أكد الدكتور محمد فهمي طلبة، نقيب العلميين، أن هناك 5 عناصر أساسية تمثل تحديا كبيرا أمام البحث العلمي في مصر وهي: ضعف التمويل، ومستوى البحث العلمي، وقلة عدد الباحثين، وضعف دعم الصناعة وعزوف القطاع الخاص عن الإستفادة بالبحث العلمي. ووفقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط، جاء ذلك في كلمته التي ألقاها خلال ندوة "تحديات البحث العلمي المشاكل والحلول" التي نظمتها النقابة بالتنسيق والتعاون مع نقابة الصحفيين في إطار نشاط اللجنة الثقافية وصالون إحسان عبدالقدوس، الذي تنظمه النقابة بصفة دورية. وأضاف أن مشكلة البحث العلمى في مصر متعددة الجوانب والتمويل عنصر أساسي فيها ولكنه يصبح عديم الجدوى بدون قيادة علمية واعية وتواصل حقيقي بين العلماء العاملين في نفس المجال وبينهم وبين المدارس العلمية العالمية. وأشار إلى أهمية العلاقة بين المؤسسات الصناعية والمراكز والمعاهد البحثية لكي يتم الاستفادة من نتائج البحوث والدراسات في حل مشكلات الصروح الصناعية وتطويرها ورفع كفاءة وجودة منتجاتها لتصبح قادرة على التنافس. ومن جانبه، قال الدكتور حسن بخيت رئيس شعبة الجيولوجيا بنقابة العلميين ورئيس اتحاد الجيولوجيين العرب: إن التكنولوجيات الحديثة التي تتسارع خطاها يوما بعد يوم يلهث الجميع حيث لا يقف عند حد معين بل أنها تتنوع وتنشطر انشطارا مستمرا، مشيرا إلى أن شعوب أغلب الدول النامية هي شعوب استهلاكية بالدرجة الأولى وتستورد منتجات التقنيات الحديثة حتى ولو كانت صناعتها لا تحتاج إلى تكنولوجيات معقدة لأسف مما يكلفها الكثير من الموارد وفي ذات الوقت يحرمنا من عوائد التصدير. وأضاف أنه لكي نصل إلى حالة تشخيص لمشاكل البحث العلمي والبحث عن الحلول يمكننا تحديد أهم عناصر منظومة البحث العلمي والمتمثلة في 9 عناصر أساسية هي: الرؤية والاستراتجية وما يتبعها من برامج وخطط ثم تحديد اليات التنفيذ، وضع الميزانيات المناسبة، والتشريعات الحاكمة والهياكل الملائمة والإدارة السليمة والإرداة السياسية، والكوادر المؤهلة والتدريب المستمر والاحتكاك العالمي طبقا لمعايير الجودة والأكواد العالمية، والمعامل والوحدات التحربية المؤهلة، وقواعد المعلومات الشاملة والصحيحة، والتعليم، والبعد الاجتماعي، والانفتاح على المحيط العربي والإقليمي والإفريقي والدولي. وأشار إلى أن تجارب الدول الناجحة في مجال البحث العلمي، تعد جزءا من منظومة كبيرة تتفاعل وتتكامل فيها جميع الجوانب العلمية والتعليمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفقا لخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد يتم مراجعتها من آن لأخر طبقا للمتغيرات المحيطة التي تتسارع خطاها يوما بعد يوم. وتابع أن هذه الدول نجحت في اكتشاف كميات كبيرة من الموارد المعدنية وانشأت منظومة تموين متكاملة نسبيا للمنتجات المعدنية، مما قدم لها ضمانة أكيدة للنمو المتواصل والمتسارع، إلى جانب ما قامت به من استغلال شامل للنفايات، وتشجع على استعادة واستغلال المعادن المهملة والموارد المدورة، وإلغاء القوانين واللوائح الإدارية والأنظمة المعنية المتناقضة مع قواعد منظمة التجارة، وضرب مثالا بما قامت به الحكومة الصينية من تعديل لائحة إدارة المعلومات الجيولوجية، وتوسيع نطاق المعلومات الجيولوجية ذات المنافع العامة، وأقامتها نظاما مفتوحا لخدمة المعلومات. وذكر أنه لا شك أن هذه المنظومة لها معالمها وملامحها التي تميزها ويقف البحث العلمي على قمتها فهو المحرك الأكبر للمنافسة والوقود الذي يساعد سفينة التقدم على الإبحار في محيط الحياة المتلاطم الأمواج، موضحا أن هناك العديد من المفاهيم التي يجب الوقوف عندها والتمعن فيها عند التحدث عن البحث العلمي لنصل إلى رؤية سليمة يمكن أن نسترشد بها في عالمنا العربي. وأوضح الدكتور بخيت أن البحث العلمي ليس ترفا أو كماليات أو تقارير تمتلئ بها الأرفف والدواليب بالهيئات