يظلّ موقف حزب النور السلفى غامضا حتى الآن! فقد كان المتوقع منه، بل الواجب عليه، أن يبادِر طواعية بالعمل على توفيق أوضاعه على أساس دستور 2014 الذى شارك ممثلوه فى وضعه، والذى نال موافقة تشبه الإجماع من الجماهير، والذى نصّ فى المادة 74 على أنه.. «لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى.. إلخ». والمثير للدهشة أن الحزب يرفض فى تحدٍ غير مفهوم أى نقد أو نصح أو إشارة لما يجب عليه عمله، ويُصرّ على الاستمرار فى هذا الوضع الغريب، وكله ثقة أن أحواله مستمرة كما هى وأنها لن تُمسّ! والغموض ينسحب أيضا على بقية الأحزاب السلفية التى تخلط علنا الممارسة السياسية بالعمل الدعوى! وأما الأكثر غرابة فهو موقف أجهزة الدولة الصامتة وكأن الأمر لا يعنيها! برغم أن الكثير من السياسيين والنشطاء فى العمل العام والكُتّاب يَحثّون المسؤولين على التحرك احتراما للدستور، وإنقاذا من مغبة هذا الخلط الذى تورطت فيه البلاد كثيرا. وأما الخطر الحقيقى فهو أن بعض الأحزاب تسعى للتنسيق مع حزب النور، وغيره من الأحزاب السلفية، فى الانتخابات البرلمانية المقبلة طمعا منها فى تمرير بعض أعضائها على قوائم هذه الأحزاب التى تحظى بشعبية فى بعض المناطق، وبالتالى ينال السلفيون شرعية عملية من التحالف مع هذه الأحزاب التى، بالضرورة، لا تستطيع أن تشير إلى انتهاك حزب النور وأخوته للدستور، كما أنها ستكون سندا للسلفيين فى البرلمان حال النجاح فى الحصول على مقاعد. هل القوانين المتاحة لا تساعِد أجهزة الدولة على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتفعيل النصّ الدستورى؟ لماذا إذن لا يصدر تشريع من الرئيس والحكومة يعالج النقص ويستكمل الخطوات التنفيذية التى يتجلى بها النص الدستورى؟ أما إذا كان هذا الموضوع يخرج عن أولويات الرئيس والحكومة، فنحن إزاء مشكلة عسيرة! الأمر خطير! وإذا سارت الأمور على ما هى عليه فمن المرَجَّح أن نتورط فى برلمان عاجز عن تفعيل الدستور الذى يتحدث عن حكم مدنى وعن دولة حديثة، بل سيسير على الاتجاه العكسى داعيا للترفق والتصالح مع الإرهابيين، مع ابتكارات كل يوم فى التعامل مع الأوضاع القائمة والمتجددة. ومن دواعى التشاؤم أن أجهزة الدولة أضعف من أن تنفذ قرار توحيد الأذان حتى فى قلب العاصمة، برغم مضى سنوات على إصداره! كما أنها تتفرج على خرق القرارات بالسماح للممنوعين بأن يعتلوا منابر المساجد، ليس فقط للترويج لما صدر من أجله قرار منعهم، وإنما لما لم يكن أحد يتوقعه بالدعاء على رموز الحكم، ومن خلفهم آلاف المريدين يهتفون «آمين». والحقيقة أن السلفيين لم يدعوا مناسبة إلا وأثبتوا فيها مواقفهم المتعارضة مع اختيارات الشعب، خاصة ما رفعته الثورة بالهتاف والشعار! فقد كان أول ظهور لهم بعد الإطاحة بمبارك فى مظاهرات صاخبة تطالب بعودة «أختى كاميليا»، فى وقت كان الجميع يهتف بأن المسلم والمسيحى إيد واحدة! وعندما تبلور موقف شعبى ضد الممارسات الاستبدادية للمجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى، كان تجمع السلفيين فى جمعة قندهار فى 29 يوليو 2011، التى صرخوا فيها بأعلى الصوت أنهم مع المشير! ويبدو أن البعض نسى هذه المصادفة، ففى نفس اليوم، كانت أول نقلة نوعية إرهابية عندما تم الاعتداء الإجرامى على أحد أقسام الشرطة فى العريش! وكان منهم أصحاب فكرة قبول الدية فى شهداء ثورة يناير على أن يتنازل ذوو الشهداء عن القضايا، فيضيع مبدأ الثورة المطالِب بمحاكمة من أجرم فى حق الشعب! بل إن منهم من يطرح الدية هذه الأيام لمن يقول إنهم ضحايا رابعة، فيثبت أنهم ضحايا ويؤكد موقف الإخوان أنهم مسالمون! وفى الوقت الذى كان لهم ممثل فى 3 يوليو يشارك فى الإطاحة بحكم الإخوان، كان لهم أعداد غفيرة من المشاركين فى اعتصام رابعة تضامنا مع الإخوان! وبينما تحلم الجماهير باستعادة السماحة الدينية التى كانت أهم خصائص المصريين، كان من السلفيين من يمنع الأقباط فى بعض القرى أن يقيموا شعائرهم فى منازلهم، بل وعملوا على طردهم من مقار الأجداد! كما منعوا بعضهم من التصويت فى الانتخابات! وصدرت فتاوى تُحرِّم على المسلمين أن يهنئوا الأقباط فى أعيادهم، بل وحرَّموا على الرجل المسلم أن يلقى السلام على زوجته القبطية! ووصل الأمر إلى إفتاء بعضهم بأن هذا الزوج آثم إذا كنّ فى قلبه محبة لزوجته القبطية! وكان هنالك أيضا تحريض بعض السلفيين ضد الشيعة، بين يدى الرئيس الإخوانى الذى لم تصدر منه كلمة واحدة توقف المحرضين أو حتى أن تعتب عليهم، فكانت المذبحة فى اليوم التالى التى راح ضحيتها عدد من المواطنين بجريمة أنهم يمارسون شعائرهم التى لا يؤمن بها السلفيون! ولا يزال المحرِّضون طلقاء لم يخضعوا للمساءَلة! ولم يصدر عن حزب سلفى موقف جدى يدين هذه الجرائم أو أن ينفى عن نفسه تبنى هذه الآراء. وأما مواقفهم مع السياحة والسياح، فعجب العجاب! يُصرُّون على فرض التقاليد الإسلامية عليهم إذا جاءوا إلى ديار الإسلام، وأما إذا ذهبوا هم إلى الخارج، فهم يطالبون، أيضا ودون أن يروا أى تناقض، بأن تحترم الدول الأجنبية خصوصيتهم فى الملبس والزى! وإذا سمعوا حجة رفض النقاب هناك لدواع أمنية، قالوا إنها مؤامرة على الإسلام بقصد امتهان عِرض المرأة المسلمة وكرامة زوجها المسلم! وقد تصور بعض الشباب المتحمس من أجل إنفاذ الدستور وحماية للبلاد من هذه اللوثة أنه يمكن استنساخ تجربة «تمرد» بجمع توقيعات تحت عنوان «لا للأحزاب الدينية». وبقدر الإخلاص الدافع لهذه الحركة، إلا أنه يُخشى منها أن تبدد الإمكانية العملية فى استصدار حكم قضائى يحقق الغرض، خاصة أن الخطأ من الوضوح الذى لا يُحتَمَل فيه أكثرُ من وجهة نظر. أقصى ما يمكن أن تحققه توقيعات الرافضين وتظاهراتهم أثر دعائى إلى حين، أما حكم القضاء فمانع حاسم!