النائب مجدي البري: روح العبور تقود مصر إلى المستقبل بقيادة السيسي    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير ورفع كفاءة نفق "كوبري السمك" بحي غرب شبين الكوم    مجلس "الصحفيين" يهنئ الشعب المصري بذكرى انتصارات أكتوبر ويكرم أبطال الحرب    ارتفاع عالمي بنحو 1.4%.. سعر الذهب اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025 وعيار 21 الآن للبيع    وزير الإنتاج الحربي: أبو زعبل للصناعات المتخصصة من أكبر القلاع الصناعية العسكرية في الشرق الأوسط    بعد اعتقال إسرائيل للنشطاء.. إسبانيا تعتزم تقديم شكوى للجنائية الدولية في أحداث «أسطول الصمود»    أوكرانيا تعلن إسقاط 83 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    أبو الغيط يشارك في احتفالية توديع سفير قطر بالقاهرة ومندوبها لدى الجامعة العربية    عضو القومي لحقوق الإنسان: من المهم الربط بين حقوق الإنسان وملف اللاجئين    رقم تاريخي لهالاند فى التسجيل بالملاعب الإنجليزية باستثناء آنفيلد    الاتحاد الجيبوتي: منتخب مصر يمتع مع حسام حسن.. وصلاح ومرموش الأفضل    اجتماع حاسم في الزمالك لمناقشة مستحقات اللاعبين ومصير فيريرا    الأهلي يبدأ إجراءات توفير تطعيم الملاريا قبل السفر إلى بوروندي    ضبط صانعة محتوى لنشرها فيديو أثناء رقصها بملابس خادشة للحياء (تفاصيل)    أمطار ورياح على هذه الأماكن.. بيان هام من الأرصاد يكشف حالة الطقس غدًا    إصابة 8 مواطنين إثر تصادم ميكروباص بسور كورنيش الإسكندرية    وزير الخارجية يشيد بمساندة البرازيل للدكتور خالد عنانى في انتخابات اليونسكو    15 عامًا بين زهرة الخشخاش ولوحة سقارة.. و البحث عن «السارق والمسروقات» مازال مستمراً    على الدين هلال: شخصية السادات ثرية ومعقدة صنعتها خبرات وأحداث طويلة    السينما وحرب أكتوبر: كيف تُشكل الأفلام وعي المصريين بالتاريخ؟    هل تنسى بسرعة؟.. 7 نصائح فعالة لتنشيط ذاكرتك وزيادة التركيز    35 مليون جنيه سنويًا وحملة إعلانية.. شرط حسين الشحات للتجديد للأهلي    في الثانية وخمس دقائق.. كنائس الشرقية تدق أجراسها احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر    «طقوس السطوح» عرض مسرحي يعلو القاهرة ضمن مهرجان «دي-كاف»    أسعار مواد البناء اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    «الصحة»: عبدالغفار يشارك في ختام «مهرجان 100 مليون صحة الرياضي»    متخصصون من معرض دمنهور للكتاب: البحيرة تمتلك مستقبلًا واعدًا في الصناعة    مجلس الوزراء: سيناء.. الإنسان محور التنمية ونهضة عمرانية شاملة تحقق حياة كريمة لأبناء المنطقة    القبض على المتهم بالنصب على المواطنين ب «السحر والشعوذة»    المديريات توجه المدارس بمتابعة تسجيل الطلاب على منصة تدريس البرمجة    ممثلو «خور قندي الزراعية» يشكرون الرئيس لاستكمال صرف مستحقات أبناء النوبة    التوعية والتمكين وتحسين البيئة للعاملين ..أبرز حصاد العمل بالمحافظات    خبير بالشأن الأفريقي: حكومة آبي أحمد توظف سد النهضة دعائيًا وتتجاهل القانون الدولي    نجم الزمالك السابق يعتذر لمحمد مجدي أفشة    فالفيردي يغيب عن معسكر منتخب الأوروجواي    3 علماء يفوزون بجائزة نوبل في الطب لعام 2025 (تفاصيل)    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025 في المنيا    رئيس الاتحاد السكندري: نستعد لضم صفقات قوية في الميركاتو الشتوي.. والجمهور درع وسيف للنادى    الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة: شركات التجارة الإلكترونية ساهمت في تطوير التجارة وأثرت إيجابيًا علي الاقتصاد المصري    نائبا رئيس الوزراء يشهدان اجتماع مجلس إدارة هيئة الدواء المصرية.. تفاصيل    بسبب التقصير في العمل.. إحالة الطاقم الإداري لمستشفى كفر الشيخ العام للتحقيق (تفاصيل)    «عبد الغفار» يشارك في ختام «مهرجان 100 مليون صحة الرياضي»    ضبط المتهمين بالتعدي على مواطن بسبب الخلاف على أولوية المرور بدمياط    كجوك والخطيب: القطاع الخاص المصرى مرن وإيجابي وقادر على التطور والنمو والمنافسة محليًا ودوليًا    محافظ البحيرة تضع إكليلًا من الزهور على النصب التذكاري للجندي المجهول بمناسبة انتصارات أكتوبر    رئيس الوزراء الفرنسي بعد استقالته: لا يمكن أن أكون رئيسًا للوزراء عندما لا تستوفي الشروط    عالم بالأزهر: سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأهل مصر خيرا    ما حكم وضع المال فى البريد؟.. دار الإفتاء تجيب    دار الإفتاء: الاحتفال بنصر أكتوبر وفاء وعرفان لمن بذلوا أرواحهم فداء الوطن    السعودية تتيح أداء العمرة لجميع حاملى التأشيرات.. انفوجراف    ناشط إيطالى ضمن أسطول الصمود يعلن اعتناقه الإسلام داخل سجون إسرائيل    جمهور آمال ماهر يتفاعل مع سكة السلامة واتقى ربنا فيا بقصر عابدين    أسعار الخضراوات والفاكهة بكفر الشيخ الإثنين 6 أكتوبر 2025    ضبط ورشة لتصنيع الأسلحة البيضاء فى إمبابة والتحفظ على أكثر من ألف قطعة    «العناني» يقترب من منصب المدير العام الجديد لليونسكو    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ينجح عصفور في إصلاح المنظومة الثقافية المصرية؟
نشر في البوابة يوم 21 - 06 - 2014

مع تولي الدكتور جابر عصفور منصب وزير الثقافة يتردد السؤال بقوة بين الجماعة الثقافية في مصر :"هل ينجح عصفور في اصلاح المنظومة الثقافية"؟!.
ولهذا السؤال مايبرره لأن الدكتور جابر عصفور كمثقف كبير تحدث مرارا قبل توليه منصبه الوزاري عن ضرورة اصلاح وتطوير المنظومة الثقافية المصرية بل اعتبر ان "هناك ضرورة حتمية" لتطوير هذه المنظومة او تثويرها .
وفيما تهب من حين لآخر رياح الجدل والاحتقانات الظاهرة حول اداء وزارة الثقافة واجهزتها حاملة في ثناياها اسئلة هامة حول دور هذه الوزارة وسياساتها ويتردد من جديد السؤال الكبير حول حقيقة التغير الذي طرأ على المشهد الثقافي ومجمل السياسات الثقافية الرسمية بعد الثورة الشعبية المصرية بموجتيها 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 فان الدكتور جابر عصفور يرى ان المسؤولية لتطوير او تثوير المنظومة الثقافية تقع على عاتق الدولة والمجتمع المدني معا.
فقبيل شغله منصبه كوزير للثقافة في الحكومة الجديدة برئاسة المهندس ابراهيم محلب اكد الدكتور جابر عصفور على اهمية "المنظومة الثقافية للدولة في هذه المرحلة الحاسمة من مراحل تحولاتنا الوطنية ودخولنا زمنا جديدا يحمل لنا الكثير من الوعود البهيجة والتحديات الخطرة".
وفي المقابل تنتشر دعوات لمجموعات من المهتمين بالثقافة واغلبهم من الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت من اجل ماوصفوه "بالشفافية والموضوعية والعدل والمساءلة" في المؤسسات الثقافية الرسمية.
وذهب اصحاب هذه الدعوات الى ان احوال المبدع المصري تردت الى درجة غير مسبوقة من البؤس والفاقة "فضلا عن تفاقم معاناته تحت وطأة محاولات الهيمنة والاقصاء وانعدام الرعاية على المستويات كلها طوال اربعين عاما ماضية".
