سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالفيديو..الإهمال فى حلوان (5).."عرب أبو دحروج" الحياة للأسمنت والموت للأحياء.. أبراج الضغط العالي تحصد أرواح 3 أطفال.. وسرطان الرئة يلاحق الكبار و"العتمة للجميع".. والأهالي: قلبنا وجعنا من الشكوى
هنا "عرب أبو دحروج" بحلوان الموت بالمجان، مطالبات بسيطة للعيش والحياة ولكنها مستحيلة مع من لا يشعر بمر المعاناة.. أناس يعيشون على الفتات يضيئون حياتهم بلمبة جاز، ويطبخون على "وابور شرايط"، ويشربون من قلل فخار للماء، حياة بدائية في مجتمع أسمنتي قضى على الأخضر واليابس، ظلمات وكهرباء تحصد أعمار ملائكة الرحمن اللاهين، حفر ومستنقعات تتصيد العجائز ومكفوفي البصر، أمراض مزمنة تحاصر الأجساد التي فتتها الفقر وجعلها أشلاء، دموع لا إرادية وسعال لا يتوقف، وصرخات لا تسمع، أحياء في مقابر الموت، لا أحد يعلم عنهم أو يسمع منهم، محاصرون بأسلاك الكهرباء التي تدفعهم لمفارقة الحياة رغما عنهم، إنهم ضحايا الموت المجاني لمصنع "أسمنت حلوان" وأبراج الضغط العالي لوزارة الكهرباء، إنهم أهالي عرب "أبو دحروج" من ضواحي وقرى حلوان المترامية التي تعد منفى البشر الأسمنتي، أقوام قامت قيامتهم قبل أن تدق وقبل أن تزف الدنيا إليهم خبر الحياة. في البداية توقفت كاميرات "البوابة نيوز" أمام شارع تملأه شبورة كبيرة خيمت على معالم المكان، كادت أن تخنق أنفاسنا من رائحة الأسمنت، وقبل أن نسأل عن الأمر وجدنا لافتة كبيرة لمبنى مصنع كبير له ما يشبه المدخنة يخرج عوادم عبأت الأرض وحولت معالمها للافتة مدون عليها "مصنع حلوان للأسمنت"، وهنا بطل التعجب وتلاشى وانطلقت جيوشا من الأسئلة الملحة، ولكن كن معنا وشاهد ما شاهدناه خطوة بخطوة. يوجد أمام المصنع مصرف كبير يشبه الترعة، مردوم بكل أصناف القمامة والمخلفات، تحيطه الحشرات الزاحفة والطائرة والقوارض وكأنه عرس جماعي، وحين تتقدم إلى اليسار بضعة خطوات تفاجأ بحفرة كبيرة اتساعها متران تقريبا وعمق متر ونصف المتر، نصبت كالفخ عليها خرقة مهلهلة، وكأنها تشير إلى أن ثمة خطرا ما في المكان، وهى أيضا من تبعات ومعالم المصنع، راح ضحيتها الكثير من الأطفال ومكفوفي البصر والعجائز. تجولت ناحية الشارع الموازي للمصنع من جهة اليسار، وهنا تعجز كل القواميس والأقلام عن الوصف، فلا وصف يضاهي بشاعة المنظر حيث يبدو الشارع العريض وكأنه مستنقع لم ينج من ليلة شتوية غارقة، مياه راكدة ووحل يصل حتى ركبتيك، ولكن الأعجب حين التصقت قدماي في هذا الوحل ولم أستطع إخراجها إلا بترك نعل الحذاء في الوحل، وحينها علمت من المارة أني أخطأت في المشي وسط هذه المستنقعات، لأنها برك أسمنتية!!! من مخلفات المصنع. يجاور المصنع أشجار محتضرة على أوراقها طبقة سميكة من التراب الأسمنتي تمنع عنها الماء والهواء مما جعلها خربة، وبسؤال أحد العمال في الأرض قال "مفيش زرعة بتعيش لنا والأرض خربت من الأسمنت، لا عارفين نزرع ولا نقلع ولا حتى نبيع الأرض دي لأنها بقت زي البيت الوقف وكله بسبب المصنع". الحاجة أم محمود المسنة اشتكت هي الأخرى مر الشكوى من المصنع الذي أصاب عينيها بالرمد والمياه ورغم أنها أجرت العملية اللازمة والتي كلفتها تحويشة عمرها، فإنها لم تحظ بالشفاء بسبب ملاصقة بيتها للمصنع، كما اشتكت المسنة من القمامة التي هي السبب في وجود كل أنواع الحشرات وهي من مخلفات المصنع، وقالت: "الحياة هنا صعبة يابنتي زبالة وضغط كهرباء وأسمنت، حد يلحقنا ينوبكم ثواب". أما الست أم محمد التي تفترش الأرض وتبتاع بعضا من الحلوى التي لا يتعدى ثمنها "ربع الجنيه"، اشتكت من ارتفاع فواتير المياه التي تلاحقها كل شهر ب90 جنيها وتقول: "والله البيت كله على أوضتين ولا أملك سوى حنفيتين ودش" وزوجي مرتبه 600 جنيه ومعانا 4 أولاد"، وأضافت :"المنطقة ممنوع عنها الكهرباء بنضطر نوصلها سرقة من الجهة التانية وكل يوم والتاني محضر وغرامة 300 جنيه، تعبنا والله تعبنا وكل يوم ناس زيكم تيجي تصور