العلمية، بل هو شريان الحياة الذي يمد مصانع الدول بالابتكارات والجديد في كل المجالات وهو سلاحها للإبقاء على منافستها في السوق العالمية، كما أنه ليس مختبرات ومعامل مغلقة الأبواب بل إنه نهر متعدد الروافد يمد الإنسان بكل احتياجاته، من خلال رافد مع معاهد البحوث العالمية للوقوف على الجديد، وأخر مع احتياجات السوق المتجددة لكي يمكن تطوير الموجود واختراع الجديد، وثالث مع المؤسسات التعليمية لتطوير المناهج الدراسة لمواكبة المستجدات مما ينعكس ذلك على الخريجين وبالتالي سرعة وسهولة تأهيلهم للعمل بخطوط الإنتاج. وذكر أن نفقات البحث العلمي بالعالم العربي قليلة بالمقارنة بمثيلاتها بالدول المتقدمة، ولكن التمويل لا يجدي بدون منظومة متكاملة ورؤية إستراتيجية طويلة الأمد لها برامجها وخططها المتعددة واليات تنفيذها، ونفقات البحث العلمي إن لم يواكبه ربطه بخطوط الإنتاج وبالسوق العالمي والمنافسة الحرة والمناهج الدراسية وغيرها من الركائز الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخرى يصبح غير مجد. وأشار إلى أن هناك معوقين يقفان أمام الأمانة في البحث العلمي، أولهما المستوى المادي الضعيف أو المتوسط الذي يحياه الباحث مما يدفعها للتحايل للحصول على عائد مادي يعينه على أن يعيش حياة كريمة، وثانيها عدم وجد الرقابة والمعايير العلمية الفعالة التي تستطيع التعرف على هذه المشاريع ومدى الاحتياج اليها، إلى جانب الافتقاد إلى قواعد معلومات علمية متخصصة في كل في المجالات والتي تعد ترمومترا لقياس الجديد من الابحاث في كل الجهات العلمية المتخصصة والدرجة التي يحملها هذا البحث من حيث الجودة ومدى المام بموضوعه والادوات والتحاليل المستخدمة وأفراد الفريق البحثي والمناطق والنطاقات والقطاعات المشمولة به، والفريق المحكم له وغيرها من المعلومات الكفيلة لتنظيم العمل في هذه المشاريع ومنع التكرار وما يتبعه من استنزاف الموارد والطاقات والاوقات. وحدد الدكتور بخيت أولويات البحث العلمي، بأنه في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها مصر حاليا يجب الا يكون البحث العلمى مطلقا ولكن لابد أن تكون هناك أولاويات تعتمد على الميزة النسبية للقطر المصري، من حيث موارده الطبيعية وموقعه الجغرافي والثروة البشرية وطبيعة مناخه واحتياج السوق من حوله، فمثلا يحتل الرخام المصري أو ما يعرف بالحجر الجيري الصلب شهرة عالمية وهناك شراهة على استيراده، وهو ما يؤكد أهمية إعطاء هذه الخامة الاهتمام الكفيل بأن تكون أحد دعائم الاقتصاد القومي، فالتشريعات الخاصة بمنح الرخص قاصرة وغير محفزة من حيث المساحات والفترات الزمنية والرقابة الفنية والامكانات، أما البحث العلمي فدوره في دراسات الجدوى الاقتصادية وحل مشاكل الاستكشاف والتقييم والاستخراج والمعالجة أما التجارة الخارجية فدورها في ايجاد منظومة التسويق ذات النطاق العالمي الذي يستوعب إنتاجية المشاريع الكبيرة لهذا الصنف من الاحجار. وشدد على أهمية الاستفادة المثلى من الثروات المعدنية الموجودة في باطن الأراضي المصرية وتوظيف البحث العلمي لخدمة هذا المجال بما ينهض بالاقتصاد المصرى مؤكدا أن العناصر النادرة موجوده ولكن تحتاج إلى برامج بحثية استكشافية لرصدها وإجراء تقييم مبدئي لها، والتنقيب العشوائى للذهب سيصبح ظاهرة متفشية إن لم يتم اعداد برامج بحث وتنقيب علمية ووضع الخطط لاستغلاله، إضافة إلى ملايين الأطنان من نفايات الفوسفات المهملة بشرق النيل بالقرب من قنا التي هي في حاجة ماسة للبحث العلمي لرفع جودته وايجاد أنسب الطرق لاستغلاله، ومكامن الطاقة الحرارية بصحراء سيناء بعيون موسى وبالصحراء الغربية تحتاج إلى خطة بحثية لوضعها على خريطة الاستثمار والتي تعتبر من الطاقات النظيفة والتي يمكن أن تساعد في حل مشاكل الطاقة. ثم تحدث الدكتور عبدالله هلال الاستاذ السابق بهيئة الطاقة الذرية عن البحث العلمي كأساس للنهضة قائلا