"أعطني القوة لأقول لا وأعطني العقل لأعرف كيف أقولها، وأعطني الكفاية لأعرف متي أقولها".. قوة الشعر والفلسفة الخاصة به مع قوة الأيمان بقضية مجتمعة، جعلت منه علامة منيرة في تاريخ النضال من أجل تراب الوطن. لم يكن الأدب يشغله بنفس القدر الذي يحمله من قضايا مجتمع، يلقي الأمرين في دولة تغلب عليها النزاعات الطائفة.. إنه الشاعر والفيلسوف محمد إقبال، الذي تحل اليوم الأحد ذكرى ميلاده. مع سطوع شمس يوم 9 نوفمبر، ولد محمد إقبال في سيالكوت عام 1877، إحدى مدن البنجاب الغربية، ويعود أصل "إقبال" إلى أسرة برهمية؛ حيث كان أسلافه ينتمون إلى جماعة من الياندبت في كشمير، واعتنق الإسلام أحد أجداده في عهد السلطان زين العابدين بادشاه، قبل حكم الملك المغولي الشهير (أكبر). ونزح جد "إقبال" إلى سيالكوت التي نشأ فيها إقبال ودرس اللغة الفارسية والعربية إلى جانب لغته الأردية، كانت نشأت أقبال ودور والده مؤثر في مسيرة نضال وكفاح من أجل قضية رسخت عبر إيمان بالحق في وجود دولة مستقلة للمسلمين، وفي توضيح للمفهوم الصحيح للإسلام. وكان "إقبال" أكثر وعي وفهم بأصول الدين حيث كان بليغ في كشف أسرار الدين بأساليب لم يصل أليها أهل الفقه والتوحيد في عصره، ويرجع إقبال ذلك إلى والده الذي اعتاد أن يسأله كل صباح حين يقرأ القرآن، ماذا تصنع؟، فيجيبه" إقبال: أقرأ القرآن، وظل ثلاث سنين يسأل نفس السؤال ويجيب نفس الجواب حتى قال لوالده: "لماذا تسألني عن شيء أنت أعلم بجوابه؟ فقال: إنما أردت أن تقول: "أقرأ القرآن وأتعمق به وأستغرق في معانيه وليس قراءة معتادة فقط"، ومنذ ذلك اليوم أتفهم القرآن ومعانيه، وكان والده يقول له:" اقرأ القرآن وكأنه يتنزل عليك. وتعلم إقبال في سن مبكرة على يد أبيه ثم التحق بأحد مكاتب التعليم في "سيالكوت"، وكان والده يريد تعليمه العلوم الدين والتعمق فيها ولكن كان هناك مدرس يدعي "مير حسن" صديق والده رفض ما يريد والد إقبال وكان يري أن هذا الصبي لم يخلق كي يكون أمام مسجد أو خطيب ولكن ينبغي أن يبقي في المدرسة ثم أنتقل إلى الثانوية ودرس له "مير" الآداب العربية والفارسية، وكرس إقبال حياته للدراسات الإسلامية.. كان لمعلمه "مير" أثر في أقدام محمد إقبال على الشعر وقد كتب الشعر في مراحل مبكرة، وكان ينظم الشعر في بداية حياته بالبنجابية، ولكن " مير حسن" وجهه إلى النظم بلغة الأردو، وكان إقبال يرسل قصائده إلى ميرزا داغ دهلوى الشاعر البارز في الشعر الأردو، حتى يبدي رأيه فيها، وينصحه بشأنها وينقحها، ولم يمضِ إلا فترة بسيطة حتى قرر داغ دهلوي أن أشعار إقبال في غنى تام عن التنقيح، وأتم إقبال دراسته الأولىة في سيالكوت، ثم بدأ دراسته الجامعية باجتياز الامتحان العام الأول بالكلية الحكومية 1891م، التي تخرج فيها وحصل منها على إجازة الآداب 1897م، ثم حصل على درجة الماجستير 1899 م، وحصل على تقديرات مرموقة في امتحان اللغة العربية في الكلية الحكومية..