نعرف أن "تأديب وتهذيب وإصلاح" هو شعار مصلحة السجون بمصر، ولكن من يقترب من كتب وزارة التربية والتعليم ويراجع محتوياتها وما تبثه لأبنائنا، يعرف أن شعار مصلحة السجون ينطبق على وزارة التربية والتعليم أيضاً، فأبناؤنا المحبوسون أغلب نهارهم في فصول مكدسة لا يمكنهم أن يشعروا بالحب تجاه التعليم والمدرس والمنهج الدراسي بسبب فجوة هائلة بين التعليم وبين ما يكتسبه الطلاب والتلاميذ من معارف خاصة في عصر التكنولوجيا. يخرج الأبناء يوميا مرهقين مرغمين في الصباح نحو المدرسة ويعودون منها أكثر إرهاقاً، ليس فقط بسبب حمولة الحقيبة المدرسية التي هي جزء من المشكلة، ولكن أيضا من حمولة الحشو واللغو الذي تزخر به مناهج التعليم ، حتى إن أبناءنا والمعروف عنهم موهبتهم الفطرية في التكنولوجيا يسخرون من تلك الخفة التي يتباهي بها خبراء الوزارة الذين يعدون الكتب المدرسية، ونسوق مثلاً على ذلك كتاب الكمبيوتر المقرر على الصف السادس الابتدائي والذي اسمه على الغلاف Daleel Al-tafawk أي دليل التفوق بالعربية.. نعم هكذا كتبها الخبير القابض عشرات الآلاف من الجنيهات مقابل تصديره الجهل لأبنائنا وقد لاقى هذا العنوان النكتة سخرية التلاميذ قبل أولياء الأمور ويزيد العجب عندما نجد الكتاب يعلم الأبناء برنامج التشغيل ويندوز إكس بي الذي صدر قبل 12 عاما وأصبح من التاريخ في عالم الكمبيوتر ونجد أن الأبناء في منازلهم وعلى اجهزتهم الشخصية يستخدمون برامج تشغيل حديثة وتفوق هذا البرنامج بمراحل، وتزيد الكارثة عندما نعرف أن شركة مايكروسوفت نفسها ألغت ذلك البرنامج الذي مازال يتم تدريسه للابناء، ومع ذلك يدعي جهابذة الكتب التعليمية انهم يطورون المناهج ويدرسون علوم الكمبيوتر. وفضلا عن ذلك فإن الطلاب أنفسهم الذين أصبحوا يشاهدون قنوات الكارتون الانجليزية والافلام الاجنبية يسخرون هم انفسهم من كتب الانجليزية الي تتضمن لغة مليئة بالاخطاء ولا علاقة لها بصحيح اللغة وإذا انتقلت الى الدراسات الاجتماعية والتاريخ واللغة العربية فسوف تجد عشرات التفاصيل على ذات الوتيرة قادرة على خلق أجيال من الجهلة الذين لا يمكنهم مواكبة ما يحدث حولهم من تطورات متسارعة في العالم إلا من رحم ربي وانتبهت أسرته واستعدت له ببرنامج تعليمي وتثقيفي مواز لبرنامج الوزارة، وبذلك تزداد أعباء الأسرة المصرية التي يتحمل كثير من طبقاتها غالبية ما تحتاجه من خدمات مثل تكاليف العلاج لان المستشفيات الحكومية لا تقدم لنزلائها الا خدمة واحدة حقيقية هي شهادات الوفاة كما تتحمل الاسرة المصرية عبء التعليم ان أرادت ان يلحق ابناؤها بأي من الكليات المرموقة وعبء المواصلات الخاصة لمن لا يمكنه تحمل إهدار وقته وآدميته في وسائل المواصلات العامة وعبء السكن وغير ذلك الكثير. في كل دول العالم يتم التعامل مع التعليم من بوابة الجودة ولا عبث ولا تهاون في هذا الأمر، وأي مغامرة غير محسوبة في المناهج أو أسلوب التعليم هي مغامرة ضد مستقبل الأوطان ، لذلك غير مسموح باللعب على الحبال والفهلوة كما نرى في بلادنا، بلادنا المتعبة اقتصادياً تهدر أموالا طائلة في غير محلها تحت بند التعليم، فالمدخلات خاطئة وطبيعي أن تكون النتائج تطرفا وإرهابا وفقرا، وكلما خرج علينا وزير يؤكد ان التعليم في طريقه لان يشهد نقلة وتطوير نجد في بداية كل عام دراسي ان سيد الموقف مازال هو الحشو واللغو من خلال كتاب مدرسي لا يشفع ولا ينفع كوسيلة للتعليم. إن واقع التعليم يتراجع بخطوات متسارعة ولا أمل في العلاج الا بتغيير شامل يعتمد على الكيف قبل الكم وعلى مواكبة ما يحدث حولنا من تقدم، حيث فسدت السمكة من رأسها ونقصد هنا فساد المحتوى التعليمي وخلل المناهج، وإذا كان هذا نتاج سنوات الانفتاح وعقود الفساد والتوريث ، فالمؤكد أنه بعد ثورتين صار هذا الأمر مرفوضاً جملة وتفصيلاً، فالثورة التي نعرفها هي ثورة على القبح لصالح الجمال، ثورة على التخلف لصالح التقدم، ثورة على الفهلوة لصالح العمل الجاد الحقيقي المنتج. أعرف أنه سيأتي يوم وتدخل فيه العملية التعليمية إلى غرفة الجراحة لبتر الحشو واللغو والسطحية، ستدخل غرفة العمليات مجبرة، فلا يمكن أن تتسارع الخطى في مجالات التنمية المختلفة بينما التربية والتعليم ما زالت على قديمه.. محلك سر.