بالنسبة للطفل المريض التهذيب و توجيه السلوك أمور مهمة للنمو الطبيعي لكل الأطفال، و هذه الحقيقة لا تتغير مع وجود السرطان، مع أن الظروف الخاصة لحياة هؤلاء الأطفال قد تجعل من إلزامهم ببعض أصول التهذيب أمرا صعبا في بعض الأحيان، فرؤية الطفل متألما و مريضا قد تجعل الوالدين يحاولون تعويضه بتدليله أو بتقديم المزيد من الهدايا، أو السماح له بسلوكيات معينة ما كانوا ليسمحوا بها في الحياة العادية، و قد يجدون أنه من الصعب عليهم فرض الالتزام ببعض السلوكيات كون الطفل مصاباً بالسرطان، و مستقبله غير واضح أمامهم، و على الرغم من صحة هذه الحقيقة بالنسبة لبعض هؤلاء الأطفال؛ إذ أن بعضهم سيموتون، إلا انه ينبغي دوما مراعاة ضرورات التهذيب و حسن السلوك و التربية الحسنة في كل الظروف. و قد يُبالغ بعض أولياء الأمور في حماية طفلهم، و يرغبون في إبقائه إلى جانبهم على الدوام، خشية التعرض لمواقف لا يستطيعون السيطرة عليها، الأمر الذي يحرم الطفل من ممارسة النشاطات العادية و الضرورية لنموه، و يصرح بعض الآباء و الأمهات بأن التهذيب و رسم الحدود لسلوك الطفل و نشاطاته أمر صعب، لأنهم لا يعلمون ما الذي يمكنهم توقعه بشكل منطقي من الطفل، و هنا يمكنهم الاستفسار من طبيب الأورام عمّا إن كان العلاج الساري يجعل الطفل يتصرف بشكل مختلف، كأن يُصبح عصبيا، و ما إن كان ضروريا اتخاذ إجراءات لتحديد نشاطات الطفل، فمثلا ينبغي منع الرياضات الجماعية عند انخفاض تعداد الصفائح الدموية عقب جرعات العلاج الكيماوي تفاديا لحدوث الرضوض أو الجروح، و لكن إن لم يكن ثمة سبب رئيسي يمنع اللعب أو المشاركة في الرياضات، فلا بأس من ذلك، لأن منع الطفل يُعد حماية زائدة تحرمه من الممارسة الطبيعية لحياته. و بالنسبة للمراهقين الذين يشتكون عادة من أن أهاليهم يفرضون عليهم حماية زائدة و عناية تفوق اللازم، و على الرغم من أن ذلك قول شائع لدى كل المراهقين، غير أنه قد يكون صحيحا مع المراهق المصاب بالسرطان بصفة خاصة، إذ أنه في هذه المرحلة من حياته يسعى جهده إلى الاستقلالية بشكل طبيعي، و لكن المرض يجبره لأن يعتمد على والديه و الآخرين و الفريق الطبي المعالج، و في هذه الحال ينبغي تشجيع المراهق في سعيه إلى تحقيق بعض الاستقلالية، و اتخاذ بعض القرارات الخاصة به، و لكن ضمن الحدود التي يضعها الطبيب، و الوضع الراهن الذي يستلزم الحذر و الدقة. و مع المرض و قيوده التي لا يمكن للمراهق أن يشعر بالتحرر منها، قد تزداد حاجته ليثور على السلطة المفروضة عليه في وضعه الراهن، و التي تشمل الجميع بالطبع، الأطباء و الفريق المعالج و الممرضون و أيضا الوالدين و أفراد العائلة، كما أنه ثمة دائما أسئلة خاصة تبرز عند المراهقين، و إن وجد الآباء و الأمهات أنهم غير قادرين على الإجابة، فينبغي استشارة المختصين و طلب المساعدة، إذ من المهم عدم ترك الأسئلة دون إجابات. بالنسبة للأشقاء قد يشعر إخوة الطفل المريض بأحاسيس مختلفة تجاه المرض و الطفل و الاهتمام الذي يتلقاه، فقد يشعرون بالاستياء بالرغم من تعاطفهم مع