من كان يظن أن حل مجلس الشعب أنهى نوعية من المشرعين لم تُظِلّ مثلَها قبةُ برلمان من قبل ، فهو واهم ، أو على الأقل حسن النية إلى حد فاجع . إنني لا أنظر إلى تلك النوعية باعتبار وجودها التشريعي السابق (قبل الحكم بعدم دستوريته) ، فهذا نظر قاصر وأفق ضيق لا يرى إلى ما وراء الظاهرة ، على الرغم من أن غرابة ظاهرة ما يعني أول ما يعني أن وراءها ما وراءها . إن الفاجعة فيمن انتخبوهم والذين تحالفوا معهم ، هؤلاء القادرون على إعادة إنتاجهم مرة أخرى . ولا أقصد عوام الناس الذين تم شراؤهم بسد بعض احتياجاتهم إن عينا أو نقدا ، هذه التجارة الحرام التي أنجزت آخر ما أنجزت – وهذه هي المفارقة التي خلّطت على بعض النخبة المرموقة عقولهم ومواقفهم – أول رئيس مدني لمصر منذ ستين عاما . ومن خلال هذين النوعين من الانتخابات تشكلت ، وأيضا للمرة الأولى في مصر ، جماعات ضغط سياسي (لوبي) لا تملك من أشكال القوة المتنوعة في الغرب إلا القوة الغائبة عنه ، أعني "العنف" بدءا من جماعة "الجهاد" في مطلق اسمه ووصولا إلى السلفية المخصصة بالمنسوب إليه : "السلفية الجهادية" . وإذا كان مما يؤخذ على جماعة الإخوان المسلمين تهافت التزامها بمشروعها الديني وتغليب مبدأ التفاهمات والتنازلات عليه ، وإذا كان مما يذكر لجماعة الإخوان المسلمين أن "عنفها" – بالرغم من دمويته – كان ، في الغالب ، بمثابة عمليات جراحية موضعية لا أكثر ، فهذا وذاك لا قيمة له إزاء راديكالية جماعات ليس لها من وسائل تغيير إلا العنف الدموي ، والذي يمثل آليتها الوحيدة للضغط السياسي على جماعة الإخوان المسلمين وعضوها الممثل لها في قمة هرم السلطة رئيسا لمصر . إن الدعاية الدينية التي كسب بها الرئيس ومن قبل مجلس الشعب الباطل ، تمثل الوجه الجامع بين شبه سلمية الإخوان الذي أهلها للعبة السياسة من قبل ثورة يناير وعنفية الآخرين التي فتحت ثورة يناير لها باب العمل السياسي . لكن هذا الوجه الجامع يمثل الخطر الأكبر على مصر وشعبها وطوائفها من مسلمين (للأسف صار المسلمين العاديين طائفة أيضا) ومسيحيين وشيعة وبهائيين .. إلى آخره ، فشرعية الرئيس عند جماعات العنف الديني معلقة على تطبيق تصوراتها ، والإخوان – للحقيقة – ليسوا من هذه التصورات في شيء ، وهكذا ستتوزع الخريطة السياسية بين أهل السلطة ، وهم جماعة واحدة من جماعات تيار الإسلام السياسي ، وبين أهل المعارضة التي ستمثلها بقية هذه الجماعات . أما السياسيون التقليديون ومعهم النخب المثقفة فسوف يسكنون الهامش يغردون على تويتر أو الفيس مستثمرين كعلامة على الحرية التي يوفرها الإسلام السياسي إذا حكم . وبين أهل السلطة وأهل المعارضة . ولأن أهل المعارضة لا يجدون في شرع الله إلا ما يحل دم مخالفيهم ويستحل أموالهم ، فإن حكم أهل السلطة في مصر سيكون فاتحة عصر من العنف لم تشهده مصر من قبل ، لا في منهجيته ، ولا في الأصول المشتركة التي تجمع بينها وبين من تعنف به . أو ثمة احتمال آخر ، هو أن تتحول الجمهورية الثانية إلى جمهورية بوليسية بامتياز ، فتجرع الجماعات الإسلامية المعارضة لها من الكأس نفسها التي تجرعتها منذ 1954 ، وتتطرف هذه الجماعات أكثر فأكثر في عنفها ودمويتها مؤصلة خطابا أشد تطرفا مما كان لها من قبل . والغريب المريب أن هذا وذاك سيتم تحت مظلة العمل السياسي . إن العصر الإخواني سيفتح مصر على المجهول ، سواء داخليا أو خارجيا ، ولن يدفع ضريبة دخول هذا العصر الفادحة إلا الشعب ومعه نخبه التي ظلت تشاهد الثورة وهي تسرق مبررة للسارق سرقته بأنه أحد المشاركين فيها ، وكأن الثورة كانت تجارة أرباحها تتوزع على المستهمين فيها بالعدل أو الظلم لا يهم ، أما كون الثورة مجموعة من المطالب والأهداف التي لم تتحقق وليس بصدد أن يحقق ايا منها الرئيس الإخواني أو برلمانيه فهذا ما لم يقل به أحد من نخبتنا جوزيت اسوأ ما عملت بالثورة وثوارها وشهدائها ومصابيها ومعتقليها وأخير بالوطن كله