كتبت سحر النادى هل مازلت تشاهد التليفزيون وتقرأ الصحف؟ أم هل انصرفت عن الإعلام التقليدي واتجهت مثلي إلي الإنترنت -أو الإعلام الجديد أو البديل- لتستطيع انتقاء الأخبار والتحليلات التي تهمك من المصادر التي تثق بها؟ هذا التحول نحو الإعلام الإلكتروني ظاهرة دولية، حتى أن العديد من الصحف الكبرى في عواصم العالم تواجه الآن شبح الإغلاق لانصراف القراء عن شرائها، فنحن على فيسبوك وتويتر نعرف الأخبار بعد ثوانٍ من حدوثها، مدعمة بالصور والفيديو، وروايات شهود العيان، وتعليقات القراء على اختلاف آرائهم، ولذلك يصبح ما نقرؤه في الصحف في اليوم التالي "أخبار بايته" تاريخ صلاحيتها انتهى وفقدت طعمها. وهذا الوضع يحتم على كل وسائل الإعلام مراجعة حساباتها وتغيير سياساتها لمواكبة التطور ولكن مع المحافظة على وظيفتها الأساسية كضمير للشعوب. وبهذه الصفة، يأتي على رأس الأولويات الإعلامية احترام القارئ والالتزام بالمصداقية والنزاهة، لأن اكتشاف الكذب والتلاعب أصبح الآن أسهل وأسرع من أي وقت مضى، وفضحه أصبح "جُرسة" تدوي في الآفاق ويصعب التغلب على تداعياتها. يا ترى أين موقع الإعلام المصري من هذه المنظومة الإعلامية الجديدة ؟ بعد البحث والتنقيب، نجده يقبع في ركن مظلم رطب، يقع ما بين الإعلام "التعبيري" والخطاب "التنويمي". في الأسابيع القليلة الماضية أتحفنا الإعلام المصري بباقة افتكاسات من المواضيع التعبيرية التي قاد ريادتها ودافع عنها بشجاعة يحسد عليها رئيس الأهرام "المخلوع"، مبتدع فوتوشوب "السجادة الحمراء" الشهير. فبعد تامر "بتاع غمرة" على تليفزيون الفلول، وشيماء "بتاعة التجنيد الأجنبي" على المحور، صدمتنا منى الشاذلي نجمة دريم بمكالمة "قهوة المعاشات" المزرية التي تبين أن من قام بها مساعد المخرج من داخل الاستوديو ليحرج وزير الداخلية. ثم ماذا؟ ولا حاجة، معلش يا جماعة، خليكو سبور، ياللا كل حي يروح لحاله وسيبونا نسترزق. بعد هذه السقطات المدوية، كل هؤلاء ما زالوا في مواقعهم وكأن شيئا لم يكن. ثم ما لبث الأهرام أن استعاد ريادته التعبيرية بقصة "بطل المدرعة" الزائف الذي ادعى أنه هو الشاب الذي وقف أمام مدفع المياه في الصورة الشهيرة يوم 25 يناير. لا أعرف غلطة من أن يظهر مثل هذا الشخص على صفحات الأهرام العريق بعدما تخيلنا أن الثورة كان لها تأثير على مصداقية ومهنية الإعلام المصري، ولكن يظهر إنه في حالتهم تأثير بيطلع في الغسيل. ما علينا، ما يؤرقني هو: إن كان هذا التزييف الصريح يحدث أمامنا بهذه الوقاحة لتاريخ لم يمض عليه بضعة أشهر، فماذا سيحدث لتاريخ الثورة بعد سنوات من الآن؟ أضف إلى ذلك ظاهرة المتحولون -أو قل المتلونون- من السادة والسيدات أصحاب الأقلام والميكروفونات المدفوعة الثمن كما رأينا في حلقة "توك شوز" الرائعة. فمنهم من يبكي تأثرا بالخطاب "العاطفي" للرئيس المخلوع، ومنهم من يصرخ فينا مؤنبا على جهلنا وقسوة قلوبنا، ومنهم من يصفق متحمسا للديناصور الصريع ويطالبنا أن نصفق معه بأقصى قوة لعله يصحو من سكرة الفناء ويعود ليقمعنا ويذلنا كما يحلو له. ثم ما يلبث نفس المسخ ذو الميكروفون أن يتلون عندما اختلفت الظروف، فيرتدي ثوب الوطنية ويهتف بأعلى صوت مع الثوار ضد "الظلم" و"الطغيان" ويطالب بالصراحة والشفافية والديمقراطية. مرة أخرى رغم صفاقة التحول، ما يؤرقني هو أن تلك المخلوقات المتلونة ما زالت في مواقعها تنفث علينا سمومها، بل وانضم إليها طابور جديد من منتفعي الثورة يطبلون ويهللون لنشر أفكار من يدفع مرتباتهم آخر الشهر بغض النظر عن تأثير ذلك على مستقبل مصر وسلامة المصريين. والأخطر من ذلك أن هناك منا سماعون لهم مصدقين لدعاياتهم الفجة على أنها "آراء مثقفة" تستحق النقاش. أعتقد أن تطهير الإعلام يجب أن يكون علي قائمة الأهداف العاجلة للثورة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مع التركيز على الفصل بين مصدر التمويل والرسالة الإعلامية، حتي لا نصبح نحن وثورتنا العظيمة ضحية الصحف والقنوات الملاكي لرجال المال والأعمال، بعد أن أصبح كل من يملك الثمن الآن يشتري به بوقا إعلاميا يتحدث باسمه ويقنع الناس بأفكاره غير الصالحة للاستخدام الآدمي في كثير من الأحيان. وربما يكون الإعلام البديل الحر هو الحل. —– * سحر النادي مستشارة ومدربة وكاتبة متخصصة في مهارات التواصل الفعال والحوار بين الثقافات، تمتد خبرتها لأكثر من 20 عاما من المشاركة في الفعاليات الدولية والإعلام المرئي والمكتوب والإلكتروني. وقد قامت بتدريس العديد من البرامج التدريبية وورش العمل والمحاضرات للجماهير متعددة الجنسيات في 25 بلدا حول العالم واستضافتها وسائل الإعلام الدولية وظهرت على أغلفة مجلات أوروبية كنموذج للمرأة القائدة وتم اختيارها من بين القيادات النسائية في العالم من جامعة سانتا كلارا بكاليفورنيا