قال البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، إن الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، وضعوا الشخص البشري محورا لمشروعهم، ولم ينظروا إليه كمواطن وحسب بل أيضا كشخص يتمتع بكرامة متسامية، مشيرا إلى أنه اتضحت الحاجة الملحة للتشديد على أهمية الكرامة البشرية وحقوق الإنسان في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وأضاف في كلمته التي القاها بالبرلمان الاروبي في جلسته المنعقدة صباح اليوم الثلاثاء، بستراسبورغ، أن مسألة تعزيز حقوق الإنسان تحتل اليوم مكانة مركزية في التزامات الاتحاد الأوروبي، لكن ما تزال هناك أوضاع كثيرة يعامل فيها الأشخاص كسلع ثم يطرحون جانبا عندما يصبحون عديمي الفائدة، أي عندما يصبحون ضعفاء، أو مرضى أو عجزة. وأشار بابا الفاتيكان إلى أن أوضاع أخرى يحرم فيها الأشخاص من التعبير بحرية عن آرائهم وأفكارهم وممارسة إيمانهم الديني، فضلا عن مختلف أنواع التمييز، وتساءل "أي كرامة يمكن أن يتمتع بها شخص لا يحظى على الطعام أو على مقومات الحياة الأساسية أو على العمل الذي يضفي عليه الكرامة؟". واعتبر أنه إذا لم يتم تنظيم حقوق كل فرد بشكل متناغم، ستصبح مصدرا للصراعات والعنف. ولفت البابا فرنسيس في خطابه إلى أعضاء البرلمان الأوروبي إلى أن الكرامة المتسامية للإنسان المرتبطة بطبيعته وبالبوصلة المكتوبة في قلوبنا، ومن هذا المنطلق لا بد أن ننظر إلى الإنسان قبل كل شيء، في وقت ينتشر فيه بأوروبا مرض الوحدة والتي تزيد حدتها بفعل الأزمة الاقتصادية، وتلاحظ زيادة في غياب ثقة المواطنين بالمؤسسات، كما أن هناك انطباعا عاما بأن أوروبا تعبت وبدأت تهرم، فأصبحت أوروبا عجوز وفقدت حيويتها وخصوبتها، كما أننا نلاحظ بأسف ومرارة أن القضايا التقنية والاقتصادية باتت تطغى اليوم على النقاشات السياسية. وتابع البابا متسائلا: "كيف يمكننا أن نستعيد الأمل بالمستقبل والثقة في البحث عن الهدف السامي ألا وهو قيام أوروبا موحدة ومسالمة وخلاقة، تحترم الحقوق وتلتزم بواجباتها؟"،لافتا إلى أن أوروبا تفقد روحها الإنسانية المرتكزة إلى محورية الكائن البشري في حال عجزت عن الانفتاح على البعد المتسامي للحياة. وأكد أن المسيحية التي قدمت إرثا أساسيا على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في أوروبا تريد الإسهام في حاضر القارة ومستقبلها أيضا، مشيراً إلى أن هذا الإسهام لا يشكل تهديدا لعلمانية الدول ولاستقلالية مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بل يشكل غنى يرتكز إلى مبدأ التفويض والتضامن المتبادل وبعدا إنسانيا يتمحور حول احترام كرامة الشخص. وعبر البابا فرنسيس أيضا عن استعداد الكرسي الرسولي والكنيسة الكاثوليكية للمشاركة في حوار شفاف ومثمر مع المؤسسات الأوروبية من خلال اتحاد المجالس الأسقفية الأوروبية. ولم يخل خطاب البابا من الإشارة إلى حالات الظلم والاضطهاد العديدة التي تعاني منها الأقليات الدينية حول العالم، لاسيما تلك المسيحية ولفت إلى أن جماعات وأشخاصا كثيرين تعرضوا للعنف وطردوا من ديارهم وأوطانهم، وتم بيعهم وقتلوا وصلبوا وقطعت رؤوسهم وأحرقوا أحياء وسط صمت مخز وتواطؤ من قبل كثيرين، هذا ثم أشار البابا إلى شعار الاتحاد الأوروبي وهو "الوحدة في التنوع" وأكد أن هذا الأمر لا يعني التماثل السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري بل يعني أن هذه العائلة من الشعوب تعرف كيف تجمع بين مثال الوحدة وتنوع كل فرد. وتوقف البابا عند أهمية الدفاع عن البيئة وحماية الخلق اعتبر أنه بغية إعطاء الأمل لأوروبا لا بد من إيجاد حلول للمشاكل المرتبطة بسوق العمل، بدءا من ضمان كرامة العمال كما شدد على ضرورة معالجة القضايا المتعلقة بالهجرة، مؤكدا أنه لا يمكن أن يتحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة كبيرة. ثم سلط الضوء على أهمية الحوار مع باقي الدول، ومن بينها تلك المطلة على المتوسط مشيرا إلى أن العديد من تلك الدول تعاني من صراعات داخلية وضغط الأصوليات الدينية والإرهاب الدولي. واختتم البابا خطابه قائلا: لقد آن الأوان للتخلي عن فكرة قارة خائفة ومنغلقة على ذاتها إذ لا بد أن تكون أوروبا رائدة وحاملة للعلم والفن والموسيقى والقيم البشرية والإيمان، وأن تنظر إلى الإنسان وتحميه وتدافع عنه وتكون مرجعا للبشرية برمتها.