معضلة الإخوان الحقيقية الآن، التى يبدو أنهم لم يستوعبوها، أنهم فى مفترق طرق لم يعهدوه طوال تاريخهم، وهو يُفضِى بهم إلى طريق من إثنين، وهم مُجبَرُون على الاختيار: إما أن يتمسكوا بما كانوا عليه منذ نشأتهم وحتى الآن، نفس الأفكار والمقولات والسياسات والمستهدفات، بنفس العقلية ونفس القيادة ونفس فلسفة ومنهج إدارة الجماعة، وأن تظل نظرتهم كما هى إلى الشعب، بكل تعقيداته الاجتماعية والسياسية والثقافية، وبكل تياراته وقواه وأحزابه وفئاته وطوائفه وتكتلاته وأفراده، متوهمين أن كل هؤلاء كتلة صماء فى قبضتهم تحت السيطرة! أى أن يعاندوا الحقائق الدامغة التى تصرخ بفشلهم المدوى وبأن كل ما تبنوه وفعلوه كان كافياً بالقضاء عليهم، وبأن هذا المسار ذهب إلى غير رجعة وقُضِى أمرُه ولم يعد هنالك إمكانية لإحيائه مرة أخرى، على الأقل فى المستقبل المنظور والمتوقع. وهو طريق يؤدى حتماً إلى تفاقم الصراع مع كل من آلة الحكم والشعب معاً، وهو صراع نتيجته محسومة بالقضاء على التنظيم، حتى إذا طال المدى، وهو لن يطول إلا بسبب عوامل الخارج التى تدعم الجماعة مادياً ومعنوياً، ولكن الخارج، مهما كانت إمكانياته ومهما كان إصراره، فإنه لن يتمكن من التأثير فى الرفض الشعبى الذى يزداد يومياً من جراء حماقات الإخوان الذين صاروا يعادون الشعب، ويضعون له المتفجرات فى الأماكن العامة التى يرتادها أو يمر بها، بعد أن كانوا حريصين فيما سابق على أن يحصروا هذا الإرهاب على ممثلى أجهزة الدولة وعلى منشآت الدولة، بل إنه ثبت أنهم وراء تفجيرات أبراج الكهرباء بهدف إثارة السخط ضد الحكم، بلا اكتراث لما يسببه هذا من معاناة للناس! وإما، البديل الآخر على مفتَرَق الطرق، فهو أن ينفتح الإخوان على المجال العام مستخلصين العبر والدروس من محنتهم الأخيرة التى طردهم الشعب فيها من الحكم، جزاء وفاقاً على استبدادهم وفشلهم فى تلبية احتياجاته، واعتمادهم الكذب فى الوعود اليومية التى يقدمونها للجماهير وفى الحوار العقيم مع المعارضة، وانتهاكهم للدستور والقانون وسعيهم للسيطرة على البلاد بغرض الاستبداد فى الحكم، وتبنيهم للعنف ضد معارضيهم المسالمين المتمسكين بحقوقهم، وخصومتهم مع الأزهر، وجرائمهم ضد الشيعة، وتصريحاتهم التى تشيع الكرهية ضد الأقباط، وإنكارهم حقوق كل الأحزاب الأخرى، وعدوانهم على حريات كل النقابات، ومعاداتهم للسلطة القضائية علناً، وابتزازهم للجميع بسلاح التكفير فى أمور الدنيا التى تحتم اجتهاد البشر وتتقبل اختلافهم كحقيقة من حقائق الحياة السياسية. ومن عجب، أن كل هذه الجرائم التاريخية، لم يعترف بها أحد منهم، لا عند حدوثها ولا بعد ذلك، بل الأعجب أن كثيراً من معارضى الإخوان أسقطوا بعض هذه الجرائم من ذاكرتهم وتورطوا فيما ترمى إليه الجماعة باستنزاف طاقة معارضيها