أوضح الدكتور رضا حجاج، أستاذ التخطيط العمراني بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، أن الفساد المستشري في المحليات، وعدم اتباع الأساليب العلمية في البناء، وافتقار “,”البنائين“,” للمهارة المطلوبة، وارتفاع أسعار مواد البناء، وعدم الالتزام بالأكواد الخاصة بتحديد معايير العمارة، وعدم جدوى الجهات الرقابية التي تغض البصر عن رصد التجاوزات، هي أهم أسباب تكرار ظاهرة انهيار العقارات في مصر. وأوضح حجاج -في حوار خاص- أسباب تدهور الأوضاع في القطاع العقاري وتقصير المسئولين عن مسئولياتهم. وإلى نص الحوار -ما أسباب تكرار حوادث انهيار العقارات في مصر؟ -تنهار العقارات لعدة أسباب متعلقة بالأساسات والعنصر الإنشائي، والكوراث الطبيعية، أو مخالفة الأكواد البنائية، أو الغش الذي يقوم به المنفذون، سواء كانوا مهندسين تابعين لمكاتب استشارية أو مقاولين من الباطن، وغياب الرقابة، وقلة كفاءة المهندسين القائمين على بناء العقارات، وقلة خبرة العامل (البنا)، وتجاهل الدراسات والمقايسات والأبحاث التي تثبت صلاحية التربة –محل البناء– من عدمها، وسوء حالة المستلزمات الكمالية للعقار، والتي تشمل أدوات الصرف الصحي، وعدم مطابقتها للمواسير القائمة في المباني، أو الحفر بجانب العقارات لعمق غير قانوني وبأيدي عمالة غير مؤهلة. -إذن فالمنظومة الإسكانية تحتاج لتغيير؟ -تحتاج لبتر نهائي وبناء من جديد؛ لأن حالة الفساد المستشري في كل المؤسسات التي تتعامل في المجال العقاري، سواء كانت تتبع القطاع العام أو الخاص، تحولت لمكاتب “,”بيزنس“,” في أرواح المواطينن، ضحايا عملية الإبهار بالديكور النهائي –الرديء– للعقار الجديد، وضحايا قلة الحيلة؛ لعدم وجود سيولة مالية لتنكيس مبانيهم القديمة للإقامة بها. -ما الدافع وراء إهمال عمليات التنكيس؟ -ارتفاع أسعار مواد البناء، التي أصبح سوقها وتجارها أغنياء السوق المحلية، فمثلاً طن الحديد المستورد من أوكرانيا أو الصين يبلغ 1300 جنيه، وسعر شكارة الأسمنت المستوردة قيمتها 130 جنيهًا، في حين أن سعر طن الحديد في مصر تعدى 4000 جنيه، وشكارة الأسمنت تبلغ 475 جنيهًا. -وما سبب الفارق الكبير في أسعار المواد البنائية بين مصر والدول الأخرى؟ -استمرار فرض الممارسات الاحتكارية على المواطنين، من قِبل رجال الأعمال المهيمنين على سوق البناء ومستلزماته بالسوق المحلية، لتبدأ دورة التحكم بالسوق وفي الأسعار المقررة على المواطنين؛ وهو الأمر الذي يقابله إما عزوف عن تنكيس المنازل التي تحتاج لإعادة ضبط في الأعمدة الخرسانية والترميم، أو تقليل كميات مواد البناء المفروض البناء بها. -والنتيجة؟ -زيادة الأحمال على أعمدة خرسانية غير مؤهلة لاستيعاب أحمال أكثر من طاقتها، وحدوث انهيار جزئي أو كلي في العقارات. -في رأيك.. ما السبب وراء تزايد انهيار عقارات الإسكندرية؟ -المدن الساحلية في غالبية الأحوال تحتاج لطبيعة بنائية خاصة؛ لقربها من مساحة مائية شديد الملوحة، وتأثر العقارات بالرطوبة الصادرة عن تفاعلات مناخية يحدث تآكلاً في الخرسانة والمواد البنائية للعقارات، ومع الوقت نفاجأ بانهيارات لها؛ بسبب الإهمال في عمليات الترميم المستمر. -معنى ذلك أن مواد البناء لعقارات المدن المطلة على سواحل مائية تحتاج لمقايسات مختلفة؟ -عقارات المدن الساحلية تحتاج لاستمرارية متابعة ومراقبة مستمرة من جانب الأجهزة المختصة؛ للتدقيق في الارتفاعات، مع مراعاة المساحة الفاصلة بين المساحة المائية (البحر) والعقارات، وتحديد أطوال وارتفاعات الأعمدة الخرسانية، خاصة للعقارات المطلة على البحر أو المجاورة له. -وماذا عن المحليات ودورها في تحجيم عدد الانهيارات المتتالية؟ -المشهد الدرامي الذي نعيشه عقب وقوع العقارات في محافظات مصر المختلفة بطله الوحيد “,”المحليات“,”؛ لأنها أساس الفساد، وذلك لأنها صاحبة الحق في استصدار تراخيص بنائية، ومتابعة أعمال البناء ورقابة وصيانة العقارات، من خلال التأكد من صحة المقايسة البنائية للكود المعماري –المعايير الخاصة ببناء العقارات– وبسبب ضعف الرقابة على المحليات، ومبادرة العاملين بها لإنهاء كل التراخيص مقابل غض البصر عن الدقة في تنفيذ المقايسة البنائية المطلوبة، وتصبح النهاية موت الأبرياء من المواطنين. -وماذا عن دور الأجهزة الرقابية؟ -للأسف الأجهزة الرقابية المعنية بمتابعة ملف الإسكان تقع تحت اختصاص قطاع المحليات؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام الوساطة والمجاملة والمحسوبية، خلاف تورط بعض الموظفين في عمليات رشوة مباشرة؛ للتغاضي عن كتابة التقارير الفاضحة للتجاوزات الموجود بالعقارات؛ ومن ثم تتوالى المشاكل داخل المنظومة البنائية، ولا يتضرر منها سوى المواطن. -معنى ذلك أن القوانين المنظمة لقطاع الإسكان غير مفعلة؟ -العاملون بالمديريات التي تتبع قطاعات الإسكان بالمحليات لا يَعُون بنود القوانين، ولا يلتزمون بها، ولا يدركون خطورة تجاهلها الإ في حال حدوث كوراث انهيار العقارات، حينما يمْثُل الموظفون أمام الجهات القضائية؛ فيكتشفون أن تعاملهم مع الملف غير مطابق لما هو مقرر له في لائحة العمل وبنود القانون. -وماذا عن دور وزارة الإسكان؟ -الواقع الفعلي لكيان الوزارة ودورها أنها في واد مغاير عن الواقع؛ لأن الوزارء المتعاقبين على مقعد الوزير اهتموا فقط بضمان شعبية النظام القائم، سواء كانت في النظام السابق، الذي استغل ورقة الوحدات السكنية والمشاريع القومية لتجييش الأصوات في الانتخابات الرئاسية، أو في الحكومة الحالية التي تحاول تجميل صورة الإخوان المسلمين –الحزب الحاكم والمهيمن على مقاليد الأمور- ونجد أن غالبية الوزارء يجيئون بأجندات ومشاريع مغايرة عن المشاريع القائمة فعلاً، وتتراكم المشاريع، نصف المكتملة، بلا نفع أو فائدة حقيقية للمواطنين. -لماذا تتجاهل الدولة دور اتحاد المقاولين؟ -الأخطاء في العملية البنائية بمصر تعكس متوالية أخطاء من مجموعة من الأجهزة، هذه المتوالية تبدأ من الوزارة، ثم المديريات، ومراكز البحوث، والمحليات، ثم القطاعات الفنية، وتنتهي عند اتحاد المقاولين، الذي يتناسى دوره في ضرورة إصدار تراخيص للمقاولين –أعضاء الاتحاد– لتحديد مستواهم (درجة أولى، ثانية، ثالثة، رابعة)، ومتابعتهم أثناء عمليات البناء نفسها، ففي مصر نكتشف بعد وقوع الحوادث أن مقاول العقار المنهار استخرج تراخيص بعدد من الأدوار مخالفة للواقع الذي نرفع أنقاضه، خلاف أن المساحات الهندسية التي تستقطع من الشارع تغالبها مخالفة التعدي على ممتلكات الدولة؛ بما يعني أن عملية الميل التي تحدث في عقار ينتج عنه ميل عدد من 3 إلى 5 عقارات أخرى؛ بسبب عدم وجود فراغات هندسية وفق التصميمات الصحيحة المطلوب وضعها، كذلك فإن العمالة غير الماهرة في هذا المجال تحديدًا تجذر الكارثة وتعمقها؛ لأن غالبية البنائين غير متعلمين، ولا يجيدون الإلمام بالقراءة والكتابة، بما يعني عجزهم عن قراءة المقايسات الهندسية. -ماهو عدد العقارات غير المطابقة لمقاييس أعمال البناء في مصر؟ -عدد العقارات غير المطابقة لمقايسس أعمال البناء والارتفاع، التي يصدرها مركز بحوث الإسكان، يتراوح بين 40 و50% من إجمالي العقارات في مصر. -هل توجد خطط لعلاج هذا التردي في أوضاع المنظومة الإسكانية؟ -الخطة الوحيدة تنقسم لشقين: الأول وقائي، يعتمد على تقييم سريع لكل العقارات الموجودة في مصر، وتحديد خريطة الإسكان العشوائي الذي تكثر به حوادث الانهيار، ورفع تقارير عاجلة لها، وتشكيل مجموعات عمل عن طريق السماح لمؤسسات صغيرة لإعادة تنكيس أو ترميم هذه الوحدات السكنية؛ لضمان عدم تكرار حوادث الانهيار. أما الشق الثاني من الخطة فهو علاجي، من خلال عمل إصلاح المنظومة، بداية من إعادة النظر في التشريعات القائمة على القطاع العقاري، وإعادة توجيه الجهات الرقابية للقيام بدورها في رصد الأخطاء، وتحرير محاضر يتم تحويلها فورًا إلى الجهات المختصة لفتح التحقيقات وتحويل المسئولين للعقاب الرادع، وفقًا لقانون يجرم مجرد الغش في مواد البناء، ويجازي على المخالفات التي تزهق أرواح الأبرياء، كذلك فرض جزاءات رادعة على كل المحتكرين لمجال الحديد والأسمنت، عقب تمرير مشروع يحافظ على توافق الأسعار مع الأسواق العالمية، وإلزام اتحاد المقاولين بإصدار شهادة صلاحية لكل أعضائها العاملين في مجال البناء، واختيار عمالة ماهرة؛ لتجنب تكرار وقوع الحوداث.