المعتاد والمتعارف عليه عالميا أن رؤساء الدول لا ينعون إلا من هم على نفس المستوى السياسي أو السلطوي، لكن أن يخرج رئيس دولة على شعبه في كلمة يتداولها العالم فهذا هو الجديد والغريب. وقف أوباما في يوليو 2009 يلقي كلمة من اثني عشر دقيقة ينعي فيها الصحفي والمذيع الإخباري الشهير والتر كرونكايت قائلا:" إن البلاد فقدت بموته رمزا وأكثر الأصوات ثقة وصدقا على مدى عقود…لم يكن مذيعا فحسب، لكن شخصا نثق به لإرشادنا في أهم مواضيع اليوم، إنه صوت الحقيقة في عالم متقلب… لقد استفدت كمواطن من سعيه الدؤوب للبحث عن الحقيقة، ودفاعه عنها للوصول إلى الهدف، كانت الصحافة له أكثر من مجرد مهنة، بل وسيلة حيوية من أجل دعم ديمقراطيتنا…" ولمن لا يعرف كرونكايت هو أشهر الصحفيين الأميركيين على الإطلاق نظرا لسجله الطويل والحافل بالإنجازات، حقق سمعته الأسطورية بتغطيته لخبر اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق كنيدي وحرب فيتنام، وغطى أول هبوط للإنسان على سطح القمر والحرب الباردة والفضيحة المعروفة باسم "ووترغيت" التي أطاحت بالرئيس الأميركي الأسبق نيكسون. كما لعب دورا حاسما في تأسيس التلفزيون كوسيلة رائدة في تقديم الأخبار وفي تحديد معايير مذيعي النشرات الإخبارية. وكان يطلق على كرونكايت "الرجل الأكثر ثقة في أميركا وقال رئيس (سي بي أس نيوز) شون مكمانوس عنه "هو أكثر من مجرد أفضل مذيع والأكثر ثقة في تاريخ إذاعة الأخبار، لقد وجه أميركا خلال أزماتنا ومآسينا، وأيضا خلال انتصاراتنا وأعظم لحظاتنا". السر في كرونكايت أنه عاش مادة خام للإعلام بأسسه ومبادئه فكان مدركا لأهمية كونه عضوا بمنظومة تعد سلطة رابعة لأي دولة فعمل كقطار يسير على القبضان هدفه الوصول بالموضوعية والحقيقة إلى الرأي العام متجردا من أي شئ قد يؤثر عليهما… السؤال المهم الآن: هل نملك في بلادنا نموذج كرونكايت إعلامي حر أسير الأمانة والموضوعية والحقيقة؟ بدون أدنى شك هناك نماذج إعلامية مهنية ومحترمة لكن العملة الردئية أصبحت المتحكمة والمتصدرة للمشهد والمتاجرة أحيانا ببعض المواقف. كما يجب التغافل عن أهمية الإعلام كسلاح خطير في مجتمعات كمجتمعاتنا ترتفع فيها نسبة الأمية ويقل فيها الاحتكام إلى العلم ولم تترسخ فيها الديمقراطية بعد وأهلها تغلب عليهم العاطفة…فبدلا من تصدير الموضوعية والحقيقة صار هؤلاء يصدرون ويصنعون العصبية والوهم وتحول الأمر من إعلام الناس بالحقيقة إلى إعلام الناس بما فيه مصالحهم بسوء نية حينا وبغيرعمد أحيانا أخرى لكن بالنهاية النتيجة واحدة…چ ومباراة مصر والجزائر في نوفمبر 2009 هي أشهر دليل، فقد بدأ إعلام الطرفين في الزج بنا في هوة العصبية فكل طرف كان يتصرف ويقرر بما يفيد ويخدم سبقه الإعلامي حتى وإن كان المقابل العصف بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين…لن أنسى مكالمة أحدهم مع سائق الحافلة