الانترنت . ولكن في نفس الوقت لم تموت تلك المشاعر او تختفي الاحاسيس، فهي موجودة كالنار تحت الرماد ، يكفي فقط ان يقرر اي منهم النزول الي الشارع مرة واحدة، مُمسكا بيد اخٍ له ليكون طريقًا لمرور عربات الاسعاف في الميدان، او ان يحمل بين يديه مصابا والدهشة تملئه من هذا الكم من الدماء الذي يتقاطر منه، او ان يمر بالاسوأ والاكثر رعبا وتأثيرا بالنسبة له وهو ان يحتضن بين ذراعيه مواطنا مصريا يلفظ انفاسه الاخيرة وهو ينظر اليه في ذهول شاخصا البصر ,وكأنه يستودعه امانة في عنقه الي يوم يلقاه بان لا يضيع حقه وحق اولاده وحق بلاده من بعده. في هذه اللحظة، لن يسأل عن وظيفة او عن سبب او عن مؤامرة، لن يستطيع كبت جماح مشاعر انسانية بسيطة، ستتبدل بداخله كل الاحاسيس وسيبرز علي رأسها احساس واحد، الغضب، والرغبة في ان لا تذهب هذه الارواح والدماء هباءا ,ووقتها سيقول لك بثقة كونتها التجربة الفعلية، "لا تكلمني عن المنطق" وهو الذي طالما دافع عنه بإستماتة. واذا لم يمر بأي من هذه التجارب، فاعلم انه لن يتغير ابدًا، وسيظل متكئأ علي جانبيه صيفا وشتاءا، واذا حتي حاولت ان تقنعه الف عام لن تجد منه الا دعوةً للجلوس الي جانبه علي الكنبة، صغُر حجمها او كبُر، وسيبتسم لك قائلا "يا راجل تعالي اقعد وريَّح، واسعة أهي وتساع من الحبايب الف، كنبة المحب صالون".