يغص “,”السوق السباط“,”، في العاصمة المغربية الرباط، برواده من النساء والرجال، ولا تنتهي المناقشات الحادة بين زبائنه وأصحاب المحال التجارية حول تحديد سعر “,”البلغة“,” التقليدية، أو “,”الشربيل“,” المغربي وجودة صناعته إلا مع اقتراب مغيب شمس النهار. فكما يهتم المغاربة خلال شهر رمضان بتزيين موائد الإفطار بأطباق يختص بها المطبخ المحلي، يحرصون كذلك على ارتداء الأزياء التقليدية المغربية، وانتعال الأحذية التي هي من وحي تراثهم القديم ك“,”البلغة“,” (خاص بالرجال) والشربيل (خاص بالنساء). وقال صاحب محل تجاري لبيع “,”البلغة“,” المغربية في “,”السوق السباط“,”: “,”إن صناعة البلغة الجلدية تعد تقليدًا مغربيًّا محضًا، امتاز به المغرب منذ قرون عن سائر بلدان العالم الإسلامي، ولكن في شهر رمضان يحدث إقبال متزايد على اقتناء هذا النعل التقليدي الأصيل“,”. وتابع: “,”وفي هذا السوق، تشرع عشرات المحلات أبوابها، صافَّةً على واجهاتها نعالاً مغربية (البلغة) من مختلف الألوان والأشكال، بعضها للنساء وأخرى خاصة بالرجال، فالعادة المغربية تجعل من الجلباب والقفطان المغربي (لباس تقليدي) لا يستقيم ارتداؤه إلا برفقة (بلغة) مغربية، غالبًا ما تكون صفراء اللون بالنسبة للرجال، فيما يتفنن الصناع التقليديون المغاربة في إبداع أشكال وألوان وزخارف تزين (الشربيل) التي تنتعلها النسوة، ويتنافس الباعة في إقناع المشترين بجودته“,”. وتشتهر بعض الحواضر المغربية العتيقة بصناعة هذا النعل التقليدي، كمدينة “,”فاس“,”، التي تعد مركز الحرف التقليدية المغربية، خاصة الصناعات الجلدية، والعاصمة الرباط، المعروفة بجودة منتجاتها واستقطابها للباعة الذين يعرضون بضاعتهم التقليدية من ألبسة وأحذية ك“,”البلغة“,” و“,”الشربيل“,” المغربي، و“,”الجلباب“,” والقفطان المغربي، التي يعتني المغاربة بارتدائها خلال الزيارات العائلية التي يتبادلونها مع أقاربهم أثناء شهر الصيام. وتستغرق عملية صناعة البلغة المغربية يومًا كاملاً، يحتاج خلاله الصانع إلى الانزواء في مشغله، والانطلاق في عملية الصنع “,”تقطيعًا وتلميعًا وتلوينًا“,”. وتبدأ هذه العملية في دار الدباغة؛ حيث يتم إعداد جلود البقر والماعز، وغسلها وتجفيفها، لتصبح صالحة للاستعمال في صناعة هذا النعل التقليدي، وبعد الانتهاء من عملية الغسل والتجفيف تلون الجلود بألوان شتى وفق طرق خاصة وحسب طلب الباعة وحاجيات السوق. وبعد حصول الصانع على كميات الجلد الكافي، ينطلق في تقطيع قطع الجلد داخل مشغله وفق مقاسات محددة، وبأشكال تتناسب والنماذج التقليدية التي على منوالها دأب المغاربة منذ قرون على انتعال “,”البلغة“,” و“,”الشربيل“,” اللذين يعدان اليوم أحد لوازم الاحتفاء بالمناسبات الدينية في المغرب، خاصة شهر رمضان المبارك، لكنها فيما مضى كانت الحذاء العادي الذي ينتعله المغاربة على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، وبه يزاولون أشغالهم اليومية، ويحضرون احتفالاتهم. ولا يكتفي الصانع، الذي يقضي ساعات النهار الطويلة في مشغله ليعد بضع قطع من هذا المنتوج التقليدي بتقطيع الجلد وخياطته، بل يجتهد في رسم نقوش وتنميق خطوط على واجهة البلغة الجلدية، تعطيها رونقًا خاصًّا، وتجعل منها قطعة فنية تميز الأزياء التقليدية المغربية. أما صانع البلغة المغربية فلا تنتهي مهمته إلا بعد أن يقوم بخياطة أجزائها وربطها بقاعدة النعل، التي تدعى “,”الفرَاشة“,”، والمصنوع بدوره من الجلد، وتعد “,”البلغة“,” التي تخاط يدويًّا أجود الأنواع وأغلاها ثمنًا، إلا أن بعض المشاغل التقليدية تختار الاستعانة بآلات للخياطة كسبًا للجهد وللوقت. حين الانتهاء من خياطة البلغة الجلدية وتجميع أجزائها، توضع في قالب يصطلح عليه الصناع “,”القراص“,”، حسب أحجام مختلفة، وكل ورشة من ورش صناعة هذا المنتج التقليدي تنتج عشرات القطع، إلا أن تسويقها إلى الزبون في الأسواق لا يمر -كما جرت بذلك أعراف السوق التقليدي- إلا بواسطة الدلَّال (وسيط)، الذي ينقلها من الصناع إلى البائع، طبقًا لحاجيات والقدرة الشرائية لزبائن هذا الأخير. وتختلف أسعار “,”البلغة“,” التقليدية حسب أنواعها، فأقلها سعرًا يبلغ 70 درهمًا مغربيًّا (حوالي 8 دولارات)، ويرتفع السعر حسب نوع الجلد المستعمل وجودة الصنع، إلا أن كل المغاربة -خاصة في شهر رمضان- يحرصون على ارتدائها.