وبدوره كان الدكتور جابر عصفور قد سلم قبل توليه منصبه الوزاري بأن "مؤسسات وزارة الثقافة تعاني من الترهل وفي امس الحاجة لقيادات وطنية شابة تتسم بالنزاهة والقدرة على الحلم بمستقبل واعد وكذلك حلول عاجلة لقصور الثقافة المعطلة او المغلقة".
ويدعو وزير الثقافة الجديد "لسياسات ثقافية جديدة تفيد من تجارب العالم المتقدم" فيما كان قد اعتبر قبيل توليه منصبه الوزاري ان "فصل الآثار عن وزارة الثقافة جريمة " وقال :"لايمكن لعاقل يفكر في اي استراتيجية ثقافية للمستقبل ان يفصل وزارة الثقافة عن الآثار , فمن اهم مهام وزارة الثقافة حماية التراث المادي والمعنوي للأمة".
وفي لفتة تعبر عن اصالة المثقف المصري وجه الدكتور جابر عصفور الشكر لسلفه الدكتور محمد صابر عرب على مابذله من جهد في وزارة الثقافة فيما اكد على اهمية تقديم الدعم المالي للوزارة فيما وصف الثقافة الجماهيرية بأنها "خط الدفاع الأول بالنسبة للثقافة في مصر".
وعرف الدكتور جابر عصفور الذي ولد في الخامس والعشرين من مارس 1944 بالمحلة الكبرى بتبنيه لقيم الاستنارة وحرية الفكر والابداع واهتمامه بقضايا الترجمة وحقق انجازات لافتة اثناء شغله لمنصب رئيس المركز القومي للترجمة.
و اشاد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور اسامة الغزالي حرب باختيار الدكتور جابر عصفور وزيرا للثقافة وقال "اعتقد انه نموذج لاختيار الرجل المناسب في المكان المناسب" معيدا للأذهان ان الدكتور عصفور "مثقف حقيقي مهموم بقضايا وطنه ومستقبله" ويدرك ويستوعب القيم الاساسية التي ارستها ثورتا 25 يناير و30 يونيو التي يفترض انها تشكل اساسا للتغيير الثقافي المأمول في مصر.
والدكتور جابر عصفور الأستاذ الجامعي المرموق وصاحب المؤلفات والأعمال الفكرية الرصينة والخبرات الدولية الواسعة والمتعددة "لابد وانه يدرك نواحي القصور الكبيرة في مجال الثقافة" كما يقول اسامة الغزالي حرب معيدا للأذهان انه ايضا "ابن لوزارة الثقافة واحد ابرز واقدم كوادرها وتولى امانة المجلس الأعلى للثقافة لمدة طويلة امتدت من 1993 الى 2003 .
وتولى الدكتور جابر عصفور من قبل منصب وزير الثقافة لفترة قصيرة للغاية في خضم ثورة يناير 2011 غير انه اختار الاستقالة من تلك الحكومة حينئذ مسجلا تحفظاته عليها فيما يلفت الكاتب احمد الجمال الى ان جماعة الاخوان التي قفزت على حكم مصر بليل بدت مخاصمة للثقافة "اللهم الا ثقافة الاقصاء والتسلط وتوظيف الدين وقيمه في غير موضعها".
وفيما يرى مثقف مصري كبير مثل الشاعر والكاتب فاروق جويدة ان معركة المصريين ضد الارهاب في الأشهر الماضية هي واحدة من اخطر الحروب التي خاضها الجيش المصري والشرطة لحماية هذا الوطن فانه يلفت الى خطأ النظرة للارهاب كقضية امنية دون التطرق لجوانبها الفكرية والثقافية.
وفي سياق ماوصفه "بفساد ثلاثية التعليم والاعلام والثقافة" بما ترك آثارا سلبية على الشباب الذي يقع فريسة للارهاب انتقد جويدة غرق مؤسسات الدولة الثقافية في "ثقافة الاحتفالات والمناسبات السعيدة وثقافة الانس والفرفشة تحت اضواء القاهرة الساحرة ومهرجانات العبث والثقافة السياحية بينما كان الشباب غارقا في الخزعبلات والشطط الفكري".