إن البحث العلمي أصبح واحدا من أهم الميادين التي تحظي بالرعاية الكاملة والدعم غير المحدود من كل دول العالم، وهذه الرعاية ليست لمجرد استكمال الشكل الزخرفي لأركان الدولة كما يحدث بالدول المتخلفة، ولكنها إرادة المجتمع الذي يسعى إلى توفير احتياجاته الأساسية وتحقيق طموحاته إلى حياة أفضل ورفاهية أكثر. وأضاف أنه لكي تستطيع أية دولة أن تحافظ على كيانها في عالم اليوم، الذي يتميز بالتكتلات والمنافسة الاقتصادية، فلا يكفيها الحصول على التقنية الحديثة، سواء حصلت عليها بجهود علمائها أو بدفع ثمنها، بل لابد لها من الحرص على أن تقوم الصناعة وغيرها بالاستثمار الكثيف والفعال في ميادين البحث العلمي والتطوير التجريبي. وأكد أن البحث العلمي هو السبيل إلى تعزيز أفاق التقدم، وتدعيم الثروة القومية وهو استثمار ذكي يعود على الدولة بأعظم فائدة وأثمن عائد، ومما يؤيد هذا الرأي أن أكبر دولة رأسمالية مادية، تهتم بدراسات الجدوى وعوائد الاستثمار، وهي الولاياتالمتحدة تخصص عشرات، بل ربما مئات، المليارات من ميزانيتها سنويا للبحث العلمي، أي ما يوازي ميزانية عدة دول، وهكذا في دول العالم المتقدم يحتل البحث العلمي مكانته المرموقة ويحظى بما يستحقه من عناية وتخطيط ووضوح رؤية وتحديد أهداف. وأشار إلى أن الطرق العالمية لقياس مستوى البحث العلمي ترتكز على نسبة عدد العلماء والباحثين إلى نسبة عدد السكان.. ويوجد في مصر أكثر من 150 ألف أكاديمي يحمل معظمهم الدكتوراه ولكن القليل منهم يعمل بالبحث العلمي، فالمركز القومي للبحوث به أكثر من 2500 باحث أكثر من نصفهم حاصلين على الدكتوراة إضافة إلى أكثر من 2500 إداري وهذا العدد من الباحثين هو 10 أضعاف الباحثين في معهد وايزمان الصهيوني، ولو تم استثمار الإمكانات البحثية المصرية وتوجيهها لخدمة التنمية من خلال خطة قومية مرتبطة بخطط التنمية الاقتصادية فسوف نضع الأساس لمشروع حقيقي للنهضة. وأوضح أن كيفية الاستفادة من البحث العلمي في مصر تعد من أهم الصعوبات التي تواجه عمليات التنمية.. فعلى الرغم من وجود نحو 38 مركزا بحثيا تقدم مئات الأبحاث والاختراعات سنويا، إضافة إلى أبحاث ودراسات الجامعات المصرية، إلا أن الاستفادة التطبيقية منها على أرض الواقع تكاد تكون منعدمة، وهذه إحدى المواريث السيئة للعشوائية التي تحكم حياتنا. وذكر أنه من الحقائق التي قد لا يعرفها الكثيرون أن هناك أكثر من 54 ألف عالم وباحث مصري يعملون في أوربا وأمريكا، ولأهمية أبحاثهم يتم تذليل جميع العقبات أمامهم، لأن هذه الدول ذات التاريخ الاستعماري تدرك جيدا مدى الفائدة التي ستعود عليها في شكل مشروعات اقتصادية مختلفة؛ عندما تحتضن علماءنا. وعلى الجانب الآخر نجد أن التعاون مازال ضعيفا بين مراكز البحوث ورجال الأعمال وأصحاب المصانع والمشروعات؛ بسبب أزمة الثقة بين الجانبين، في حين نجد أن رجال الأعمال يستعينون بالخبراء الأجانب ويتركون الأبحاث والدراسات التي يقوم بها نظراؤهم المصريون يعلوها التراب. وقال إنه ليس هناك شك أن الاقتصاد المصري بجميع مجالاته لن يشهد أي تقدم إلا إذا اعتمد رجال الأعمال في عملهم على استخدام الأبحاث العلمية، وتطبيقاتها، كما أن عزوف رجال الأعمال ورجال الصناعة والزراعة وغيرهم عن اللجوء للمراكز البحثية لحل مشكلاتهم الإنتاجية هو الذي تسبب في ارتفاع الرسوم التي يدفعونها مقابل الحصول على الاستشارة، أو الاعتماد على الأبحاث والاختراعات والدراسات من جهات أجنبية. في مصر نحو 28 ألف باحث يعملون في مراكز البحوث وهو عدد كبير نفخر به، ونعتقد أنهم من أكفأ العناصر، بدليل إحرازهم نجاحات مذهلة في المراكز البحثية على مستوى العالم، ولدينا وفرة كبيرة من براءات الاختراع، ولكننا لا نستفيد سوى بنسبة لا تتجاوز 3 % فقط من الاختراعات المسجلة. لابد من وجود دعم وتوجيه وتعاون بين الجهات البحثية واحتياجات المجتمع لضمان التطبيق العملي لها والاستفادة منها.