عندما انهار جهاز الشرطة، عقب الثورة، شهدت مصر انفلاتا أمنيا، لم تشهد مثله، فى عقودها الستة الأخيرة، مما أصاب الأغلبية العظمى بحالة من الخوف والفزع، لم تشعر بها من قبل، وسواء أكان هذا حقيقة أم لا، وبغض النظر عن اتفاقنا واختلافنا معه، فقد شعرت الغالبية العظمى، بأن الأمان الوحيد المتبقى هو الجيش، ولكن عشاق المليونيات لم يبالوا بهذا، وأصروا على مواصلة حالة الاحتقان، بلا توقف تقريبا، مؤكدين أنهم وحدهم يعرفون صالح البلد، ويحرصون على مستقبلها، ثم اتهموا كل من يخالف أو يعارض، بالجهل، والغفلة، والتقاعس، وكل ما حلا لهم، من الصفات السلبية والجارحة، مما أدى إلى ابتعاد الشعب العادى عن الثورة رويدا رويدا، ونظره إلى الشباب باعتبارهم مصدر عدم الاستقرار، والسبب الرئيسى فى قلة العمل، وقلة الموارد، وعدم الاستقرار، ولأن المليونيات والتظاهرات هى الوسيط الأمثل، لكل من يرغب فى إفشال الثورة، فقد تسلّل إليها كل من يتبع الثورة المضادة، أيا كان اتجاهها، داخليا أو خارجيا، وبدأت بعض التظاهرات والمليونيات تتجه نحو العنف، وتستجيب لكل من يحاول إفشالها، دون أن تدرى، مدفوعة بانفعالها، تجاه كل ما يتم ترويجه على شبكة الإنترنت، بغض النظر عن صحته، أو حتى منطقيته، وحدث خلط عجيب، بين مشروعية التظاهر، وعدم مشروعية الهجوم، ومحاولات الاقتحام بالقوة، وصرخ المتظاهرون يطالبون الكل بعدم الدفاع عن أنفسهم، باعتبار أن هذا ضد حرية التظاهر، كأنهم يطالبونهم بالموت فى استسلام، وهو ما لا يتفق مع الفطرة السليمة، وحزب الكنبة يتابع كل هذا فى خوف وقلق، وانعدام الشعور بالأمان، ويدعو الله سبحانه وتعالى، من كل قلبه، أن تنتهى هذه الأيام العصيبة. ووسط كل هذا انهالت الاتهامات على المجلس العسكرى، وعلت نبرة الهجوم عليه، إلى حد اتهامه بأنه وراء كل فوضى، كأننا فى شعب من الملائكة، ليس بهم من شياطين، سوى المجلس العسكرى، ونسى الكل، فى غمرة حماسهم وانفعالهم، أن أحد أهم أسباب التعاطف الشعبى مع جماعة الإخوان المسلمين، هو الهجوم الشرس من النظام السابق عليهم، ووقعوا فى الخطأ نفسه، كأنهم لا يتعلمون شيئا من التاريخ القريب، فتسبّب هجومهم الشرس المتواصل، على المجلس العسكرى، فى كل صغيرة وكبيرة، فى إثارة مزيد من خوف حزب الكنبة، الذى يرى، مصيبا أم مخطئا، أن الجيش وقيادته، هم الدعامة الأخيرة المتبقية، التى تحمل سقف البلد، حتى لا ينهار على كل الرؤوس، ولهذا تعاطفت الغالبية العظمى مع المجلس العسكرى، وصارت تعادى من يعادونه، لأنهم فى نظرهم، ينتزعون منهم دعامة الأمان الأخيرة، وهنا انقلب الحال رأسا على عقب... وللحديث تكملة.