الغش والتدليس والتلاعب في مواد البناء ثالوث الفساد المستشري داخل قطاع البناء والتشييد، وهو ما أدي لانهيار العديد من العقارات خلال الفترة الأخيرة الماضية ليشهد العام الماضي أسوأ حالات الانهيارات فلم تعد هناك محافظة تخلو من تلك الكوارث، فعندما سقطت عمارة لوران بالإسكندرية - المكونة من 12 طابقاً علي رؤوس سكانها والعمال الذين كانوا يرممون الدور الأول، كشفت اللجنة الهندسية أن الانهيار كان سببه الرئيسي وجود عجز في نسبة الحديد المستخدم واصابتها بالصدأ اضافة إلي انخفاض نسبة الأسمنت والرمل المستخدم لبناء العقار والغش في مواد البناء، وخلال الفترة الماضية فوجئ شباب اسكان مبارك بتصدع المساكن التي كان من المفترض تسليمها لهم، وعلي مدي أكثر من 15 عاماً مازال أصحاب الوحدات السكنية التابعة لجمعية صقر قريش يبحثون عن حل لمشكلتهم فالوحدات التي تم بناؤها في المعادي وزهراء مدينة نصر وأكتوبر لا تصلح للسكن بعد ميل أجزاء كبيرة من العقارات، وهو ما بات يهدد حياة سكانها وصدرت قرارات إزالة للكثير منها اضافة لقرارات التنكيس نتيجة الغش في مواد البناء المستخدمة اضافة إلي سرقة ميزانية المشروع وهو ما تحقق فيه حالياً الأجهزة المعنية. لتتلقي الحكومة كوارث انهيار العقارات بصورة شبه يومية رغم أن معظمها من العقارات الحديثة وكشفت دراسة أعدتها المهندسة منار الحسيني بكلية الهندسة جامعة القاهرة: أن نسبة مخالفات المباني في مصر بلغت 90% من اجمالي العقارات الموجودة والتي قدرتها احصائيات وزارة الاسكان ب4.9 مليون مبني يفتقر 50% منها لأعمال الصيانة مشيرة إلي أن حجم المخالفات بلغ في حي المطرية وحده 8.92% وفي حي السلام 94% بينما بلغت أعداد محاضر المخالفات التي تم تحريرها بواسطة الأجهزة الرقابية عشرة أضعاف تراخيص البناء، ففي عين شمس بلغت مخالفات البناء 96% باجمالي عدد مخالفات 5030 مخالفة، وفي الدرب الأحمر 70% وحي الجمالية 50%، كما تشير الدراسة إلي أن محافظة الإسكندرية أصدرت 57 ألف قرار إزالة لم ينفذوا رغم ما شهدته المحافظة الساحلية من حالات سقوط للعديد من العقارات وكان آخرها في نهاية مارس الماضي عندما انهار عقار مكون من خمسة طوابق بوسط الإسكندرية يقيم به حوالي 17 أسرة وقبل الحادث بأيام قليلة أثناء أعمال الترميم الجزئي رغم صدور قرار لذات العقار قبل ثلاث سنوات من انهيار العقار. وتوضح الدراسة أن محافظة أسيوط حصلت علي نصيب الأسد في عشوائيات البناء بنسبة 98% وتأتي في المرتبة الثانية محافظة القاهرة وتضم 81 منطقة عشوائية لتشهد كارثة إنسانية في الدويقة بمنشأة ناصر، بعد انهيار كتل صخرية علي سكانها. ومن بين المناطق العشوائية في حلوان عرب غنيم والحكر وعرب راشد وكفر العلو والتبين والهجانة بالمعصرة وعرب الوالدة والعزبتين بالاضافة للبساتين بمنطقة دار السلام وتوضح الدراسة أن أبرز أشكال مخالفات البناء التي تم رصدها تنوعت بين البناء بدون ترخيص والتعلية بدون ترخيص والتعدي علي أملاك الدولة وتجاوز قيود الارتفاع والبناء علي موانع التنظيم. وقالت الدراسة أن ارتفاع معدلات الفساد داخل المحليات كان أهم الأسباب نتيجة تفاقم المشكلة وانهيار العديد من العقارات التي ثبت أن أغلبها حديثه وليست قديمة، وأن الفساد أدي إلي صعوبة حصول المواطن علي تراخيص البناء من خلال القنوات الشرعية، فضلا عن ضعف أجور مهندسي الأحياء والذي فتح الباب أمام الرشوة والمساومات وهجرة الكفاءات الهندسية من العمل في المحليات هرباً من المسئولية الهندسية والتي تجعلهم دائماً عرضة للمساءلة القانونية، كما أن تضارب القوانين والتشريعات الخاصة بالبناء وتعددها يسهل اختراقها والالتفاف حولها واستغلال ثغراتها. وأوصت الدراسة بضرورة انشاء شرطة متخصصة لمخالفات البناء للتعامل مع تلك الكارثة بحزم وجدية، بالاضافة إلي ضرورة وضع سياسة بنائية تتوافر لها قاعدة بيانات تبني عليها سياسات التخطيط العمراني، مع ضرورة توفير بديل سكني مناسب عند اتخاذ قرار بالإزالة حفاظاً علي الاستقرار الاجتماعي. ليكشف انهيار العقارات رائحة الفساد التي تقف وراء تلك الكوارث مثلما حدث في انهيار صخرة الدويقة وعقار بولاق أبوالعلا الذي راح ضحيته شخصان واصابة أربعة آخرين ثم عقار فم الخليج بمصر القديمة ليتم اخلاء المنازل المجاورة له خوفاً من وقوع كوارث أخري، ولم تكن عمارة لوران هي الأخيرة في الإسكندرية، والتي راح ضحيتها 36 مواطناً وتبعها العديد من حالات الانهيار الكلي والجزئي لمنازل بمنطقة الحضرة والرمل بشرق الإسكندرية والتي تم بناؤها بالمخالفة ورغم صدور قرارات إزالة لها إلا أن القرارات والقانون شئ والتنفيذ شئ آخر، وبعد عشرة أيام أخري انهار عقار مكون من خمسة طوابق خال من السكان بعد أن اصدر له قرار سابق بإزالة طابقين، وترميم باقي الأدوار ولم ينفذ أيضاً. ويؤكد خبراء الاسكان علي انتشار الفساد بشكل سرطاني خاصة مع عدم وجود تطبيق حقيقي للقوانين التي تسن وهو ما قاله الدكتور مجدي قرقر أستاذ التخطيط العمراني مشيرا إلي أن الانتهازية السياسية التي يتعامل بها النظام مع تلك الحالات أدت إلي المزيد من الفساد وعدم الاهتمام بارواح المواطنين الذين تسفك دماؤهم أسفل الانقاض لافتاً إلي أن النظام يولي كل اهتمامه لخدمة الأثرياء والمدن الجديدة، وما بها من مشروعات في صالح رجال الأعمال من أعضاء الحزب الوطني، وبالتالي انصرف النظام بكافة أجهزته المعنية عن مواجهة العشوائيات وغيرها من المخالفات التي ثبت فيها الغش في مواد البناء خاصة مع ارتفاع سعر الحديد والأسمنت.