أدى قرار الحكومة اليونانية إجراء استفتاء عام حول حزمة المساعدات الاوروبية لاقتصادها المنهار الى تجدد الفوضى في أسواق منطقة اليورو. وكان المصرف المركزي الاوروبي والمفوضية الاوروبية وصندوق النقد الدولي قد قالوا اواخر الشهر الماضي إنهم توصلوا الى اتفاق مع اليونان على خطة اصلاحات من شأنها اعادة اقتصاد هذا البلد الى جادة الصواب. الا ان الثلاثة اعلنوا يوم امس انهم قرروا تعليق صرف الوجبة المستحقة من المساعدات البالغة 8 مليارات يورو، وطالبوا اثينا ان تقرر ما اذا كانت ترغب في البقاء ضمن منطقة اليورو. والمليارات الثماني المذكورة هي جزء من برنامج انقاذ قيمته 110 مليارات يورو كان قد اتفق عليه في الصيف الماضي. وقد وافق الزعماء الاوروبيون منذ ذلك على تقديم 109 مليارات يورو اضافية لليونانيين، ولكن الوجبة الثانية لم يتم التصديق عليها من قبل برلمانات الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي. ويهدف برنامج الانقاذ الى تعزيز الاقتصاد اليوناني، وتهدئة اسواق المال، وتجنب انتقال العدوى الى اقتصادات دول اوروبية اخرى تعاني من ارتفاع مستويات الدين كايطاليا واسبانيا والبرتغال. وكانت المصارف الخاصة المكشوفة على الديون اليونانية قد وافقت بموجب اتفاق الانقاذ على شطب 50 في المئة من هذه الديون. وتقول اليونان إن العجز في ميزانيتها لعام 2011 سيبلغ 8,5 في المئة من ناتجها القومي الاجمالي، اي بانخفاض 1,5 في المئة عن ال 10,5 في المئة الذي سجلته في 2010، ولكن هذا الرقم لا يحقق الهدف الذي حدده صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي والبالغ 7,6 في المئة. وكانت الحكومة اليونانية قد استدانت مبالغ كبيرة جدا من الاموال وانفقتها دون حساب بعد ان انضمت البلاد الى مجموعة اليورو، فقد ارتفع الانفاق العام بشكل كبير وتضاعفت اجور العاملين في القطاع العام في السنوات العشر الاخيرة. ولكن الحكومة لم تتمكن من موازنة هذا الانفاق الهائل بعائدات ضريبية نظرا لانتشار ظاهرة التهرب من دفع الضرائب. ولذا كانت اليونان غير مستعدة لتحمل عواقب الازمة المالية العالمية. وكان مقررا ان تتسلم اليونان قروضا جديدة بمبلغ 110 مليارات يورو لمساعدتها في تخطي ازمتها الخانقة، كما وافقت الدول الاوروبية على منح اثينا 109 مليارات يورو اضافية لاحقا. ولكن الكثيرين يعتقدون الآن ان هذه المبالغ لن تكفي لتجنيب اليونان الكارثة. لماذا تحتاج اليونان الى حزمة انقاذ ثانية؟ تسلمت اليونان حزمة الانقاذ الاولى في مايو 2010، والسبب الذي دعا الى انقاذ اليونان هو الصعوبات التي كانت تواجهها حكومتها في الاقتراض من المصارف التجارية لارتفاع اسعار الفائدة التي كانت تلك المصارف تطالب بها. وبما ان اليونان كانت بحاجة الى الوفاء بالديون المستحقة عليها، لم تجد بديلا عن التوجه الى الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي. وكانت الفكرة وراء حزمة الانقاذ الاولى منح اليونان متسعا من الوقت لاصلاح اقتصادها مما كان سيخفض الفوائد التي كان عليها دفعها لقاء الاقتراض من المصارف التجارية. الا ان ذلك لم يحدث، بل بالعكس عمدت وكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني مؤخرا الى الاعلان بأن اليونان صاحبة اسوأ سجل ائتماني من كل الدول التي تراقبها. النتيجة هي ان اليونان المثقلة بالديون الواجب الوفاء بها لا تتمكن من الاقتراض من المصارف التجارية ولم يتبق لديها ما يكفي من حزمة الانقاذ الاولى للوفاء بهذه الديون. هل هناك اعتقاد عام بأن اليونان على وشك التخلف عن سداد ديونها؟ هناك يقين في اسواق المال بأن اليونان ستتخلف عن السداد إن عاجلا ام آجلا. فالاسواق مقتنعة تماما بأن اليونان تتوجه نحو وضع يمكن تسميته "بالعجز القسري المنضبط." ففي يوليو / تموز المنصرم، اقترح زعماء دول مجموعة اليورو خطة تقضي بأن يشطب دائنو اليونان 20 في المئة من ديونهم، بينما تقضي الخطة الاخيرة بشطب 50 في المئة من هذه الديون. ولكن ما يقلق الاسواق هو اضطرار اليونان الى "العحز القسري المضطرب" عن السداد وعواقب ذلك على منطقة اليورو خاصة في ضوء قرار الاستفتاء الاخير. وكانت الدول الكبرى في مجموعة اليورو قد تعرضت لانتقادات بسبب افتقادها للارادة السياسية اللازمة للتعامل مع الازمة، كما ظهرت الى العلن صدوع في موقف المصرف المركزي الاوروبي. ومرد القلق الذي تشعر به الاسواق الخشية من ان الهيكل السياسي لمنطقة اليورو لا يقوى على التعامل مع أزمة بهذا الحجم. هل هناك احتمال بأن تنتشر الأزمة الى دول اخرى؟ هدف حزمة الانقاذ الثانية – كما الأولى – هو احتواء الأزمة. وكانت البرتغال وايرلندا قد احتاجتا الى اجراءات انقاذ مماثلة لمساعدتهما على تجنب التخلف حتى تتمكنا من معاودة الاقتراض من المصارف التجارية. فلو لم تتمكن اليونان من ذلك، سيقود ذلك المستثمرين الى الشك في جدوى تقديم الاموال للبرتغال وايرلندا. كما يساور الاسواق قلق ازاء الاوضاع في ايطاليا واسبانيا اللتان تعانيان من ارتفاع كلفة الاقتراض. وبما ان الاقتصادين الايطالي والاسباني اكبر حجما من اقتصادات اليونان والبرتغال وايرلندا، سيواجه الاتحاد الاوروبي صعوبات جمة لانقاذهما اذا اصبح ذلك ضروريا. ما الذي يمكن ان يحدث لو تخلفت اليونان عن سداد ديونها؟ العديد من المصارف الاوروبية مكشوفة على الديون اليونانية بقيم قد تبلغ 50 الى 60 مليار يورو. ومن شأن "تخلف منضبط" ان يعيد برمجة جزء كبير من هذه الديون بحيث لا تستحق الدفع لعقود عديدة. اما اذا كان التخلف "مضطربا" فمعنى ذلك ان هذه الديون لن ترد بالمرة. وفي الحالتين، سينزل ذلك ضررا كبيرا بالمصارف وحاملي السندات والمساهمين. اضافة لذلك، فإن المصارف اليونانية مكشوفة على ديون البلاد السيادية، ولذا فانها بحاجة الى رسملة جديدة وقد تكون بعض منها على الاقل بحاجة الى ان تؤمم. وسيكون من شأن ازمة الثقة التي ستندلع في هذه الحالة ان تدفع زبائن هذه المصارف الى سحب ودائعهم منها مما سيزيد المشكلة سوءا. وقد تنتشر أزمة الثقة هذه الى المصارف الاجنبية مجبرة اياها على الامتناع عن الاقراض حتى يتضح وضع اليونان بشكل نهائي. وقد تتطور الازمة بحيث تصبح مشابهة لازمة الاقراض التي دفعت بالولايات المتحدة واوروبا الى الركود قبل سنوات ثلاث. ماذا يمكن ان يعني ذلك لمنطقة اليورو؟ يعتقد البعض ان خروج اليونان من منطقة اليورو امر مفروغ منه اذا عمدت الى التخلف. عندئذ سيكون السؤال عن مصير الدول المدينة الاخرى. فاذا كانت اليونان قد نجحت في اجبار دائنيها على التخلي عن نسبة كبيرة من ديونهم، لم لا تتمكن البرتغال وايرلندا من ذلك؟ من اليسير تصور اثر ذلك على الهياكل السياسية والاقتصادية التي ربطت اعضاء مجموعة اليورو ال 17 ببعضهم.