اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الأربعاء بالجلسة الأولى للحوار بين تيار المستقبل وحزب الله (أكبر قوتين سياستين في البلاد) التي عقدت أمس في مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري وبرعايته. واعتبرت صحيفة "السفير" اللبنانية أن الحوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" قد وضع على السكة السياسية والإجرائية الصحيحة، وحققت الجلسة الحوارية الأولى بينهما مساء أمس وظيفتها السياسية الأساسية، شكلا ومضمونا، بعد قطيعة امتدت لأكثر من أربع سنوات تعود إلى ما قبل الأزمة السورية التي فاقمتها، بكل ما انطوت عليه هذه المرحلة من شرخ مذهبي حاد وخطير. ورأت أن هذا الحوار الذي وصفته ب "العيدية" للشعب اللبناني لا يعني بأي شكل من الأشكال، أن الحذر والتحفظ والخلاف قد تبدد أو أن الثقة المفقودة قد استعيدت، ولذلك، بدا أن الطرفين يستشعران حجم المخاطر والتحديات سواء تلك المتأتية من خارج الحدود أو من خلال "الخلايا النائمة" في الداخل، ومن هنا كان اتفاقهما على أن أولوية الأولويات في جدول الأعمال المعاد ترتيبه من الجانبين، هي لمواجهة الإرهاب، بكل ما يتفرع عنه من عناوين سياسية وأمنية. وقالت الصحيفة: إن "طرفي اللقاء وراعيه نبيه بري أرادوا من خلال هذا "الزهد" بالتغطية الإعلامية توجيه رسالة إلى كل من يهمه الأمر مفادها بأن الحوار ليس للصورة أو للاستعراض، كما يفترض المتشائمون، وأن المعنيين به يتعاطون معه بجدية تتجاوز حدود الاستهلاك الإعلامي إلى طموح بتحقيق اختراق سياسي جدي في جدول الأعمال المطروح. ولفتت إلى أنه رغم غياب النائب وليد جنبلاط عن هذا اللقاء، إلا أن طيفه حضر عبر إشادة الحاضرين بدوره في التشجيع على الحوار وإزالة عراقيل كانت تحول سابقا دون انعقاده، وذلك انطلاقا من شراكته الكاملة مع بري في المبادرة ومن ثم الإعداد لها، وعلى هذا الأساس، طلب بري من معاونه السياسي وزير المالية علي حسن خليل، أن يزور مقر جنبلاط اليوم، لإطلاعه على أجواء الجلسة الاولى، وهي قاعدة ستكون معتمدة في كل الجلسات اللاحقة. وقد استهل بري اللقاء بكلمة شدد فيها على أهمية الحوار في هذه المرحلة الدقيقة لتنفيس الاحتقان الداخلي وفتح الأبواب أمام فرصة إيجاد حلول للأزمات المستعصية، منبها إلى أن الفتنة في كل مكان من حولنا، قائلا: إن "قدرنا ومهمتنا الحفاظ على لبنان وحماية استقراره، ولا تعنينا أية أولوية أخرى". ولاقى هذا الكلام تقدير الوفدين، فيما قدم معاون الأمين العام ل "حزب الله" الحاج حسين خليل لمحة موجزة عن مسار العلاقة مع "تيار المستقبل" والتحولات التي مرت بها وصولا إلي انقطاعها كليا مطلع العام 2011 بعد الاستقالة من حكومة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، مؤكدا ثوابت الحزب حيال مجموعة من القضايا الداخلية والإقليمية، إنما من دون استفزاز، ومشددا على حرص الحزب على استقرار البلد وأمنه وصون سلمه الأهلي وضرورة التصدي لكل ما يثير النعرات المذهبية. كما شرح نادر الحريري مدير مكتب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وجهة نظر "المستقبل" ورئيسه سعد الحريري حيال تجربة العلاقة مع "حزب الله" على الصعيد الثنائي كما من خلال تجربة طاولة الحوار، مرورا بالاستقالة من حكومة ما بعد انتخابات العام 2009 وانخراط الحزب في الأزمة السورية وصولا إلى يومنا هذا، عارضا لرؤية التيار للوضع العام في لبنان وإشكالياته، مشددا بدوره على أهمية حماية البلد واستقراره. ومن المقرر أن تعقد الجلسة الثانية من الحوار خلال الأسبوع الأول من مطلع العام الجديد، في مقر رئيس مجلس النواب في منطقة عين التينة ببيروت أيضا، على أن يتمثل فيها رئيس المجلس بمعاونه السياسي علي حسن خليل الذي سيشارك في الجلسات اللاحقة. ونقلت "السفير" عن أحد المشاركين قوله إنه "لم تظهر خلال الحوار إشارة تشنج واحدة، برغم أن الحوار يتم بين مختلفَين"، لافتا إلي أن كل طرف عبر عن رأيه بتهذيب ولغة راقية وإيجابية، في انعكاس لرغبة مشتركة لديهما في الكلام مع الآخر، وليس بوجه الآخر. وأوضحت مصادر واسعة الاطلاع ل "السفير" أن اللقاء لم يترك عنوانا إلا وتطرق إليه، مشيرة إلي أنه جرى ترتيب جدول الأعمال انطلاقا من أن العنوان الرئيسي يتعلق بمواجهة الإرهاب، وتتفرع عنه مهام أخرى من نوع تفعيل المؤسسات الدستورية والتصدي لخطر الفتنة المذهبية. وأبلغت أوساط بري ل "السفير" أن الوظيفة الأساسية للجلسة الأولى تحققت بحدها الأقصى، وهذه أفضل عيدية للبنانيين. وقالت مصادر تيار المستقبل ل "السفير": إن "الجلسة الأولى كانت عبارة عن جولة أفق عامة، اتسمت بالصراحة والجدية، وكانت هناك رغبة لدى الجميع بحوار يفضي إلى خير البلد ومصلحته". واعتبرت المصادر أن هناك أمرين أساسيين يحتاجان إلي معالجة سريعة وهما التشنج المذهبي والشغور الرئاسي، معربة عن اعتقادها بأنه إذا كانت النيات صافية عند كل الأطراف وليس فقط لدى "المستقبل" و"حزب الله"، يمكن أن نتوصل إلى حلول، وأشارت إلي أن الاختلاف السياسي قائم، لكن ذلك لا يمنع أن ثمة أمورا مشتركة إلى جانب هواجس مشتركة تمكن معالجتها. واكتفت أوساط مقربة من "حزب الله" بالقول ل "السفير" إن "الأجواء كانت ايجابية للغاية وجاء البيان معبرا بدقة عن مجريات الحوار، فالكل أعطى انطباعا جديا ولذلك يمكن القول إن قطار الحوار وضع على السكة الصحيحة". من جانبها ، نقلت صحيفة "اللواء" اللبنانية عن مصدر قيادي بحزب الله قوله: إن "الهدف البعيد للحوار يتعلق بترتيب لقاء بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يرعاه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري". وأشار المصدر للواء إلى أن الطرفين يأملان بأن يكون الحوار بينهما إطارا مصغرا لحوار أشمل بين القوى اللبنانية على اختلاف مشاربها بما يؤسس لإعادة إحياء طاولة الحوار، حيث هناك سيتم بحث ملف الرئاسة الذي هو المدخل لمعالجة الملف السياسية الأخرى مثل قانون انتخابات نيابية جديد، وحكومة جديدة.