مع قدوم شهر رمضان تسيطر حالة روحية على المصريين جميعاً، هدوء الصوم يجمع بين المسلمين والأقباط، وموائد الإفطار الوطنية قاسم مشترك خلال أيام الشهر الكريم. ثمة متشابهات بين طقوس المسلمين والمسيحيين فى رمضان ،باستثناء فترة الصوم التى تمتد من الفجر حتى المغرب، ومايتبعها من صلوات التراويح والعبادات التى يقيمها المسلمون ،ويأتى التشابه الذى يصبغ رمضان بالصبغة المصرية فى شراء الياميش، وزيارة الحسين ،ثم موائد السحور والإفطار التى يتبادلها أبناء الوطن. ذكريات رمضان القرية «مصرى الطابع» يرويها القس د.أندريا زكى، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية قائلا: استمتع بطقوس وتقاليد هذا الشهر المبارك، وأحرص دائماً على دعوات الإفطار والسحور التى أشارك فيها اخوانى المسلمين، معربا عن ارتياحه لزوال الفوارق الدينية إبان شهر رمضان والتوحد فى طقوس اجتماعية تتجلى فى مظاهر احتفالية ذات خصوصية للشهر الكريم. ويضيف زكى: «مثل ملايين المصريين أتابع الدراما التليفزيونية عقب الإفطار، لافتاً إلى أن المسلسلات الرمضانية صارت جزءاً من الوجبة الحاضرة فى البيوت المصرية». نائب رئيس الطائفة الإنجيلية الذى أكد تلبية جميع دعوات الإفطار والسحور فى رمضان قال: «خلال الشهر الكريم ينصب اهتمام الكنائس على إعداد موائد الوحدة الوطنية لتعزيز أواصر المحبة بين أبناء الشعب الواحد». واستطرد قائلاً: «تعودت على تبادل التهنئة دائما مع جيرانى المسلمين، تأكيدا لمعانى المودة فى رمضان». العمل اليومى حسبما أفاد القس أندريا زكى لايتأثر سلباً جراء الصوم ،وإنما تتبدل مواعيد اللقاءات لتصبح بعد الإفطار، لافتا إلى أنه أسلوب حياة تعودنا عليه خلال هذا الشهر الذى أصبح ثقافة تجمع بين المسلم والقبطى فى روحانيته ومواعيده. أما كمال زاخر، المفكر القبطى المعروف، فيقول: الياميش والحلويات ورحاب الحسين صارت عادات سنوية لدى الأقباط تتجدد خلال رمضان، لافتا إلى أنه يعتبر شهر رمضان «مصرى» من ناحية البعد الاجتماعى الى جانب طبيعته الخاصة فى مشاركة الاقباط للمسلمين اوقات الطعام تحديدا وجبة الافطار حفاظا على مشاعر الصائمين. وعن مسار يومه فى شهر الصوم يضيف «زاخر» أمارس طقساً طبيعياً خلال هذا الشهر الكريم يأتى فى الذهاب إلى رحاب الحسين مع أسرتى وأحرص على ذلك منذ سنوات. ويستطرد قائلا: «مصر كدولة ذات حضارة، تنجح دائماً فى تمصير كل شىء، وتوزع الطقوس والفرحة على الجميع بالتساوى، لافتا إلى أن هذا الشعب يمتلك قدرة خاصة على تمصير الاحتفالات الدينية والرسمية، مقللا من إمكانية التفرقة بين المسلمين والأقباط فى شوارع مصر طوال أيام شهر الصوم». زاخر الذى يصف شهر رمضان بأنه «شهر المصريين» يقول: أدعو دائما أصدقائى المسلمين لمأدبة إفطار أحرص عليها سنويا ،كما أشارك فى دعوات الإفطار والسحور التى يقيمها الأصدقاء والجيران. وهناك أقباط مصريون كثيرون يصومون كل أو بعض أيام رمضان، بل وهناك أيضاً مسيحيون غربيون يصومون فى رمضان.. فهذا جيوم مايى، وجون بول وميجال، وهم مسيحيون كاثوليكيون فرنسيون يصومون رمضان، ومثلهم كثيرون فى فرنسا، يقتسمون مع الملايين من المسلمين شهر الصيام بعاداته وأحكامه. واستطلعت قناة فرانس 24 شهادات فرنسيين كاثوليكيين يصومون بعض أيام شهر رمضان أو كاملها. وطرحت عليهم الأسئلة التالية: ما رأيكم فى الصيام؟ هل أنتم مستعدون للصيام لدوافع عاطفية؟ هل يسمح التمازج الاجتماعى بتسهيل اندماج الإسلام فى الحياة اليومية للمسيحيين الكاثوليكيين؟ وهل تعتقدون أن للإسلام أثرا على حياتكم اليومية؟ وبالرغم من نشأتهم وترعرعهم فى أجواء مسيحية، يصر بعض الفرنسيين على صيام بضعة أيام من شهر رمضان، بعضهم لأسباب تضامنية أو تجريبية، والبعض الآخر لأسباب غرامية. جيوم مايى شاب فرنسى فى ال34 من عمره وهو من الذين يصومون رمضان لإثبات حبهم لزوجاتهم. وكشف غيوم فى مقابلة هاتفية أنه بدأ «الصيام منذ سنتين وسأستمر فى ذلك مستقبلاً»، وأضاف «جسدياً أستطيع تحمل الجوع، أما عاطفياً فأرى فى الصيام هدية أقدمها لقرينتى». اختار جيوم الصيام فى يوم عطلة لكى يمكث مع صديقته فى المنزل وأن يعايش الأجواء الرمضانية خاصة تلك التى تعم قبيل وقت الإفطار. «الأحب إلى هو تقاسم الإفطار مع صديقتى لأننى أشعر بنوع من المكافأة بعد يوم كامل من الصيام». الإعلامى جون بيار مالفيس، يعترف بأنه يواجه أصلاً صعوبات كبرى للالتزام بمبادئ المسيحية. وقد صام يوماً أو يومين فقط وذلك احتراما للمسلمين.. ويقول: «غالباً ما أفعل مثلهم، فلا آكل ولا أدخن ولا أشرب ولو خفية». الأمر مختلف بالنسبة لميجال، الذى يقطن إحدى ضواحى باريس والذى اعتنق الديانة الإسلامية بعد زواجه من شابة تونسية وتعرف بالإسلام وبقيمه الروحية، ثم حرص على صيام الشهر بأكمله وأداء واجباته الدينية كاملة. صام فى البداية 4 أيام، لكن منذ 4 سنوات فهو يصوم الشهر بأكمله. يؤكد «ميجال» بقدر وافر من الإيمان وبعزيمة كبيرة أنه يصوم رمضان إيماناً بالله. فى البداية صام من أجل نيل رضا زوجته ونيل إعجاب عائلتها. لكنه اليوم لا يحصى مزايا شهر رمضان، فهو يقول «رمضان يطهر جسدى ويمحو ذنوبى ويقربنى من خالق الكون، حتى لو فارقت زوجتى يوماً سأظل على نفس الطريق». وفى بريطانيا وأمريكا، هناك مسيحيون كثيرون يصومون رمضان تضامناً مع المسلمين فى هذه الدول. شارك قس الكنيسة الميثودية فى مدينة دالاس الأمريكية صديقه وجاره الإمام الشيخ ياسين، إمام الجمعية الإسلامية فى مقاطعة كولين، صيام شهر رمضان كاملاً. فهذا القس فيس ماجرودر قد أصر على صيام الشهر مع صديقه الشيخ لمدة ثلاثين يوماً و لمدة 15 ساعة فى اليوم و نشر تجربته الفريدة على موقعه الخاص على شبكة الإنترنت والتى اجتذبت آلاف القراء لتبادل الخبرات بين الأديان. وذكر القس أن إصراره على الصيام هو تضامن مع المجتمع المسلم وتعميق الجانب الروحانى فى شخصيته بعد أن لاحظ أثر الصيام الكبير على شخصية المسلمين، ولتعزيز هذا الجانب حرص القس على الصلاة جماعة مع المسلمين وقراءة القرآن معهم وحضور وجبات الإفطار مع المسلمين. وقال القس: «الجميع يعاملوننى كما لو كنت فرداً من المجتمع المسلم ولقد دعونى لعدة موائد إفطار فى تجمعات إسلامية مختلفة».