الطفل، و يعتقدون أنهم قد أصبحوا مهملين، و كثيرا ما يكون ذلك حقيقيا، خصوصا حين الإقامة بالمستشفى و حين لا تكون حالة الطفل المريض حسنة، حيث ينصب كل الاهتمام عليه بطبيعة الحال، و كثيرا ما لا يتمكن الوالدين من الاهتمام بشؤون الأشقاء أو متابعة احتياجاتهم الفردية أو واجباتهم المدرسية، و في هذا الصدد يُنصح دائما بمحاولة إيجاد الوقت و الجهد للاهتمام بالأشقاء، و التأكيد لهم بأنهم غير مهملين، و محاولة إفهامهم أن شعورهم بالاستياء أو الغيظ من الاهتمام الذي يتلقاه الطفل المريض من قبل الجميع هو شعور طبيعي، و تمكينهم من مشاركة العائلة في الأزمة، و من الوسائل المفيدة في هذه الحال مساعدتهم على فهم المرض، و إشراكهم في العملية العلاجية، و إقحامهم في مناخ الأزمة، و من المعتاد أن يرحب الأطفال بذلك خصوصا الأكبر سنا، إذ أنه يشعرهم بثقة الوالدين، و بأنهم عنصر نافع في المعالجة، و يزيدهم من الإحساس بالأهمية و الشعور بالانتماء للعائلة. كما أن زيارة الأشقاء للمستشفى ليروا بأنفسهم كيفية المعالجات عنصر مهم آخر، إن كان ذلك ممكنا، ( و إن لم يكن ذلك مسموحا في بعض المصحات، فيمكن الاستعانة بالصور )، فرؤيتهم للمصحة و المعالجات و الأجهزة الطبية سيمنعهم من بناء تخيلات وهمية عن المستشفى و المعالجات، و قد تتعدد هذه التخيلات و تختلف و تعطي مشاعر متباينة، مثل الخوف من أن الطفل يتعرض لعلاج قاس و مؤلم، مما يرعبهم من المستشفيات، أو قد يعتقدون أن الطفل يستمتع بوقته هناك، مما يجعلهم يشعرون بالغيرة، و من المهم تذكر أن الأشقاء الصغار هم مثل كل الأطفال لا يهتمون بالغد، و يحتاجون إلى الرعاية و الاهتمام في وقتهم الحاضر. في النقاط التالية بعض المقترحات قدمها بعض آباء و أمهات الأطفال المرضى حول التهذيب و الالتزام : عامل الطفل المريض بشكل عادي كلما أمكن ذلك. كن موجودا مع طفلك المريض، فهو أولا و أخيرا و قبل كل اعتبار طفلك أنت. كن معقولا في توقعاتك حول سلوك الطفل، فلا تتوقع من طفل مريض و بالسرطان في الرابعة من عمره، و تحت علاجات مكثفة، أن يتصرف مثل طفل معافى في السادسة، أو من مراهق أن يتصرف كراشد. كن مثالا للتصرفات التي ترغب من الطفل المريض أن يحتذيها، فهو يقلدك ( خصوصا في علاقتك مع الفريق المعالج ). تذكر أن الكثير من التعقيدات و المشاكل و تغيرات الأطوار أو حدة الطبع لدى الطفل المريض ناتجة عن تأثيرات الأدوية فحسب، و من المفيد تذكّر أن هؤلاء الأطفال ليسوا عدوانيين أو عاصين بطبيعتهم، فهم يشعرون بالمرض و بالعجز، و تحت تأثير جرعات كبيرة من أدوية فعّالة، و يحتاجون للتعاطف و المشاركة الوجدانية، خصوصا من الآباء، إضافة إلى الحدود الواضحة، و تذكّر أنه حين ينتهي تناول الأدوية فإن شخصيتهم الحقيقية ستعود إلى طبيعتها، و من المهم محاولة إيجاد طرق لتصريف توتر هؤلاء الأطفال و عصبيتهم، ( أحد الآباء كان يعطي لطفله أشياء ليقوم بكسرها أو يحضر له دمية يقوم بلكمها حين يكون عصبيا ). راقب و تحكم في الهدايا المقدمة للطفل المريض، فالكثير جدا من الهدايا تجعله