ثورة الشباب فى الميدان اختلفت هذه المرة، على الرغم من أن المقدمات واحدة، ولكن هناك علم (سيبرانتيك)، الذى يقول إن المقدمات المتشابهة، لا تقود بالضرورة إلى نتائج متشابهة، لأن لكل مقدمات ظروفها، ولكل تحركات تداعياتها، ومن المستحيل أن تتكرّر الأحداث على النحو نفسه، مهما تشابهت مقدماتها ودوافعها، ويستند هذا العلم إلى أنه هناك دوما متغيرات صغيرة، وتطورات بسيطة، تحتم أن لا تتخذ الأحداث نفس المجرى، مهما تشابهت، وهو يضرب مثالا على هذا بوضع نقطة زيت على سطح منزلق، لتنزلق متخذة مسارا بعينه، ثم وضع نقطة ثانية، مساوية لها فى الكتلة والكثافة، وفى نفس الموضع بالضبط، فتتخذ مسارا مخالفا، نظرا للعديد من الموانع الميكروسكوبية فى طريقها.. هى إذن ليست مصادفة أن تختلف الأمور هذه المرة، فمع اتفاقنا أو اختلافنا مع ما يحدث فى التحرير، فلا بد أن نعترف أن التوقيت هذه المرة صنع فارقا كبيرا، ففى يناير كان هناك شعب فقد الأمل، فخرج ينادى بالتغيير، وفى هذه المرة هناك شعب متشبث بالأمل، فى انتخابات حرة، ربما لأوّل مرة فى تاريخه الحديث، وتفاعل شعب مقدم على الأمل، يختلف حتما، مع تفاعل شعب فقد الأمل، والأسلوب الذى تعامل به شباب التحرير فى يناير، لم يختلف عن أسلوبهم فى نوفمبر، فهم يطالبون بالحرية، ويرفضون، وبمنتهى العنف، كل من يتعارض معهم، أو يطالب بنفس الحرية، من منظور مختلف، على الرغم من أن تعريف الحرية يستحيل أن يكون معناه هو حرية التحرير، بل هو حرية شعب فى التعبير، سواء اتفقت معه أو اختلفت، ووصف من يختلف معهم بأنه مأجور وخائن، وتابع للفلول، هو وسيلة مثلى لانفصال الشارع عنهم، ووصف حزب الكنبة، الذى يوصف به كل من لا ينزل إلى الميدان، هو وصف مثالى، لخسارة الغالبية العظمى من الشعب، سواء فى التحرير، أو فى صناديق الانتخاب، ففى النهاية، شاء التحرير أم أبى، سيدلى حزب الكنبة بصوته فى الانتخابات، التى تجرى بالفعل، ولو أن هناك مليونى شخص فى التحرير، وهو أمر مستحيل هندسيا، نظرا لأن المتر المربّع الواحد (هندسيا) لا يحتمل سوى أربعة أشخاص، فهناك ستة وأربعون مليونا آخرون خارج الميدان، والطوابير الطويلة الكثيفة، أمام لجان التصويت تشير إلى أن معظمهم مصر على لعب دوره، وأنه ليس حزب كنبة كما يصفونه، وإنما هو حزب إيجابى، فى اتجاه حر، لا يمكن فرض الإرادة عليه بالقوة.. من ينادى بالحرية والديمقراطية لا بد أن يبدأ بنفسه، ويمارسهما أوّلا، وأن يؤمن بهما، وإلا فهو مثل سيئ لما يطالب به.. اغضبوا من كلماتى، ولكن فكروا.. يا أولى الألباب.