ليس للقوة العسكرية بمفردها أن تحول دون سقوط ترتيبات للحكم تتجاوزها حقائق المجتمعات والدول، وليس لها بمفردها أن تؤسس لترتيبات حكم جديدة ما لم تستند إلى حقائق المجتمعات والدول. لا أسجل هذا اليوم وحسب لكوني من أنصار الاعتماد على الحلول السلمية والتفاوضية للنزاعات وللصراعات التي تلتهم بلاد العرب، بل أسجله مجددا لكي يدرك من يقرعون طبول الحرب محدودية نتائج استخدام القوة العسكرية بمفردها حين يرتبط الأمر إن بمنع سقوط ترتيبات حكم تتهاوى بفعل حقائق المجتمعات والدول أو التأسيس لترتيبات حكم جديدة تتجاهل الحقائق هذه. أسجله مجددا لكي نعتبر جميعا، ونتذكر تواريخ الفشل القديم والحديث التي أحاطت باستخدام القوة العسكرية بعيدا عن نيل التحرر الوطني أو تحرير أرض محتلة/ مغتصبة من قبل عدو خارجي أو بعيدا عن المزج بينها وبين أدوات أخرى لمواجهة عصابات الإرهاب والعنف. لا أسجل هذا اليوم وحسب لكي أشير إلى أوجه القصور الكثيرة التي تحيط بالتدخل العسكري لبعض الدول العربية في اليمن ومساعيها لإنقاذ ترتيبات حكم أسقطتها حقائق المجتمع والدولة بكل ما تحمله من حروب الكل ضد الكل وجنون الإرهاب والعنف ودينامية التفتت الصومالي التي تنشر عبثها القوى المذهبية والقبلية وبقايا ترتيبات حكم سابقة وأدوار هدامة للقوى الخارجية، بل لكي أستدعي للرأي العام المصري وللرأي العام في بلاد العرب تواريخ فشل استخدام القوة العسكرية بمفردها في يمن الستينيات إن للإبقاء على حكم الإمام أو للتأسيس لحكم جمهورى يديره الجيش بمفرده، وفي لبنان السبعينيات والثمانينيات التي لم يرتب بها استخدام القوة العسكرية إلا إشعال الحرب الأهلية وإطالة أمدها. أسجله مجددا لكي نستدعي محدودية استخدام القوة العسكرية بمفردها في عراق ما بعد الغزو الأمريكي في 2003 والذي لم تستقر به إلى اليوم ترتيبات الحكم «الجديدة» وتتكالب عليه مشاهد حروب الطوائف والمذاهب وانهيار الدولة وإجرام عصابات الإرهاب دون أفق لاستقرار يأتي به المستقبل القريب، وفي السودان الذي أسفرت به وتجاهل قضايا المواطنة والحقوق والحريات واحترام التنوع الديني والعرقي عن حروب أهلية مستمرة رتبت انفصال الجنوب عن الشمال ولم تهدأ إلى اليوم في بعض مناطق الغرب والشرق، وفي سوريا وليبيا السنوات الماضية بعد أن دفع الصراع على السلطة والتكالب على الحكم إلى تفتت للدول الوطنية وانهيار للسلم الأهلي وحروب أهلية يمارس جميع أطرافها إجراما منظما ولا يتورعون عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لا أسجل هذا اليوم وحسب، لأنني أزعم أن اليمن لن ينجو من دينامية التفتت الصومالي سوى بحلول تفاوضية تعيد سلمه الأهلي وتنقذ دولته الوطنية وبتوافقات لمواجهة الإرهاب والعنف وضبط استخدام القوة العسكرية في الداخل أو لأنني أرى أن بديل العرب الأكثر فاعلية في التعاطي مع إيران التي تمدد نفوذها الإقليمي خلال الفترة الماضية ليصل إلى أربعة عواصم عربية هو التفاوض الذي قد يحيط به توظيف القوة العسكرية على نحو محدود ومنضبط وفي ظل رؤية متكاملة لترتيبات السلم والأمن الإقليميين، بل لكي أنبه وبصوت مرتفع إلى كارثة المزج بين استخدام القوة العسكرية وبين المقاربة المذهبية لأزمة اليمن أو للعلاقة بين العرب وإيران. فليس لذلك إلا جر عالمنا وجواره إلى أتون حروب ونزاعات وصراعات مسلحة لن ترتب غير تهديد السلم الأهلي وتماسك الدول الوطنية في مواقع كثيرة ولن تفيد منها سوى عصابات الإرهاب والعنف والقوى الخارجية الطامعة. المصدر: أصوات مصرية