يقلق بشدة و يتساءل: ( إن كنت احصل على كل هذه الهدايا غير العادية فذلك يعني أن الأمور سيئة جدا )، و تجعل الأشقاء يشعرون بالغيرة، و كن واضحا مع الجميع إن كنت لا ترغب في تسلم أية هدايا، أو إن كنت تريد أن تشترط هدايا لكل الأطفال الأشقاء و ليس للطفل المريض وحده. إن كان للطفل هوايات معينة مثل الرسم أو التلوين أو الحياكة أو أي عمل فني، فقم بتشجيع ذلك، فالعمل الفني يريح و يعالج الطفل، و يعطيه شعورا إيجابيا بالابتكار و الإبداع، و يرفع فعلا من معنوياته، و دعه يتحكم فيما يفعل كليا، دون انتقاد أو توجيهات من مثل: لون السماء أزرق و ليس برتقاليا، أو ارسم الخطوط داخل إطار الرسم، و بدلا من ذلك امتدح عمله و جهوده، و ابرز عمله في مكان ظاهر، و إن تحدث باهتمام عن شيء، أو عما يفعل فاستمع إليه باهتمام و تابع ما يقوله، كونك تدعمه في هواياته سيجعله قادرا على تصريف مشاعره القوية، و الشعور بالراحة النفسية. اظهر حبك للطفل و لا تخفي ذلك، فأنت سنده الوحيد، و ضمه إليك بين الوقت و الأخر بتواصل جسدي، و طمأنه بوجودك الدائم، فهذا يساعد بشكل كبير جدا في شفاء الطفل. احذر أن تظهر غضبك أو تبرمك من الطفل إن كنت ذا مزاج حاد، أو تصرخ في وجهه مثلا، فإنك بذلك كمن يقول له : ليتني أتخلص منك، و ذلك يجعله يشعر بالخوف و كل المشاعر السلبية، و يؤثر فعليا على شفائه، و سوف لن يغفر لك ذلك طوال حياته، كما ستتألم أنت أيضا. مراقبة إتباع القواعد المتبعة داخل العائلة، و روتين الحياة العادية، فالأطفال تحت الضغوطات المختلفة يشعرون بأمان أكثر حين لا يختل النظام السائد و العادات المتبعة بالبيت، و التي من الممكن التكهن بروتينها، و ذلك يشمل الطفل المريض و الأشقاء، و من المفضل جعل الأطفال أيضا يشاركون في وضع بعض من هذه القواعد، أو الأمور الممنوع فعلها داخل المنزل لإعطائهم حس المشاركة. إعطاء الأشقاء بعضا من حرية التصرف أمام خيارات تهمهم، خصوصا حين تكون مشغولا بالعناية بالطفل المريض، أو متواجدا بالمستشفى، لمنحهم حس المسؤولية و إشعارهم بأنهم غير مهملين. كلما أمكن ذلك، اجعل نهاية يوم الطفل إيجابية، و خصوصا وقت نومه، سواء بمدح تصرفه مع الطبيب أو طاقم التمريض، أو حسن سلوكه أو ما إلى ذلك، أو بتشجيعه على مقاومة المرض و بث روح التحدي لديه. استعن بالطبيب أو محترفي الخدمة الاجتماعية عند ظهور سلوكيات تعجز عن التعامل معها، فهم مدربون على مثل هذه الأوضاع و يستطيعون شرح كيفية العناية بالطفل في مثل هذه الأحوال. اجعل الأطفال يعتادون الحديث عن مشاعرهم دون كبت، و أصغ إليهم بانتباه، و أظهر تفهمك و تعاطفك. إذا أخطأت، لا تتردد في الاعتراف بالخطأ. مواصلة الحياة اليومية يمثل ترتيب حياة عادية كالسابق أحد التحديات التي تواجهها عائلة الطفل المريض بالسرطان، و ذلك ليس سهلا خصوصا خلال فترات الشدّة، مثل فترة التشخيص و خلال فترات الإقامة بالمستشفى، أو عند حدوث انتكاسات، بل و حتى عند تحقيق النجاحات في المعالجة، إذ أن حياة الجميع قد تأثرت بالمرض و علاجاته و تأثيراته الجانبية، حيث