يصل عدد ساعات الصيام في الدنمارك إلى 21 ساعة مما يعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب طوال اليوم تقريبًا، خاصة مع قدوم الشهر الفضيل في ذروة فصل الصيف بنصف الكرة الأرضية الشمالي. هذا الواقع يثير فضول الكثيرين لمعرفة كيف يصوم المسلمون في هذه المجتمع الغربي لساعات طويلة في هذا المجتمع الغربي، 24 سلط الضوء على جوانب من حياتهم في رمضان. تنقسم الجالية المسلمة في الدنمارك في رمضان بين متمسك بأداء جميع الطقوس الدينية المرتبطة بهذا الشهر، وبين من يحاول جاهدًا التقاط بعض من خيوطه الروحانية والاجتماعية، وبين من يرى رمضان شهر كباقي أشهر السنة في الدنمارك لغياب الأجواء المشجعة عليه أو لأسباب أخرى خاصة، بعضها قد يكون صحيًا. عدد ساعات الصيام الطويلة يرهق الموظف لؤي النجمي (28 عامًا) فما إن يأتي الافطار حتى يستعد للسحور، فينتهز هذه الساعات الثلاث ليلتهم كل ما كان محرومًا منه على مدى 21 ساعة. أما حرصه على الشعور بالأجواء الروحانية في رمضان فيجعله يزامن عطلته السنوية مع شهر رمضان، لاسيما وأن عمله يتطلب التنقل مسافات طويلة، ويشير إلى أنه يمضي ساعات صيامه بين النوم والعبادات واللعب مع أطفاله ومساعدة زوجته بتحضير الإفطار متحديًا الرائحة الزكية التي تفوح من المطبخ. شهر رمضان لا يختلف كثيرًا عن الأيام العادية في الدنمارك بحسب سهام عباس، إذ ترى أنه إمساك عن الطعام فقط دون الإحساس بالجو الروحاني لهذا الشهر، لذا تحرص على الذهاب برفقة أصدقائها إلى بعض المطاعم التي تحضر الإفطار الجماعي للجالية المسلمة للإحساس بالأجواء نفسها التي كانت تعيشها وسط عائلتها قبل 5 سنين مضت. وكي يتمكن أحمد على (50 عامًا) من صيام رمضان، يسافر مع عائلته إلى بلده بهدف الاستمتاع بالأجواء الرمضانية من جهة والاستفادة من ساعات الصيام القليلة مقارنة بالدنمارك من جهة أخرى. ويقول: "أجد الصيام في بلد المهجر صعبًا، فالناس يأكلون ويشربون في الشارع والأجواء الرمضانية منعدمة". وبخلاف المجتمعات الإسلامية التي تتوفر فيها الأجواء المناسبة للصيام فإن تواجد المسلمين في مجتمع غربي لا يختلف فيه شهر رمضان عن غيره من الشهور، إذ تضطر غادة قاسم إلى ترك الصيام بشكل كلي بسبب طول وقت الصيام وغياب الأجواء التشجيعية في محيطها العائلي. وتبرر بقولها: "أمر أمام المقاهي والمطاعم حيث تفوح رائحة الأكل الشهية مما يسبب لي في بعض الأحيان الشعور بالجوع والرغبة في الأكل". تعيش عزيمة مصطفى، بين المطرقة والسندان، فمن جهة لا يمكنها السفر إلى عائلتها في سوريا بسبب توتر الأوضاع الأمنية، ومن جهة أخرى لا يمكنها الصوم هذه الساعات الطويلة في الدنمارك لأن وضعها الصحي لا يتيح لها الصوم أكثر من 15 ساعة في اليوم. أما زوجها خالد فلا يستطيع الصيام 21 ساعة في الدنمارك لأنه يعمل 10 ساعات بالبناء تحت أشعة الشمس. ورغم أنه كان مواظبًا على الصوم في بلده غير أنه توقف عن ذلك منذ مدة طويلة ويقول: "أعمل في قطاع البناء، وهو عمل يتطلب مني مجهودًا بدنيًا كبيرا ويشعرني بالعطش". ويتابع: "فإذا كنت أريد أن أؤدي فريضة الصوم، يتوجب على أن أتوقف عن العمل خلال شهر رمضان وهو أمر ليس بالسهل بسبب عدم استعداد صاحب العمل لمنح عطلة لعماله في فصل الصيف بسبب الانشغال الكبير الذي تعرفه شركته في هذه الفترة بالتحديد". هذه السنة الأطول في ساعات الصيام لأسماء حيدر منذ 30 عامًا في الدنمارك معتبرة أن يومها الأول في رمضان كان أشبه بالكابوس لا سيما عند امتناعها عن قهوتها التي اعتادت أن تتناولها صباحًا قبل الذهاب إلى عملها التي تمضي فيه 10 ساعات يوميًا. وتستدرك بالقول: "رمضان الفرصة الأمثل للتأكيد على قوة الإرادة والقدرة على مواجهة مصاعب الحياة، فبينما أرى الدنماركيون حولي يأكلون ويشربون وأنا أشعر بجوع فإنني أتحكم بقدرتي على أن لا أضعف واختبر قوة إيماني". لكنها بالمقابل، لا تقوى على فرض الصيام على عائلتها، فابنها يستعد لتقديم امتحاناته الجامعية ويحتاج لتناول الطعام كي يمد جسمه بالطاقة أما الوالد فمصاب بمرض السكر ولا يقوى على الصوم هذه الساعات الطويلة.