بعد استقرار نظام سياسي استمر ثلاثين عاما، شهدت مصر في 25 يناير عام 2011 انطلاق ثورة سارت بعدها في اتجاهات مختلفة على ما يشبه الرمال المتحركة منذ ثلاثين شهرا. ابتلعت هذه الرمال المتحركة حتى الآن مجلسي شورى، ومجلسي شعب (2010 و2012) بعد انتخابهما بشهور، وابتلعت رئيسين، أحدهما بعد حكم استمر 30 عاما وآخر في ذكرى انتخابه الأولى. وابتلعت مجلسا عسكريا بتشكيله الذي قاده المشير طنطاوي، ودستورين (1971 و2012)، وجمعية أولى لصياغة الدستور،وما يقرب من نصف أعضاء محكمة دستورية عليا. كم هي عنيفة هذه الرمال المتحركة، التي تحول حتى الآن ولمدة عامين ونصف بين مصر وبناء نظام سياسي مستقر ومقبول بشكل ما من مجتمعها. يستمر السير على الرمال المتحركة، رغم دروس العامين ونصف الماضيين، لا يبدو تغيير المسار إلا مستجيبا جزئيا لما يمكن تعلمه منها. حذر كثيرون طويلا من مسار لا يعتمد مبدأ صياغة الدستور قبل إجراء انتخابات، وهزموا في استفتاء 19 مارس المتعجل الذي رآه المجلس العسكري استفتاء على شرعية قيادته، ورآه الإسلاميون استفتاء على "الشريعة الإسلامية". والآن استجابت "خريطة المستقبل"، التي أعلن الجيش عنها يوم 3 يوليو الجاري بعد عزل محمد مرسي، لهذه التحذيرات جزئيا، وأقرت مبدأ "تعديل" دستور 2012، حتى يمكن تجنب العبث السابق الذي سمح لرئيس منتخب، في غياب دستور، بإصدار إعلانات دستورية تمكنه وحلفاءه من السيطرة على خطة بناء دولة ما بعد الثورة، وتجعل منها منشئها بهيمنته على السلطات التنفيذية والتشريعية بدون وجه حق، مضيفا إليها تحصين قراراته من رقابة القضاء، الذي يعني عمليا تعطيل السلطة القضائية. لكن "تعديل" الدستور لا يبدو كافيا للبعض، ولا يبدو أيضا واضحا ما هي الطريقة التي سيعدل بها؛ بموجب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، ستضع لجنة خبراء من قضاة وأساتذة جامعات مشروعا للتعديلات، وستقره لجنة أوسع من 50 عضوا لم تتضح كيفية اختيار أعضائها بعد. وقال مقرر لجنة الخبراء على عوض، مستشار الرئيس المؤقت للشؤون القانونية والدستورية ، إن كل "مواد دستور 2012 المعطل خاضعة للتعديل، من أول مادة حتى آخر مادة، بما في ذلك المادة الثانية والمادة 219 الخاصة بتفسير الشريعة الإسلامية…ليس معنى ذلك أنه لابد من تعديل كل مادة، مؤكد أن اللجنة تعمل دون أى توجيه مسبق أو اتفاق مسبق مع أى جهة." أصوات عديدة تطالب بوضع دستور جديد، عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة بشكل مباشر من الشعب، بعد تجربة فاشلة للجمعية التأسيسية التي صاغت دستور 2012 والتي انتخبتها أغلبية برلمانية جعلت للإسلاميين اليد العليا في صياغة دستور لا يخصهم وحدهم، وإنما يخص كل المصريين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم السياسية وانتماءاتهم العرقية رجالا كانوا أم نساء. بدأت منذ أيام لجنة الخبراء في عملها، في ظل معلومات شحيحة عن مناقشاتها أو قراراتها، في ظل انشغال المجتمع عن الدستور بقضيتي "العنف والإرهاب"، وبسقوط ما يقرب من 300 قتيل في اشتباكات أو هجمات إرهابية منذ عزل مرسي، وبالضغط الذي تمارسه اعتصامات ومظاهرات أنصار مرسي وجماعة الإخوان التي تطالب بعودته لمنصبه. من جديد يتم تعديل دستور بشكل متعجل، دون شفافية ومشاركة اجتماعية بدرجة كافية، وربما لا يضع نهاية لمسيرة الرمال المتحركة. المصدر: أصوات مصرية