ومعتبرا ان "المطلوب معالجات فكرية لواقع ثقافي يعاني تشوهات كثيرة" يؤكد فاروق جويدة على ان الثقافة هي ثروة مصر الحقيقية وفي حاجة "لعملية انقاذ سريعة" فيما قال وزير الثقافة الجديد الدكتور جابر عصفور "اننا في معركة مع الارهاب ولابد من خوضها ثقافيا ".
وشدد عصفور في هذا السياق على اهمية التعاون والتفاعل المتبادل بين وزارات الثقافة والتربية والتعليم والشباب واجهزة الاعلام لافتا الى ان بعض البرامج الدراسية تتناقض مع العقل النقدي او الوعي المفتوح على قبول الآخر.
وواقع الحال ان بعض الصحف ووسائل الاعلام المصرية تحدثت في الآونة الأخيرة عما وصف بعدم فعالية وزارة الثقافة والعجز عن التواصل مع الجماهير العريضة او طرح برامج ثقافية تحظى باهتمام شعبي حقيقي فضلا عن الاستمرار في ظاهرة تمركز اغلب الأنشطة الثقافية بالعاصمة واهمال الريف.
ومع انه وصف مطالب بعض الشباب من المثقفين بأنها "عادلة" على وجه العموم فقد رأى الشاعر والناقد الدكتور علاء عبد الهادي ان هذه المطالب "لن تتحقق باقالة وزير او استقالته" معتبرا ان "المشكلة تكمن في النظام الثقافي القائم برمته وثقافة جهازه البيروقراطي وليس في قياداته فحسب".
وبدوره انتقد الروائي والباحث الدكتور عمار علي حسن بشدة الأوضاع الراهنة في المؤسسات الثقافية الرسمية في وقت "يعلم فيه القاصي والداني اننا يجب ان نخوض معركة فكرية وثقافية هائلة ضد التطرف وانهيار القيم وتردي الأخلاق والأذواق".
وفيما اقر "بحاجة مصر الماسة الى مشروع قومي ثقافي جديد يوضع بعناية قبل البدء في تنفيذ اية رؤية اقتصادية فاعلة وجادة" دعا الدكتور علاء عبد الهادي في طرح نشر بجريدة الأهرام الى "البدء اولا بعملية اعادة هيكلة شاملة للمؤسسات الثقافية القائمة وفق اهداف جديدة".
وبرر دعوته بأن طرائق عمل هذه المؤسسات الثقافية صممت سلفا " لاستيعاب المثقفين وليس لافادة المحتاجين الحقيقيين الى المعرفة وهذا مايفسر سبب غياب اي اثر اجتماعي لنشاطاتها في الواقع المعيش".
وقال عبد الهادي "في ظل وقوع المثقف المصري بين تصلب شرايين الادارة الثقافية وفسادها من جهة ونقص كفاءة عدد كبير من القائمين على مؤسساتنا الثقافية ولجانها وهيئاتها من جهة اخرى سنظل شهودا على ردات فعل قوية ومطردة".
واضاف ان ردود الفعل "لن تتوقف عن اعلان معارضتها للسياسات الثقافية القائمة سواء عبر اصدار البيانات او تشكيل الجماعات الثقافية المعارضة او تكوين الجبهات المستقلة" معتبرا ان المحيط الثقافي المصري قد جاوز الأزمة الثقافية الى ثقافة الأزمة.
وفي المقابل تطالب قيادات وزارة الثقافة بتوفير الدعم الكافى للوزارة بما يسمح بانجاز خطط ومشروعات التطوير وتحقيق رسالتها فى خدمة الثقافة والمواطنين فى ربوع مصر ونفي سعد عبد الرحمن اخر رئيس لهيئة قصور الثقافة ان تكون هيئته "منعزلة عن الناس وتعمل لنفسها فقط".
وفي سياق اسئلة مثل :"هل تنجح قيادات ثقافية قديمة ومستهلكة في تنفيذ اهداف ثقافية ثورية ومدى قدرتها على الاسهام الثقافي الفاعل في تجسيد الرؤية الجديدة لمصر بعد ثورتها الشعبية تتصاعد من جديددعوات مثقفين مصريين لاعادة هيكلة وزارة الثقافة بما يخدم طرح مشروع ثقافى نهضوى يتفاعل مع ضرورات الحداثة دون تفريط فى الأصالة .