وتمشي". بينما اشتكي خالد ابن الحادية عشرة من وجود كوفريهات الكهرباء عارية في شارع المدرسة وتعرض الأطفال للخطورة دائما خصوصا أن تحت الكوفرية ماسورة مية مكسورة مما يتسبب في ماس متكرر . كما أشار عمر ابن الخامسة ببراءة مفرطة وابتسامة تتحدي خبث الإهمال إلى البلاعة المكشوفة التي تتوسط الحارة وقال ضاحكا "أنا وقعت هنا بس الناس لحقتني وخرجوني". وأضاف الطفل سعيد أنه مصاب بالحساسية المزمنة وأنه يعالج بالبخاخات منذ عامين، وأن جميع أصدقائه في المدرسة يعانون من الحساسية والكحة بسبب عوادم الأسمنت التي "تعميهم" كل يوم من المصنع، فلا يوجد تأمين صحي عليهم ولا وحدات صحية بالمنطقة. وهنا تحدثت الأم العجوز التي لم نعلم لها اسما وقالت: "أمانة عليكم تغوروا كابلات الضغط العالي من وسط البيت، قولوا للسيسي ولمجلس الشعب ينورولي يا ولاد، نفسي أشوف النور وأجيب تليفزيون واتفرج على البرامج الحلوة" . وتابعت العجوز: "أنا عايشه في العتمة سنين بسبب أبراج الضغط العالي ووزارة الكهرباء قالت لنا مينفعش نوصلكم نور عشان الضغط، ولينا سنين عايشين على لمبة الجاز ووابور الشرايط ، لا كوباية مية ساقعه في الحر ولا مروحة.. ارحمونا". أما جمال فله ثأر مع أبراج الموت "الضغط العالي" التي كانت سببا في فقدان ولده ابن الخامسة والذي كان يلعب فوق سطح المنزل بماسورة الستارة التي ارتطمت بكابل الضغط، فشب الحريق في المكان كله ووقع الطفل في مكانه بعد أن فارق الحياة، حيث يقول: "قدمت ألف شكوي قبل ما ابني يموت حتى يتدخل المسئولين، لأن سلك الضغط فوق منزلي بينه وبين الرأس مسافة أقل من 20 سم، ولكن كان رد المسئولين "لا نستطيع تغيير مسار الكابلات،انقل أنت لبيت آخر، رغم انى باني من سنة 1977 والأسلاك اتعملت في 1992، يعنى هما اللىجايين عليا". وأضاف جمال أن ابنه ليس الضحية الأولى لأسلاك الضغط، مؤكدا أن هناك حالتي وفاة في الكفر من الأطفال للسبب نفسه، هذا ما أكده صلاح الذي فقد أخاه ابن الثالثة عشر الذي كان يربي حماما فوق سطح المنزل وارتطم كابل الضغط بالعشة في ليلة شتوية فأحرق البيت وفارق الطفل الحياه، كي يطلق سراح الحمام وينقذه من الموت هو الآخر. ويقول "أ" شاب كان يعمل بمصنع أسمنت حلوان وطرد منه بعد ما امتلكته الشركة الإيطالية بنسبة 66%، وهي النسبة المخالفة للقانون لأن الشركة حكومية: "الشركة الإيطالية اتحكمت في المصنع وأخدت خيرنا، ثم ألغوا عقودنا وألقوا بنا في الشارع بدون أي تعويض أو تأمين". فيما طالب أحد الشباب وزير الداخلية بالتحقيق مع عدد من العساكر في المنطقة، وجميعهم عساكر درجة أولى ولكنهم يطلقون على أنفسهم أمناء، يبلطجون بالمنطقة ويفرضون إتاوات على الأهالي الفقراء، ويقومون باستغلال أسلحتهم في ترويع وابتزاز السكان الغلابة. أما سمير المصاب بربو شعبي والذي كان يعمل بالمصنع، وهو الآن ملقي في بيته جثة هامدة ولديه 4 أطفال، لم نستطع الحديث معه فهو لا يمتلك أنفاسا كافية للحديث، كحة متواصلة تنتهي بقيء دماء، وزوجته تقول: "البخاخة البنفسجي ب130 جنيه يا أبلة غير باقي الدواء، نجيب حق 300 جنيه دوا كل شهر منين وهو راقد في السرير، ولا تأمين ولا مرتب". ومن جانبه أكد الدكتور محمد عبد الرحمن دياب استشاري الأطفال ورئيس قسم الطوارئ بمستشفى حلوان العام، أن نسبة إصابة الأطفال بأمراض الجهاز التنفسي من حساسية الربو شعبى وتحجر في الرئتين عالية ويصل الأمر إلى سرطان في الرئة وأن هذه النسب ترتفع يوما بعد يوم في حلوان، نتيجة العوادم التي تنتج عن المعامل الكيميائية بمصانع الأسمنت، كما أن أمراض العيون تلاحق كل أهالي حلوان لنفس السبب، وأن الحل هو تركيب فلاتر لهذه المصانع لأن نقلها يكاد يكون مستحيلا. وأشار الاستشاري إلى أن الضغط على المستشفى فوق استطاعته وأكبر من إمكاناته، فسكان حلوان جميعا ليس لهم منفذا إلا المستشفى، مطالبا ببناء مستشفى متخصص للصدر لعلاج أمراض الجهاز التنفسي التي تصيب المواطنين الذين يعيشون بضاحية حلوان.