وصفت الدكتورة هويدا صالح كتابة القصة القصيرة ب" الصعبة جدا "، وقالت: " ثمة انشغال كبير بمصطلح " القصة القصيرة جدا " أو " ق. ق. ج "، ما بين متحمس لها داع لكتابتها، وبين رافض لهذا الجنس الهجين الذي يراوغ بين جماليات الشعر والسرد. وأضافت صالح: لقد صدرت مجموعات قصصية كثيرة في الآونة الأخيرة، بل وعقدت لقاءات نقدية تناقش هذا الجنس الأدبي الذي برز فجأة واستشرى بين الكتاب، لكن رغم ذلك يظل هناك غياب حقيقي للتأريخ له، متى بدأ ؟ وهل جذوره يمكن أن تعود لقصيدة النثر أم تعود للقصة الومضة وقصة اللحظة، وقد نظر لها يوسف إدريس كثيرا؟ والسؤال هل نحن أمام ظاهرة صحية ينبغي تبنيها ورعايتها، أم نحن أمام انحراف ومنزلق خطير للإبداع الأدبي، يلجأ له كل من لا يستطيع أن يقبض على جماليات القصة القصيرة ويجيدها ؟ وتابعت صالح: قد يختلف النقاد حول هذا الجنس الأدبي، فمنهم من رحب بهذا الجنس الذي ظهر فجأة واكتسح الساحة الأدبية ولقي قبولًا واسعًا أوساط الأدباء، وقد كان لهذه الفئة ما يبرر موقفها، فهم يعتقدون أن الحياة في راهنيتها سريعة ومتلاحقة ولا تترك الفرصة والوقت الكافيين لكتابة النص الطويل أو حتى قراءته، وأننا لابد لنا أن نبحث عن وسيلة للتعبير جديدة، وأن القصة القصيرة جدًا مناسبة لهذا الظرف، لأنها تختزل العالم بمشاكله وتناقضاته وتعبر عن هذه الحياة بشكل مكثف وبشكل أدبي يخضع لكل هذه المواصفات وأن جمالية هذا الفن فيما يثيره من تساؤل حولها مما يثري الحركة الأدبية. وهناك فئة أخرى ترى عكس ذلك، حيث رفضت هذا الجنس الأدبي جملة وتفصيلًا، واعتبرته مستنسخًا عن أجناس أدبية أخرى، واعتبروا كذلك أن كل من يكتب في هذا المجال، إنما يستسهل الكتابة الأدبية، التي تحتاج في حقيقة الأمر إلى مجهود فكري ولغوي وقدرة عالية على الإبداع الفني والجمالي، وأن هذا الجنس الأدبي إنما يختزل الأحداث ولا يهتم بالشخوص بالشكل المطلوب في كل عمل قصصي، مما يساهم في تمييعها، وأنها لا تقدم ملامح واضحة تميزها عن غيرها من الأجناس الأدبية، فليس بالشعر وليس بالنثر، إن هذا الاختلاف وهذا الجدال الطويل حول القصة القصيرة جدا، وهذا الغموض التي يكتنفها يطرح كثيرًا من الأسئلة، وتحوم حولها كثيرا من الشكوك. وختمت صالح بقولها: لكنني شخصيًا لا أنشغل كثيرًا بهذا الحماس أو الرفض، إن الفيصل الوحيد الذي يحكم ذائقتي كمبدعة وناقدة هو مدى ما تقدمه هذه النصوص من الخصائص السردية لفن القصة، هل يتوفر لهذا النص ما يجعلني أقول إنه نص سردي اختزل العالم وكتب بلغة تراهن على فكرة النسيج السردي، وابتعد عن المباشرة، وقدم اللحظة القصصية في كثافة وعمق أم مجرد بوح لغوي لا يعرف من السردية إلا الاسم. إن كتابة القصة القصيرة جدا الناجحة الفنية صعبة جدا لأنه مطلوب من الكاتب أن يقبض على العالم في بضع جمل، أن ينفذ إلى قلب وعقل المتلقي ببضع جمل، أن يوصل حالة سردية في أقل عدد من الكلمات.