وفي تصريحات صحفية كان الفنان عز الدين نجيب قد وصف الواقع الثقافي بأنه "لايسر" مؤكدا على ماوصفه " بتفشي الأمية الثقافية" ودعا لاستحداث آليات للقياس تكشف مدى تأثير الأنشطة والفعاليات وتنفيذ الأهداف كما انتقد ماوصفه بغياب التنسيق بين قطاعات وهيئات وزارة الثقافة الأمر الذي يؤدي لتكرار الأنشطة بلا طائل.
واكد سعد عبد الرحمن على وجود ادارة متخصصة في قياس الرأي الثقافي هي "الادارة المركزية للدراسات والبحوث" بهيئة قصور الثقافة غير انه اقر بأن عددا كبيرا من العاملين في هذه الهيئة "ليسوا في مكان العمل المناسب لهم".
وبينما اكد عز الدين نجيب على ضرورة الاستعانة "بدم جديد من الأدباء والمثقفين بأفكار جديدة لتولي الادارات المركزية" لهيئة قصور الثقافة يقول عمار علي حسن في جريدة الوطن "لقد آن الآوان لثورة ثقافية منتظرة في معركة مفروضة حتما ضد التخلف والتطرف".
وبعيدا عن اى نزعة بلاغية او انشائية فوزارة الثقافة وهيئاتها من المفترض انها تتحمل المسؤولية الكبرى فى ترسيخ ثقافة ثورة يناير-يونيو فى كل اوجه ومجالات الحياة المصرية ومواجهة التناقضات فى العملية الثورية وصراع الضرورات وتوجيهها لصالح الشعب الأمر الذى يتطلب سياسات تنطلق من قيم هذه الثورة وكوادر قادرة على تنفيذ هذه السياسات الثورية الثقافية.
وكان الكاتب الراحل قاسم مسعد عليوة يؤكد دوما على اهمية "فلسفة العمل بوزارة الثقافة وان تكون موجهة للشعب فى عمومه" وان كان يحبذ الغاء هذه الوزارة وتوزيع اختصاصاتها على الهيئات الثقافية على ان تكون تبعية هذه الهيئات للمجلس الأعلى للثقافة على سبيل المثال كما قال.
وفيما تشكل قضية الموارد البشرية داخل وزارة الثقافة بهيئاتها اشكالية كبيرة فيما يتعلق بمدى ملائمة هذه الموارد للعمل الثقافى قال سعد عبد الرحمن ان بند الأجور وحده يلتهم نسبة تصل الى 80 بالمائة من ميزانية هيئة قصور الثقافة معتبرا ان الحل يكمن في زيادة ميزانية الهيئة ككل لأنها "ضعيفة اصلا" على حد وصفه.
وكان الناقد والفنان التشكيلى عز الدين نجيب قد دعا "لاعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة بقانون جديد يناسب العمل فى مرحلة مابعد الثورة ويمنحه استقلالية اكبر والاهتمام بالمؤسسات الثقافية التى تتفاعل مع الجماهير مثل قصور الثقافة لتتخلى عن بعدها عن المجتمع وتقوم بدورها الحقيقى التفاعلى مع الجمهور".
وتضمنت مبادرات بعض المجموعات فى الحياة الثقافية المصرية بعد الثورة الشعبية مطلب تحويل المجلس الأعلى للثقافة الى كيان مستقل بعيدا عن وزارة الثقافة فيما اعد الفنان التشكيلى عادل السيوى اقتراحا يتمثل فى اشراف المثقفين على هذا المجلس عبر انتخابات حرة وبحيث يتحول الى "كيان حيوى يمكنه وضع الخطوط الرئيسية للعمل الثقافى فى مصر".
على ان الأمر فى جوهره يتجاوز بكثير مجرد تغيير فى الأسماء والمسميات او وضع لافتة محل اخرى بقدر مايتطلب ارادة سياسية واعية بأهمية دور وزارة الثقافة فى المرحلة الراهنة على وجه الخصوص حيث تفرض اسئلة عديدة ذاتها مثل السؤال عن دور هذه الوزارة فى صياغة المضمون الثقافى الثورى الواجب لصنع التغيير الثورى الذى يلبى مطالب الشعب المصرى فى ثورته المجيدة.
