"في حميثرا سوف ترى" ربما كانت إجابة القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي على خادمه وهو يوصيه بأن يحمل فأسا ومقطفا وكفنا وحنوطا ضمن عتاد رحلته إلى مصر هي الجملة المفتاح للتواطؤ مع نص كتاب "في رحاب الصحراء.. مدد يا شاذلي" للكاتب أحمد أبو خنيجر فالكتاب ليس فقط منتجا للتعريف بالقطب الصوفي أو محاولة لإلقاء الضوء على طريق الحج القديم عبر الطريق البري وميناء عيذاب على البحر الأحمر، ثم العبور لجدة على الناحية الأخرى من البحر بل لأن " الطرق واسعة ومتشعبة لكنها جميعا تفضي إلى الصحراء الرحبة " كما جاء في توطئة الروائي "رؤوف مسعد" للكتاب. الصحراء وما تبثه في النفوس من رهبة وخوف٬ من صفاء وسكون٬ وبحر شاسع للأسرار المستغلقة والتي لا تفض مكنونها إلا لمن يجيد الإنصات إليها وإلي تفاصيلها الدقيقة٬ تلك التفاصيل التي أجاد أبو خنيجر التقاطها بحس الروائي والقاص المرهف فلا تملك مع حكاياته التي صادفها ومر بها في رحلته عن الأب المسيحي الذي حار بطفله المريض فلجأ للشاذلي:"وكان وهو يريح الطفل قد انكشف ذراعه من داخل كم الجلباب الصعيدي الواسع والعريض ٬ رأيت وشم الصليب على رسغه فبان الاستغراب في وجهي ٬ ابتسم الرجل وهو يحاول أن يداري دموعه قال: أولياء الله ٬ مشايخ قديسين رجال ربنا ٬ وربنا لا يفرق بين عبيده" ٬ هذه القناعة والإيمان بأن الله محبة وكل بني آدم عياله تجلت في حكاية شيخ المسجد حينما ولج مسيحيون المحراب فقال:" إحنا أهل الطريقة ٬ نعرف أن الطرق لله كثيرة " إلا وقد ضبطت نفسك متلبسا برغبة أن تخوض التجربة محاولا إعادة علاقتك بالخالق دون وسيط سوي المحبة والتي تبدو خلال طريق أبوخنيجر إلى "حميثرا" جوهر الصوفية ومسلكها بدءا من الإعدادات للرحلة الطويلة والشاقة، وحالة الأخوة والمودة التي تحل على جميع الذاهبين للمقام، تطوع المقتدرين بتحمل كلفة الإعاشة الكاملة لقاصدين الشاذلي فالطعام والشراب متوافر دائما وللجميع بلا مقابل. شهوة الحكي تغلب محاولة الرصد التوثيقي تغلبت شهوة الحكي والسرد لدى أبو خنيجر في الكتاب على الرصد التسجيلي للرحلة إلى " حميثرا" فقد جاء الكتاب أشبه بواقعية سحرية ٬ فيقول عن " سيدي سالم ":" سيدي سالم لم يكن من رجال الصحراء أو واحدا من المتصوفة الكبار أو حتى درويشا ٬ بل هو واحد من رجال الصحراء الأشداء يتمتع بعقل راجح وقلب ذكي طيب كان شيخا لواحدة من عشائر العبابدة المنتشرة في تلك المنطقة ٬ كان محبا للصالحين ٬ يستضيفهم لديه ويقدم ما يحتاجون إليه عن طيب خاطر ويكرمهم أي كرم ٬ كانت لديه هواية خاصة ٬ ربما هي التي جعلت رجال الطريق الشاذلي ينظرون إليه بعين التقدير باعتباره واحدا من الأولياء المتخفيين ٬ هوايته كانت البحث عن التائهين في مجاهل الصحراء التي يعرفها كما يعرف الخطوط التي بكفه ٬ يخرج من خيمته ولديه هذا الهاجس الغامض بأن تائها ينادي عليه كي ينقذه من الهلاك الموشك عليه ٬ يخرج ولا يعود إلا بواحد منهم أو أكثر " وأنت ترتحل عبر الصحراء والجبل" المظلوم "يتردد صدي هتافات:" شاذلي يا أبو الحسن.. مدد"حتى تصل ليوم وقفة عرفات وهي الليلة الكبيرة في مولد الشاذلي بعدما يكون المريدون خاصة من الفقراء قد فرغوا من ممارسة طقوس وشعائر تناظر تلك التي يقومون بها في الحج إلى عرفات ما بين صعود الجبل والوقوف على " حميثيرا" والطواف بمقام الشاذلي ورمي بعض الحصوات من فوق الجبل والسعي بينهما ( جبل المظلوم وجبل حميثيرا) ٬ بعدما تفرغ من رحلتك لن يبارحك الشوق أو الندم لكونك لن تتجاذب الحديث مع العجوز الذي يقدم لك قطعة من قلبه مع كوب الشاي وحينما تحاول دفع ثمنه يرد بنبرة زعل:" دا أحنا عبيد السيد.. وأنتم ضيوفه ".