كعادتها كل يوم ترتمى في أحضانه حافية القدمين يغرقها من قبلاته الندية في صباحات لا تنتهى ولكن اليوم صباح مختلف غير العادة فقد حمل لها رسالة جديدة على موجاته الهادئة ولكن لماذا الان انت هادئ هكذا؟ واين ثورتك العارمة التي سلبتني الحياة مرتين على حين غرة منى؟ اقتربتُ منه لألتقط الرسالة قبل أن يثور ويجرفها بموجه فهو لا أمان له ! ويرسلها إلى بعيد لا أصل إليه. بللها بقطراته فنادت الشمس لتأتى إليها مسرعة لتجفف الحرف المتساقط، وتحميه من ارتجافه البرد التي غلفته بمياه البحر، تلألأت الحروف من وهج الشمس وجففت دمعاتها المنسابة تخبئ خلفها خيبة رجائي، ولكنى وضعتها سريعا على الرمال لا أريد أن أقرأ منك أية رسالة، فمن أي مداد كتبتها ومن أي رسول أتت ؟ هل ما زال يسير بقدميه العارتين يداعب دغدغات مياه صباحك مثلى ؟ وأنتَ الأن تريد صفحي عنك، فلترسله لي فهو من أريد لا رسالة اعتذار منك، هل يأبى الخروج ؟ لقد أسرته الجنية بداخلك وعشقت عيونه العسلية مثلى، ألهذا تعتذر أيها الثائر الخادع؟ لم أكّل يوما عن طلبك وطلبه، لم ترهقني نظرات الموانئ الساخرة منى، لم انسى كم كنت ثائرا علينا وحلفت أن تفرق بيننا، لم أعبأ بنظرات السابحين والغارقين في حبك، أتيتك مرارا أرتمى بأحضانك، أتوسل إليك أن تأخذني إليه فلماذا تأبى؟ أهو الغرور، أم بعد المسافات بيننا، قل لها يا بحر أن تلقى إلى بجسده فقد اشتقت لضمه ولتمسح بيدك الطيبة على جرحى الغائر الذى لا يندمل إلا برؤياه، فكما احتضنت جسده البض بذراعيك الواسعتين، وخاض معك غمار غياهب الظلمة بداخلك فلتلفظ إلىّ رفاته كي يستريح بين ذراعي الممدودة إليك أو فلتأخذني إليه فقد سئمت مراوغتك ولن أقبل اعتذارك كل يوم ولن أقرأ رسائلك بعد اليوم، ورجلاي لم تعد تحتمل الوقوف على شرفة الانتظار وعيوني أصابها سموم عشبك فحجب عنها رؤية براحك وزرقة مياهك. استقبلت الشمس في راحتيها، وسارت نحوه تقطع عباب مياهه الزرقاء تغمرها فرحة اللقاء، كلما توغلت ازداد اشراق وجهها واحمرار خديها، غمرتها المياه وكادت تصل إلى رأسها، وفجأة اصطدمت بشيء صلب أفاقت من غفلتها تحسست قدميها، نظرت إلى أسفل، لم تصدق اعتذار البحر، لقد أتى لها برفاته لقد عفت عنه جنية البحر عندما رأت دموعها واصرارها على لقياه الأن تمددت بجانبه احتضنته بقوة ولف البحر ذراعيه وهاج الموج وثارت المياه فاليوم لها وحدها، وحملهما معا نحو مسافات بعيدة دون اعتذار.