ومنذ ثورة الخامس والعشرين من يناير-تعاقب على وزارة الثقافة المصرية ستة وزراء هم :الدكتور جابر عصفور ومحمد عبد المنعم الصاوى والدكتور عماد ابو غازى والدكتور شاكر عبد الحميد وعلاء عبد العزيز والدكتور محمد صابر عرب فيما عاد عصفور للمنصب الوزاري في الحكومة الجديدة .
وانتقد الدكتور جابر عصفور ظاهرة تهميش الاهتمام بالثقافة في مخططات التنمية "التي فشلت كلها لأسباب متعددة اهمها هذا الجهل الراسخ بدور الثقافة بمعناها العام في تنشيط وتسريع خطى التنمية" فيما اوضح ان "الثقافة هي المرادف للوعي المجتمعي بأكثر من معنى".
واضاف عصفور : واذا تركنا هذا الوعي اسيرا لأفكار متخلفة او تصورات دينية متعصبة او قيم اجتماعية قمعية فالنتيجة الحتمية هي عجز هذا الوعي عن الاستجابة لأي مشروع للتنمية البشرية وتقاعسه عن الاسهام في اي انجاز يؤدي الى تقدم حقيقي" .
وتكشف النظرة المقارنة عن ان منصب وزير الثقافة يحظى بأهمية غير عادية فى مراحل التحولات الحرجة والحاسمة لبعض الدول حيث الضرورة تدعو لمثقف كبير ومناضل ثورى ومدافع عن كرامة الانسان وحقوقه كما حدث فى خضم الآزمة السياسية الفرنسية عام 1958 عندما استدعى الجنرال شارل ديجول الكاتب والمبدع الثورى اندريه مالرو لشغل منصب وزير الثقافة ليستمر صاحب "قدر الانسان" فى هذا المنصب على مدى عقد كامل.
ولم يأت اختيار اندريه مالرو لشغل منصب وزير الثقافة لمجرد انه مبدع كبير من مبدعى القرن العشرين اثرى مكتبة الفكر الانسانى بأعمال باقية فى الرواية وفلسفة الفن والتاريخ وانما ايضا لأنه تألق فى مجال الفعل السياسى الثورى داخل بلاده وخارجها وبالقدر ذاته فهو قريب للغاية من شارل ديجول وافكاره وكان هذا المثقف الفرنسى الكبير الذى قضى عام 1976 شاهدا بحق على عصر شارك فى صنعه.
وفى دولة كفرنسا بكل اجواءها الثقافية الحرة لايثير وجود وزارة للثقافة جدلا تماما كما ان عدم وجود مثل هذه الوزارة فى بريطانيا لايمثل اشكالية فالمهم وجود من يقوم بالدور بصرف النظر عن المسميات واللافتات.
ويبدو ان هذه الفكرة على بساطتها غير واضحة بما يكفى فى مصر حيث يتبارى البعض فى اطلاق تصريحات داعية لالغاء وزارة الثقافة وكأن وجودها هو المشكلة الكبرى فيما يذهب بعض اصحاب هذه الدعوات الى انها تعبر عن وصاية حكومية على الثقافة .
ويتناسى من يطلق مثل تلك الدعوات حالات الغيت فيها وزارة الثقافة بالفعل فى بعض الحكومات بمصر لكنها كانت تعود فى حكومات جديدة او تعديلات وزارية بما قد يشير ضمنا الى انها تمثل حاجة ضرورية رغم اى ملاحظات او انتقادات والأكثر اهمية ان القضية تتعلق بالجوهر والسياسات بعيدا عن الأسماء والمسميات .
وكانت وزارة الثقافة قد ظهرت لأول مرة فى مصر فى التاسع من سبتمبر عام 1952 واسندت حقيبتها لفتحى رضوان الذى شغل منصب وزير الثقافة والارشاد القومى فيما كان الدكتور حسين فوزى وكيلا له.