فى الدفاع عن أن 30 يونيو وما بعدها لم يكن انقلاباً عسكرياً! وهذا الطريق الثانى يعنى أن يتغير الإخوان تماماً، بعد أن يبدأوا بنقد ذاتى لما سبق، وباعتذار للشعب عن الجرائم، وبالاستسلام لمقاضاة من أجرم منهم، وبطرح خططهم المستقبلية مع ما يتماشى مع شعارات الثورة التى انحرفوا بها. بما يعنى إنهائهم بأيديهم لجماعتهم والدخول فى إطار جديد! هما طريقان يؤديان إلى نتيجة واحدة: موت تنظيم جماعة الإخوان، إما بالإذعان وإما بالإعلان! إذا أصرّوا على الاستمرار والمواجهة برفع السلاح وبإثارة الفوضى وبتعطيل الأعمال وسبل الحياة عزلتهم الدولة بقوتها المستندة على القرارات الشعبية منذ 30 يونيو وما بعدها، حتى تتم تصفية تنظيمهم، باستثناء حلقات هنا وهناك، وإذا عملوا على نيل الرضا العام، كانوا مجبرين على أن يقوموا بأنفسهم بالتغيير المطلوب، الذى يعنى تصفية الجماعة! وهذا الاحتمال الأخير هو الذى يُبقِى على إمكانية أن يندمج كادرُ الإخوان وعضويتُهم فى الحياة السياسية وفى مجمل العمل العام، شريطة ألا يكونوا ممن أجرموا فى حق الوطن والمواطنين! ولكن الجماعة، حتى الآن، هى أبعد ما تكون عن إدراك مأزقها، ولا يزال قادتُها الكبار وجهازُ دعايتهم يتحدثون عن شرعية وهمية، فى الصحف الأجنبية التى اشتروا حصصاً فى ملكيتها أو صفحات ينشرون فيها إعلاناتهم التحريرية، وفى الجزيرة وعلى الإنترنت، متجاهلين أنهم كانوا هم أول من انتهك هذه الشرعية وأسقطها عن حكمهم منذ اعتدوا على الدستور باسم رئيسهم بعد أشهر قليلة من دخوله القصر الرئاسى، بل إنهم يُمعنون فى أكاذيب لا يخلو بعضها من طرافة، عن أنهم استغلوا وجودهم حالياً فى السجن، بما يوفره من وقت وبُعد عن المؤثرات والضغوط، وسعوا إلى أن يكتشفوا أخطاءهم فى العام الكئيب الذى حكموا فيه فلم يجدوا خطأ واحداً! ويقولون إنهم واثقون من أن العالم كله يؤيدهم ويدين الإطاحة بهم، وكأن أنقرة والدوحة يمثلان العالم، بل إن الجماهير العريضة من الشعب تبكى على أيامهم لأنهم حققوا معجزات اقتصادية كان الشعب أول من أحسّ بها وقدّرها، وأنهم وفروا الحريات التى لم ير الشعب مثلها على مدار تاريخه التليد، وأنهم كانوا الأوفياء فى وقت غدر بهم الجميع، وأن المؤامرات حيكت ضدهم من أعداء الإسلام، ومن الدولة العميقة ومن الثورة المضادة، وأنهم كانوا بصدد إحداث النقلة الطفرية الخرافية لمصر والعروبة والإسلام لولا الانقلاب العسكرى، وأن قادة الإنقلاب معزولون عن الجماهير ولا يجرؤون على النزول فى وسطهم لأنهم يعلمون أن الجماهير تقف مع الإخوان وتؤازرهم قلباً وقالباً..إلخ وأما خصوم الإخوان وأعداؤها التاريخيون فهم سعداء بكل ما تقوله الجماعة وبكل ما يصدر من مؤيديها، لأن هذا يُعجِّل بإنهاء الموضوع دون أن يتحمل عبء المهمة أحد من خارج الجماعة.