طالبا منه أن يقسم فأقسم الرجل كذبا أن "لاعبي منتخب الجزائر طلبوا منه يعمل بهم حادثة ولما رفض أخرجوا آلة صلبة وكسروا النوافذ وبعد وصولهم للفندق صعدوا لغرفهم ووضعوا كاتشب وأصابوا أنفسهم لحبك دور الضحية" وباركت جريدة الاهرام هذه التصريحات ثم جاء بعدها وابل من التسخين والادعاءات من جريدة الشروق الجزائرية. وفي ظل الفوضى التي سادت بعد المباراة، ذكرت صحيفة الشروق الجزائرية أنه قد تم قتل ستة جزائريين وقالت أن أحد المناصرين لقن زميل له الشهادة قبل أن يتوفي بالإضافة إلى إجهاض جزائرية كانت حامل ثم كذبت السفارة الجزائرية بمصر كل ذلك. فتسببت كلهذه التقارير في زيادة التوتر حيث وصل إلى ذروته ولم يسبق أن وصل إلى هذا المستوى في تاريخ البلدين وتطور نحو الأسوأ بأم درمان واستمرار إعلام الطرفين في إشعال دائرة التعصب والكذب الجهنمية… نموذج آخر تجسد مؤخرا في جريدة الأهرام العربي التي أدعت أن المسؤولين عن قتل المتظاهرين في الثورة وجنودنا بسيناء في رمضان المنصرم هم عناصر من حركة حماس. وصار في ركب الأهرام العربي غالبية القنوات الفضائية والصحف المصرية رافعين أعلام وجهها المباشر لنا هو التعصب للوطن والخوف على أبنائه لاستثارة الجمهور المصري البسيط الذي بكل تأكيد سيثور لأبنائه الذين ماتوا غدرا… ومؤخرا وليس آخرا، أوبريت قطري حبيبي… سيقول أحدهم مدافعا إنها الحرية وفن السخرية…سأرد أن الحرية أن تنطلق حرا دون التعدي على الآخر أما عن السخرية فأسخر من حقيقة واقعة ولا تسخر من وهم تنسجه بنفسك من وحي خيالك وإرهاصاتك… حاولت أن تتعامل مع أكاذيب بيع الأهرامات وقناة السويس وكأنهما حقيقة لتخدم مادة برنامجك رغم أن هذا الخبر لو كان حقيقيا فإن العار على البائع لا على المشتري…فتعدوا في برنامجهم كذبا على شعب ودولة شقيقة…وبعدها بيومين رد صحفي قطري أن مصر لا تعرف من إنجازات سوى قرص الطعمية…فغضب الإعلام وهب ودب في حملة معايرة لقطر لصغر حجمها وكثرة أموالها واستثماراتها بحجة أنها وطنيتنا ومصريتنا حماها الله في حين أنكم من بدأتم دون مراعاة لشعور أي قطري وأي مواطن غير مسؤول عما تفعله حكومته… هذه بعض النماذج لما تفعله القلة المسيطرة بنا…وأخيرا قبل أن أهديهم أغنيتنا القادمة على غرار ما يقدمونه لنا أكرر أن هذا المقال للمُدعين من الإعلاميين ولا مجال للمعممين: " برنامجي حبيبي برنامجي الأكبر يوم ورا يوم مصلحته بتكبر واستهبالاته مالية حياته…مذيعي بيألف وبيتصرف…برنامجي برنامجي… بيع للمال وخذ من خيره فبرك خبر وكمان اتنين غيره…إحنا إعلام طول عمره كويس زي ما قال زمان الريس… برنامجي حبيبي برنامجي الأكبر… حلو يا كذب يا مالي توك شوهنا… حلو يا تعصب يا كاسي كلامنا…بيعوا في عقولنا كمان وكمان…اخترع كذب وافترا وبهتان… برنامجي حبيبي برنامجي الأكبر… مصلحتنا اللي بنحميها اللي هنضيع شعوب عليها… … برنامجي حبيبي برنامجي الأكبر…"