- جماعات المصالح تنشر الإحباط في الوسط الثقافي بما تثيره من ضجيج حول نفسها - مؤتمر أدباء الأقاليم ساهم في تفاعل ثقافى بين أدباء مصر ومع استمراره - هناك مواهب من الأقاليم أطفأتها القاهرة لغرقها في البحث عن ضرورات الحياة - ثورة 25 يناير ساهمت في خلق طفرة في قصور الثقافة فكرى عمر. قاص وروائى مصري. يعيش في بيوت (إحدى القرى التابعة لمحافظة الدقهلية – مواليد 1980م). عضو اتحاد كُتاب مصر. بدأ تجربته الإبداعية منذ سنوات الجامعة في المنصورة، وما زال يتنقل في كتاباته الجديدة بين أسئلة وجودية كبرى حول حياة الإنسان، وتجاربه المتنوعه، ومصيره، وبين الأسئلة الواقعية التي يطرحها علينا التغيير السياسي والاجتماعي الذي تعيشه مصر. نشر قصصًا قصيرة له في الصحف، والمجلات المصرية المختلفة. كما فاز ببعض الجوائز الأدبية من ساقية الصاوى، ووزارة الشباب، وصلاح هلال، وآخرها جائزة المركز الأول في القصة القصيرة من إقليم شرق الدلتا الثقافى 2013م، والمركز الأول في الرواية، جائزة المواهب دورة إبراهيم أصلان من المجلس الأعلى للثقافة. صدر له: قصص "من كلمات الرجل الميت" عن سلسلة أدب الجماهير 2009م – رواية "محاولة التقاط صورة" عن سلسلة إبداع الحرية 2011م – قصص "الجميلة وفارس الرياح" عن سلسلة كتابة (الهيئة العامة لقصور الثقافة) – رواية "الزمن الآخر" عن سلسلة المواهب (المجلس الأعلى للثقافة). أما عن إبداعاته القادمة فله مجموعة قصصية تحت الطبع: "تُراب النخل العالي"، ورواية "فُلْك النور". "البوابة نيوز" حاورت الروائي فكري عمر في إطار سلسلة حواراتها مع أدباء الأقاليم حول أهم قضاياهم والمعوقات التي تواجههم لنتعرف من خلالها على وجهات نظرهم في الكثير من القضايا وإلى نص الحوار: - هل تعتقد أن المبدع يمكنه أن يحقق النجاح في محافظته النائية، أو بلدته الصغيرة دون أن يكون ذلك مرتبطًا بوجوده في العاصمة؟ وما هي المقومات لذلك؟ دعنى أخبرك بداية، بأنه من الأشياء الغريبة في مصر وجود هذا التقسيم على أساس جغرافي، لا أدبي. بين من يعيش في القاهرة، ومن يعيش في محافظات قريبة من القاهرة، أو نائية عنها. لاحظ أن كلمة (نائية) التي يتم تداولها أيضًا تقاس ببعدها عن القاهرة! هذا التقسيم من وجهة نظرى كرست له سياسة مركزية لا تُقدِّر التنوع الجغرافي، والبشرى، ومن ثم الثقافي في مصر. كما كرس له إعلام اختار الطريق السهل في تقديم كل ما قريب منه. غير مضطر إلى أن يبحث بدأب مخلص عن وجوه الحضارة المصرية المتنوعة، وثراء مبدعيها في التعبير عن بيئاتهم الحضرية، والريفية، والسواحلية، والبدوية، وما كان المبدع في يوم من الأيام رهين إقليمه الذي يعيشه فيه، بل بإمكانه تحويل هذا إلى إبداع غير مسبوق بالتعبير الصادق، والفنى عالى الحساسية عن مكانه هذا بتاريخه، وناسه، وأفكاره، وتطلعاته. أما القاهرة بصفتها العاصمة، فتوجد بها دور النشر الحكومية الكبرى، ودور النشر الخاصة أيضًا، وهو ما يجعلنى أتردد عليها لأقدم عملًا هنا، أو رواية هناك للنشر مستكملًا كتابتى الإبداعية في قريتى مقدمًا رؤيتى للعالم من خلالها عوالمها المتنوعة، وكذلك من المدن الصغيرة حولى. - ما هي المعوقات التي تهدد المسيرة الإبداعية للكتاب الذين يرفضون نداهة القاهرة، ويفرضون أنفسهم على النخبة الثقافية من بلدانهم؟ قد يرغب المبدع فعلًا في العيش في القاهرة لكن ظروفه المادية، والعائلية تمنعه من ذلك، وهناك _ وهذا ما ينطبق على حالتي _ من يرى أن الوجود في القاهرة ليس هو المعيار النهائي لجودة الإبداع خالطًا بين الجودة والشُهرة، بل إن جودة الكتابة، وتقديم الإنسان لعالمه بصدق هو المعيار للإبداع. لنتخيل معًا أن كل المبدعين تركوا بلدانهم الصغيرة، ومدنهم الإقليمية، وعاشوا في القاهرة ليستكملوا حياتهم الإبداعية بين الأضواء _ كما يتصور أكثرهم _ فما الناتج الإبداعى في النهاية؟ ستخسر مصر بالتأكيد من يكتب عن تنوعها وثرائها البيئي، والثقافي، وكذلك من يُلقي الضوء على كل بقعة منها. لنتذكر أن رواية "فساد الأمكنة" ل"صبرى موسى" _ وهي بالمناسبة واحدة من أفضل الروايات المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين _ قد كلفته العيش لمدة عام كامل في جبال الدرهيب على حدود السودان بين أهل القبائل هناك. - هل ترى أن وسائل الاجتماعي قد جعلت من مصر والعالم العربي قرية صغيرة سهلت من التواصل مع النخبة والمجتمع وسهلت مهمة أدباء الأقاليم؟ وسائل التواصل الاجتماعي هو واحدة من أهم أفكار الإعلام الاجتماعي في السنوات العشر الأخيرة، لا لأنها سهلت التواصل فقط بين جميع الأدباء في كل مكان، بل لأنها أيضًا كسرت حدة العزلة المضروبة حول الأديب بوجه عام. بينه وبين بقية الإعلاميين والأدباء في كل أنحاء مصر. كذلك بينه وبين الجمهور، وأتاحت للمبدع فرصة النقاش، والتحاور المباشر مع الجميع حول قضايا مصيرية آنية. -هل صادفت أدباء تم دفن موهبتهم بسبب عدم قدرتهم على التواصل مع أدباء العاصمة؟ المبدع بما يحمل من سمات (الإبتكار، المغايرة، التنوع، الثقة والتحدى) لا يمكن أن يهجر الإبداع لصعوبة التواصل. لنقل أن هناك مشاريع أدبية كان يمكن لها أن تُشكِّل نماذج جيدة في الكتابة قد طُمست، لا لصعوبة التواصل مع الإعلام في القاهرة فقط، ولكن لوجود مثبطات كثيرة في واقعنا الثقافي الحالي الذي يحتاج إلى شخصية من طراز خاص لتحمل استفزازاته، وعبثيته في كثير من الأحايين. - ما هي وجهة نظرك في المنتج الأدبي؟ المُنتَج الإبداعي يُغيّر المجتمع بالتأكيد إلى الأفضل، فالمجتمع لا يتغير نحو الإنسانية، والسلام، والمحبة سوى بالأفكار الجديدة المبتكرة، والقصص المؤثرة، وتخيل لو أن الأسرة البشرية كلها تسعي للثقافة؛ لتغيرت إلى الأفضل. - وما رأيك في قوائم البيست سيلر؟ ووجود جماعات المصالح؟ ظاهرة (البيست سيلر) في مصر بزغت في السنوات الأخيرة متأثرة بمثيلاتها في الدول الأجنبية المتقدمة، وظهورها في مصر كان مرتبطًا بنوعية معينة من الرواية السياسية المباشرة، أو الرواية التي تعتمد الإثارة البوليسية، والنفسية تيمة لها، وساهم فيها الشباب الذي يدخل سوق القراءة للمرة الأولى، ومن لديه قدرة منهم على شراء مثل هذه النوعية بكثافة. هي مرتبطة كذلك بالدعاية التي تقوم بها دور النشر الكبرى بشكل ممنهج، وبحسابات خاصة، فهم يتتبعون نجاح رواية معينة لكاتب ما، ثم يكرسون لرواياته الأخرى معتقدين في النجاح المطلق له، وهكذا ينطفئ واحد ليبزغ آخر من صناعة نفس دور النشر، والمحصلة في النهاية نتيجة الظاهرة هي روايات مباشرة، وإثارية كما قلت. أما جماعات المصالح فهى تؤثر سلبًا على أدباء مصر في كل مكان، لأنها تلتهم كل الفرص المُتاحة لغيرها دون أن تمتلك _ في الغالب _ ما يؤهلها لهذا المكان القيادى، أو الريادى المصنوع، وتنشر الإحباط في الوسط الثقافي كله بما تثيره من ضجيج حول نفسها. لكنها ستنتهي في حالة واحدة: إذا أصبحت الثقافة متسيدة المشهد المصرى، ساعتها سيستطيع الجمهور أن يفرز الغث من الثمين. - هل وجود شخصيات أدبية تتصدر المشهد الأدبي في الأقاليم ساهمت في ازدهار الحركة، أم أن تلك الوجوه تحافظ على مكانتها ومصالحها؟ هذا الأمر لا يمكن الإجابة عنه بالجُملة، فهناك وجوه تسعى لتقديم شباب الأدباء في الأقاليم، وهى قليلة جدًا ولا داعى هنا لذكر الأسماء. على عكس الوجوه الأخرى التي زرعها الأمن، وبعض موظفي قصور الثقافة الذين يسعون لراحة البال مشوهين من خلالها وبها كل جديد، ومختلف، بل وتهميشه وسحقه بكل ما استطاعوا من قوة السيطرة على المجلات الإقليمية، والنشر، والمؤتمرات كذلك، ولولا إفلات المبدع الواعي من قبضتهما، ورسائلهما المحبطة لما ظهر في تلك الأقاليم أحد على الساحة، ولا داعي هنا أيضًا لذكر بعض الأسماء. - ما هو تقييمك للمنتج الأدبي لمشروع النشر الإقليمي الذي تقوم به وزارة الثقافة؟ الهدف المعلن من هذا النشر هدف جيد هو التخفيف عن النشر المركزى بعض الشىء، لكن الواقع مختلف، فهو نشر تتدخل فيه الواسطة بصورة كبيرة جدًا، وحسابات خاصة أيضًا في الغالب، كما أن منتجه في النهاية لا يصل إلى الجمهور؛ لأن الأقاليم لا تسعى إلى الدعاية له، وتوزيعه بشكل جيد، وما لم يتم تدارك هذا الأمر فسيظل نشرًا هامشيًا إلا ما ندر من حالات، وأرى في هذا الموضوع بالتحديد أن يتم تحويل الكتب المجازة في الأقاليم إلى القاهرة، لنشر المختار منها مركزيًا، فالتكلفة واحدة، لكن التوزيع والدعاية المركزية أفضل، كما سيتم التخلص من ضغط المحسوبية في هذا الأمر. - هل تعد نوادى الأدب إضافة للحركة، أم عائق يقف أمامه؟ نعود إلى نفس النقطة الجوهرية، وهى توفر مكان جيد للمناقشة، وميزانية رغم ضعفها للتبادل الثقافي، والورش الأدبية. هذا على الورق. أما في الواقع فشىء آخر.. يمكن أن تلحظ طفرة صغيرة في قصور الثقافة في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير، لكن تم الانقضاض عليها مع الانقضاض على الثورة نفسها، ويجب الضغط في اتجاه تنقية هذه الدور مما يعوقها سواء بتنحية الصراعات، والمصالح جانبًا، وبسحق الخطوط الحمراء التي يضعها موظف لا علاقة له بالثقافة، وحرية الإبداع. - هل أنت مع استمرار مؤتمر أدباء مصر أم إنهاء دوره، ولماذا؟ مع استمرار دوره، لأنه حالة تفاعل ثقافي بين أدباء مصر من مختلف الأقاليم، وهو يسعى لتقديم أفكار جديدة يصوغها الأدباء أنفسهم حول عمل أندية الأدب، وقصور الثقافية. ليس معنى القصور الذي يشوب عمله، والدعائية التي تسيطر عليه أن يتم إلغاءه، بل يكون السعي لتطويره؛ ليقوم بمهمته على وجه أفضل. - هل تعتقد أن الميديا عنصر ترويج للأصلح، أم تلميع لأنصاف الموهوبين؟ الميديا الحكومية المصرية، والخاصة في هذه الأيام لا تسعى لتقديم الأفضل، بل لزيادة حالة استقطاب سياسي، ومجتمعي ستكون له آثاره السلبية الهائلة على الأيام القادمة كما كانت طوال السنوات القليلية المنصرمة إذا لم يمكن تدارك هذا، وهى في الجانب الأدبي تسعى لتقديم كل ما هو مشهور بشكل، أو بآخر إلَّا قليلًا ممن يبحثون عن الجودة الحقيقية، والإبداع. هذه أيضًا حالة لن يتم إصلاحها إلى برواج الثقافة في مصر، وتغيير النمط الساذج الذي تروج له السينما والفيديو بكون المثقف، أو المبدع هو شخص منفصل عن واقعه، له نظرة بلهاء، وشعر أشعث، أغبر، طويل، ويُروِّج لكلام ساذج مضحك. - أين أنت من مشاكل الإقليم الذي تنتمى إليه في منتجك الأدبي؟ قصصى القصيرة، ورواياتي تدور حول عالم القرية التي أعيش بها، وهى ترصد مهمشيها، وأفكارها، وتحولاتها. كما تسعى حتى في فانتازياتها إلى استلهام روح هذه القرية وما يجاورها من مدن صغيرة. - لو عادت بك الأيام هل ستظل في إقليمك، أم ستشد الرحال إلى القاهرة؟ ما تزال أمامي تجارب عدة، وأفكار تخص بيئتي القروية لم أعبر عنها بعد وهو المهم بالنسبة لى، سواء أكملت حياتي بالعيش فيها، والتجوال الحُر، أم جاءت فرصة للانتقال إلى القاهرة، وهي بالمناسبة ليست الباب الأكيد للشهرة، والمجد، فهناك بعض الزملاء الذين انتقلوا للقاهرة، وسحقتهم ضرورات الحياة هناك، وانطفأ إبداعاهم تمامًا، وهذا يؤكد ما أخبرتك به في البداية من أن الإبداع الجيد، والرؤية المبتكره، والأفكار المُدهشة _ سواء عاش المبدع في الريف، أو المدينة، أو الساحل، أو الواحة، أو القاهرة _ هي ما سوف يعيش، ويؤثر على الناس حاضرًا ومستقبلًا.