كوني أنثى وكفى كم من الصدق يجب أن نتحلى به قبل أن نصل إلى هذه الحقيقة ، كم من القوّة يجب أن نتحلى بها قبل الوصول إلى هنا : كوني أنثى وكفى .. بعيدا عن الرصيد الثقافي لبلدان القحط والقهر .. بعيدا عن منازلة الرجل وذكورته .. بعيدا عن قيمه المختزلة في إخضاعك والنيل منك : كوني أنثى وسيستجيب لك العالم بعيدا عن المناورات والخطط التكتيكية من يربح الحرب أنا أو هو نحن لسنا في حرب فالحياة أرحب من الحروب والضحايا .. فقط لا تستبطني رصيداالقهر وحلّقي فوق الفكرة القائلة بأنّك ضلع أعوج وكائن دونيّ : حرّية المرأة تبدأ من قناعتها بأنّها حرّة لا تنتظر أحدا أن يهديها حريتها على طبق المجاملة .. إقتلعي حريتك ولا تبالي دائما ما يبدأ فعل القلع بالندوب ولكن بعد القلع يصبح الزرع أسهل وإزرعي فالخصوبة من صفاتك يا أنثى الأرض والماء والزرع .. أن تعمرّي الأرض والحياة تسبقها مرحلة التدمير .. دمرّي، دمرّي كل الأفكار الصنمية و القيم الرجعية وكل الشعارات الظلامية .. دمرّي وإن وصل الدمار إلى أعماقك فجمّعي شظاياك وأعيدي الكرّة .. لا شيء قابل للمساومة أمام حياتك وإصرارك .. الإصرار ميزة الأقوياء الذين لم تكسرهم خيبات الحياة حتّى وإن بلغت جراحاتهم مرحلة العفن ، فالعفن ليس جرحا خاثرا ، فالعفن علاقات مشوهة في واقع متعفن بالمادة ، لست مثالية حتى لا أؤمن بها ولست ماديّة حتى أقدّسها .. كم من العلاقات إنتهت حينما دخلت المادة بينها فالمادّة ليست أموالا فقط بل أفكارا مقدّسة تضمن للفرد كينونته في مجتمع يتغطى بالقداسة ورغم ذلك يتعرّى بالدنس .. مجتمعنا مجتمع عاهر بإمتياز ولكنّه الأول في إعطاء دروس الشرف .. الشرف على مقاييس مجتمعات القهر والقحط شرف يمكنك أن ترتقه بالكذب بالمواربة ، بالخبث و الحيلة .. أن تكون شريفا معناه أن تكون متحيّلا .. قادر على مراوغة الكلّ دون أن يسجل أحدهم شكا صغيرا في سيرتك . كم من النساء ذبحن على مذبح الحقيقة حين روين ماضيهن دون مواربة ولا إخفاء .. كم من النساء نكلّ بهن حينما إعترفن أنّهن لسن شريفات بمقاييس المجتمع العاهر .. أيّهما أشرف الحقيقة أو الكذب في مجتمعات القحط والقهر .. الكذب أشرف وأبقى إن أردت العيش في مجتمع القطيع والحقيقة أطهر وأسمى إن أردت إقتلاع فكرة التبعية لشيء لم يكن منك ولن يكون أبدا . أليس من الأجدى أن نتلمس فكرة الإصلاح عن طريق الحقيقة كأن ننتقد ما لنا وما علينا بعيدا عن ثنائية التدنيس والتقديس .. تدنيس الجسد الفتنة والشهوة الذي يجب أن تنكره المرأة ولكن يلهث وراءه الرجل بعقلية الذكر الذي يوّد أن يطبع وجوده عليه أو فكرة التقديس التي تبدأ أن الجسد الأنثوي جسد مقدّس لا يجب المساس به والذي لا يستوي أن يكون كيانا قائما بذاته بقدر ما كان شيئا خاضعا للتقاليدوالعادات ملكا جماعيا لا يملكه فرد ما بل يتشارك الجميع في ملكيته … هل تساءلت واحدة منّا : هل نملك حق المواطنة في هذا المجتمع أو أنّ المجتمع يملكنا .. طيّب وإن كنّا ملكا لهذا المجتمع فلما يلفظنا و يرفضنا ، أليس لنا الحق في أن نمضي قدما بعيدا عن تقديس الأنثى أو تدنيسها .. أو تسليعها ونحن نعيش عصر الإستهلاك كأن تكون المرأة “جسدها ” خاضعا لمقاييس العرض والطلب حسب قوانين السوق ذات خصر نحيف تستعمل الماركات لتثبت أنّها تنتمي لهذا المجتمع ، أحيانا تصبح المرأة قيمة ما تلبس لا قيمة ما تفكر وتؤمن .. ألم ينكل بالجسد على كلّ المستويات بالدين والعادات والتقاليد وأخيرا بالسوق .. والكلّ يعود إلى المخيلة الذكورية التي تقدّم معايير الجمال وتقننه بل وتضبطه وتحدّد حركاته .. خولة الفرشيشي