ونهضت اول وزارة للثقافة بمهام متعددة وحققت انجازات مثل تأسيس نادى القصة عام 1953 ومصلحة الفنون عام 1955 التى تولى رئاستها الأديب الكبير يحيى حقى وتولت رعاية المسرح والسينما والفنون التشكيلية كما صدر قانون فى عام 1956 بانشاء المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
وهناك نوع من الاتفاق العام على ان الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة الأشهر فى ستينيات القرن العشرين حقق نهضة ثقافية وكان صاحب الانجازات المقدرة فى البنية الأساسية للثقافة المصرية او مايوصف "بالصناعات الثقافية الثقيلة" من قصور للثقافة ومسارح ومتاحف وسلاسل دورية للكتب الهامة والمعاجم ودوائر المعارف فضلا عن اقامة السيرك القومى وعروض الصوت والضوء ناهيك عن انقاذ آثار النوبة عند بناء السد العالى واقامة العديد من فرق الفنون الشعبية .
وفى سياق تأكيده على ضرورة زيادة تمويل الأنشطة الثقافية-نوه محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب المصريين بأن الميزانية المخصصة للثقافة تضاءلت كثيرا قياسا عما كانت عليه فى فترة الستينيات من القرن الماضى والتى شهدت المرحلة التأسيسية للبنية التحتية الثقافية فى مصر.
وتبدو الحاجة واضحة لزيادة ميزانيات النشر للكتب والأعمال الثقافية الجادة والهامة جنبا الى جنب مع تحرير الابداع الثقافى من اى وصاية بيروقراطية والاحتكام لمعايير الثقافة وجماليات الفن دون اسفاف او ترهيب مع دعم التعدد والتنوع والحق فى الاختلاف وصولا لاستعادة الدور الثقافى المصرى كأحد اهم عوامل القوة الناعمة فى المنطقة والعالم.
وبصرف النظر عن الأسماء والمسميات فان الأجهزة الرسمية للثقافة المصرية لابد وان تعبر عن النظرة المصرية الجديدة للحياة بعد ثورة يناير-يونيو وهذه النظرة الجديدة لايمكن ان تكون بلا جذور او منفصلة عن قيم الجماعة الوطنية وانما هى جديدة بمعنى التطور الايجابى بعد ثورة شعب وجديدة بمعنى انها "ثورية بالضرورة والواقع"".
وثمة حاجة بالفعل لتحديد اهداف مصر الثقافية حسب "توصيف استراتيجي كلي" على حد قول الدكتور علاء عبد الهادي الذي يدعو "لاعادة هيكلة شاملة لجماع المؤسسات الثقافية" بناء على هذه الأهداف ومن اجل تحقيق الأثر الاجتماعي المأمول للثقافة.
فالقضية هي تحويل او ترجمة البنية المادية لوزارة الثقافة بهيئاتها وكل مايتبعها من كيانات بكل نفقاتها الى رصيد فاعل في الوعي المعرفي والثقافي والتنموي بحيث يصل العائد الثقافي الى مستحقيه وحتى تتبوأ مصر مكانتها الثقافية المستحقة على مستوى المنطقة والعالم.
واذا كانت القضية بالفعل ليست استبدال وزراء بآخرين بقدر ماهي استبدال سياسات بسياسات اخرى وتهيئة المجال العام لرؤى جديدة وافكار مغايرة لمواجهة الحقائق الصعبة والتحديات الجسام فان الدكتور جابر عصفور يقول :"علينا ان نأخذ من تخلفنا الذي تطاولت عقوده حافزا خلاقا على انطلاق غير مسبوق نحو آفاق واعدة".
والبداية كما يراها عصفور هي "الاهتمام بالوعي المجتمعي الذي يرادف الثقافة بمعناها الواسع الذي يتغلغل ويؤثر في كل جانب من جوانب المجتمع ابتداء من كيفية احترام وسائل النفع العام وانتهاء بكيفية ادراك الجمال وتذوق الفن الرفيع وليس الفن الهابط الذي اشاعه الجهل والفساد والانحدار الفاجع في مختلف انواع القيم التي غادرتها معاني الحق والخير والجمال".
ان الاشارات تتوالى مع اشراقة شمس الجمهورية الجديدة في مصر ومطلع دولة القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية على قاعدة مباديء ثورتي 25 يناير-30 يونيو مؤكدة على ان التنمية الاقتصادية لايمكن ان تتحقق بالصورة المرجوة وعلى النحو المنشود دون تنمية اجتماعية وهو امر يتطلب بالضرورة صياغة وتنفيذ مشروع ثقافي مصري شامل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.