يخص الكاتب الصحفى بلال فضل مكتبته ليبعث لها برسالة عرفان وجميل، وذلك خلال مقدمه كتابه "فى أحضان الكتب" الصادر عن دار الشروق. أما عن اختيار "فضل" مكتبته ليقول لها "إلى أحب بقاع الدنيا إلى تحويشه عمرى وبهجة زمانى" فهذا ما سنعرفه بين صفحات الكتاب الممتع الذى يمثل جولة ساحرة فى أعماق الفلاسفة والمبدعين الذين خلقوا وعيا مختلفا للكاتب. لا يكتفى الكاتب بإهداء صفحات كتابه لمكتبته ولكنه يقتبس بعضا من عبارات لمشاهير الفن والأدب يضمنها بين ملفه، ويضع عنوانا لها "أجدع من أى مقدمة" تتقدمها جملة الممثلة الكبيرة ليف أوليمان التى كتبت فى مذكراتها: "لطالما اعتبرت الكتب كائنات حية بعد أن صادفت مؤلفين جددا غيروا حياتى قليلا، فبينما أمر بفترة ارتباك ما أبحث عن شيء لا أستطيع تحديده، إذا بكتاب معين يظهر لى، ويتقدم منى كما يفعل صديق، يحمل بين دفتيه الأسئلة والأجوبة التى أفتش عنها".. وبينما لم ننته من قراءة "أجدع من مقدمة" إذا يهل علينا الفيلسوف والمبدع توفيق الحكيم فى كتابه "عصا الحكيم" ليشاطر أرق مؤلفه ويحرضنا على التضامن مع سؤاله الذى يطرحه ليواجه به عصاه "هل المداد هباء؟؟ وهنا تجيب العصا "يخيل إلى أن الكتابة هى أضعف وسيله للتأثير على المجتمع". لا يملك " الحكيم" أن يقاوم كلام عصا إلا بحكمة يائسة يعترف فيها أن مشوار أى كاتب له طبيعة خاصة ومختلفة فهو يقول: "حقا هو جهد لا يرى له أثر، فالماء يروى الشجر، وتحصد منه بيدك الثمر، ولكن المداد، ماذا ينبت؟ أين هو الثمر الذى نراه بأعيننا.. إنه لعمل مجحف ميئس، ومع ذلك يكابده صاحبه ويصر عليه، وهو موقن أن لا شيء يتغير". ومن عالم "توفيق الحكيم" يصحبنا المؤلف إلى مسرحية بديعة للمؤلف المسرحى الأشهر "يوجين يونسكو" بعنوان "الخرتيت" عن قرية تشهد ظاهرة تقض مضاجع سكانها عندما يرون عددا من الخراتيت تتجول فى الشوارع يظن البعض أنها قادمة من حديقة الحيوانات، فإذا يتبين بعد فترة أن الجميع قد نبت على رؤوسهن قرون خرتيتيةة بما فيهم رجل المنطق.. يحذرك بلال فضل من أن تصبح خرتيتا يمشى مثل القطيع دون منطق فلا يميز بين أعدائه وأصدقائه، يدفعك وهو يحكى عن سطور مسرحية "يونسكو" أن الخرتتة هى أيضا إرادة فلا يمكن لأحد أن يصاب بهذا البلاء دون إرادته .هذه العزيمة فى مواجهتها امتلكها "دودار" صديق البطل الذى يرفض الخرتته لصديقه بيرانجيه وهو يقول له حقيقه مفادها: "أنت لن تصبح خرتيتا.. هذا أمر محقق، فليس لديك الاستعداد لذلك". ومع سطور الكتاب يعترف مؤلفه أن الكتابة عن الكتب صعبة، وخاصة عند الكتابة عن الإبداع الذى يغير الحياة، وهو ما جعله يتأخر كثيرا عن الكتابة عن الشاعر الراحل أسامة الديناصورى. التأخر تماسى مع التصالح مع فكرة أنه لن يوفيه حقه مهما كتب لماذا..؟ لأن الديناصورى كان يجمع تناقضا مكملا جسد ضعف الإنسان، وخلد قوته فى نفس الوقت .لقد أمتلك "الديناصورى" فى كتابه الذى وصفه المؤلف بالمعجز" كلبى الهرم كلبى الحبيب" قوة فى مواجهه فشله الكلوي، وهو يواجه الموت بحب كلبه. ربما لم يواجه " الديناصورى" العفن الذى إستشرى في عهد مبارك ، وكل المصريين يدخلون فى خانة المرض بالصراخ الزاعق، ولكنه قاومه بمنطق "القلقسة" لتسهيل حياته فى جحيم الآخرين وهو كما يصفها أسامة "جعل الرأس كالقلقسة الصماء التى لا تعى شيئا، ولا تهتم بشئ تعلمت أن أقلقس الحوارات التى تدور بينى وبين الآخرين حتي تسير الحياة بنعومة كما تسير" .. يمر الكتاب ليعانق يوسا الحائز على جائزة "نوبل"، والتى شكلت رواياته مساحة خاصة فى قلب مؤلف الكتاب لرصده التناقضات التى عانت منها الأحزاب السياسية اليسارية ،كما أن إبداعه يمكن وصفه بأدب الديكتاتور لنقده الأساليب الفاشية التى تلحق بالحاكم، وهو ما يظهر جليا فى "حفلة تيس" التى تتناول قصة ديكتاتور الدومينيكان الشهير تروخيو.. ومن الديكتاتورية إلى عالم الشعر يرمينا الكتاب إلى وجه الشاعر السورى العظيم محمد الماغوط الذى كان حياته كما يقول المؤلف صاخبة ككتابته، حزينة كشعره، تهكمية كمسرحه، فوضويا بإرادته فهو الذى قال عن نفسه ذات مرة :" الشعر ليس نظاما بل فوضى، وليس وليد هذا الزمان أو ذلك .بل لقيط العصور كلها ، إنه عزة المتنبى لا فخره، حزن أبى نواس لا طرائفه، جنون قيس لا حبه، غربة عنترة لا شجاعته، خريف فرلين لا ربيع البحترى، موت رامبو وجبران ونجيب سرور وكمال ناصر وأمل دنقل، وإنتحاء لوتريامون وخليل حاوى وتيسير سبول وعبد الباسط الصوفى فى ميعه الصبا، لا شيخوخه صالح.. الشعر هو الذى يقودك إلى الدخل الثابت والمكان المعهود والمسلسل المشوق بين أفراد عائلتك، بل إلى المعتقلات النائية والمناقشات البائسة والصيدليات المناوية ومستشفيات المجانين".