تتغير البرامج و الجداول و المواعيد و أوقات العمل و الدراسة، و قد ينفصل أفراد العائلة خلال فترات الإقامة بالمستشفى، و قد يشعر الأشقاء بالإهمال و الغربة، و قد يكون الجميع في حالة كبيرة من القلق و مشدودي الأعصاب، و بالرغم من كل ذلك، فإن حياة كل أفراد العائلة تتطلب أن تستمر بشكل طبيعي قدر الإمكان تحت الظروف الراهنة، و يستلزم تحقيق ذلك أن تتم معالجة الطفل بشكل عادي، و أن تلبى أحاسيس و متطلبات الأشقاء بشكل طبيعي، و ينبغي أن تبقى مصادر دعم و تكاثف العائلة موجودة على الدوام. المدرسة على الرغم من أن وجود السرطان سيُغير حياة الطفل لمدة طويلة، فستظل له نفس احتياجات الأطفال الآخرين، و منها بطبيعة الحال الصداقات و المدرسة و كل النشاطات التي كان يمارسها قبل المرض، مما يستدعي ضرورة تشجيعه على ممارسة حياة طبيعية قدر الإمكان، و يُعد ترتيب تواصله مع أصدقائه سواء بالزيارات داخل المستشفى أو بمجرد الاتصال الهاتفي من المسائل المفيدة جدا، و من جهة أخرى تعتبر العملية التعليمية أمرا حيويا بالنسبة للأطفال في سن المدرسة، فهي النشاط الأكثر فاعلية في هذه السن، و ستقوي مواصلتها من شعور الطفل بالتحسن و الشفاء و الثقة بالنفس، كما أنها ستجنبه التأخر عن أقرانه، سواء في التعلّم أو النمو النفسي و العاطفي الذي يقوى بالمشاركة في الدراسة و النشاط المدرسي، و حتى عند الإقامة بالمستشفى أو حين يتلقى الطفل علاجا متكررا، أو يكون مريضا جدا، ينبغي الترتيب مع مدرسته لتلقي تعليما خاصا ما أمكن ذلك، بُغية عدم عزل الطفل عن محيطه المعتاد بالدرجة الأولى، و إبقائه منهمكا في نشاطات مختلفة أثناء المعالجات. و تجدر الإشارة إلى أن عودة الطفل للمدرسة تستلزم بعض الترتيبات المهمة، مثل تزويد جميع هيئة التدريس بمعلومات وافية عن سرطان الطفل و معالجاته، و أية محاذير لنشاطات الطفل، و على وجه الخصوص ينبغي إعلامهم بضرورة معاملته بشكل عادي أسوة بأقرانه، بدلا من تفضيله بشكل خاص قد لا تستلزمه حالته. و قد يشعر الأهل و الأطفال بالخوف و الرهبة من العودة للمدرسة، يكون الطفل قلقا و مترهبا من ردود فعل أقرانه حول التغيرات الجسدية الممكن وجودها في مظهره، مثل فقدان الشعر أو زيادة الوزن أو أية تغيرات أخرى، و قد يشعر الوالدين بالخوف من أن ينتكس حال الطفل و يصبح مريضا، أو يشعرون أن تركه وحيدا بالمدرسة أمر صعب و شاق عليهم مع مرضه، و كل هذه المخاوف طبيعية، و لكن مع ذلك ينبغي أن يعود الطفل إلى المدرسة، و غالبا ما يتبين لهم أن مخاوفهم تلك كانت دون مبرر، إذ يتقبل زملاء المدرسة الطفل المريض عادة و يتفهمون حالته، و سرعان ما يستعيد حس الثقة بالنفس باستعادة دوره بين أقرانه، و نشير هنا إلى ضرورة تهيئة الطفل للإجابة عن أسئلة الآخرين حول مرضه، و التوضيح لأقرانه بأنهم ليسوا عرضة لالتقاط العدوى مثلا، كما يحتاج الطفل للتوضيح أن الناس بمن فيهم الأطفال، يتفاوتون في ردود فعلهم تجاه الأمراض و قد يتصرف بعضهم بشكل مختلف، أو يتفوه بأشياء خاطئة أو مؤذية للشخص المريض بالسرطان.