"من بعد السياحة.. الظروف مش مرتاحة".. لافتة معلقة على واجهات البازارات السياحية في شارع السوق السياحية بالأقصر أو "سوق سافوي" -كما يطلق عليها– عبر بها أصحاب المحال والبازارات عن حالتهم التي يعيشونها منذ 3 سنوات بعد غياب السياحة عن الأقصر، ما يعكس معاناتهم من غياب مصدر الدخل الوحيد لهم. تاريخيا.. شارع سافوي يعد واحدا من أقدم الشوارع التجارية التي حافظت على نفس المهن والمعروضات التي كان معروفة بها منذ عشرات السنين، فهو يضم التحف والبازارات التي تبيع تحفا وهدايا من منتجات خان الخليلي والتي يقبل عليها السياح بشكل كبير، بالإضافة إلى محلات لبيع التماثيل الفرعونية المقلدة التي تشتهر بها منطقة القرنة في البر الغربي بالأقصر والمنتجات والأشغال اليدوية من سجاد وكليم والألباستر وكذلك محلات لبيع العطور والتوابل والفول السوداني والكركديه والحناء البلدي المصرية. كما أن وقوع سوق سافوي بمكان حيوي بوسط الأقصر، بجانب مبنى ديوان عام المحافظة، جعل منه شاهدا على أحداث 30 يونيو وأحداث اعتصام ال 18 يوم التي قام بها الاقصريون أمام الديوان، لطرد المحافظ الإرهابي التي عينته جماعة الإخوان في يونيو 2013. وعندما تجلس مع أصحاب المحلات تسمع حكايات مؤثرة تعكس لك الوضع الراهن بعيدا عن نسب الإشغال المبالغ فيها التي يخرج بها المسئولين ، فتسمع حكايات عن محلات أوصدت أبوابها لعدم وجود سياح، ومن قام ببيع أثاث منزله، لأنه فقد دخله الذي كان يعتمد عليه ولم يعد لديه أي دخل يذكر، وهناك من لجأ إلى تحويل محله إلى سوبر ماركت أو العمل إلى مجالات أخرى بسبب الركود السياحي، ولكن إلى أين المفر فدائرة الاقتصاد في الأقصر واحدة فإذا ما تضررت السياحة تضرر صاحب البازار والسوبر ماركت والمحامى حتى بائعو الجرجير والسجائر على الأرصفة يتضرر من الركود السياحي بالمحافظة، وذلك لأن السياحة هي العمود الفقري لاقتصاد تلك المدينة التي لا يعرف أهلها حرفة سوى السياحة. وعلى الرغم من الجهود المضنية التي تقوم بها الحكومة في محاولة لاستعادة السياحة ورفع حالة الاقتصاد الأقصرى الذي يوشك على الانهيار ، تظهر مشكله أصحاب البازارات بالسوق السياحي بالأقصر، والتي تتلخص في أنهم يعانون من الإيجارات المرتفعة التي تراكمت عليهم منذ 3 سنوات لمحافظة الأقصر، مشيرين إلى أنهم تلقوا إنذارات بضرورة سداد قيمة الإيجارات المتراكمة عليهم، على الرغم من أنهم يعانون حالة من الركود بسبب قلة أعداد السياح وحركة الشراء، مؤكدين أن مسئولي السياحة ومحافظة الأقصر لم يقدموا لهم أي مساعدات على الرغم من أنهم اجتمعوا معهم ويعلمون جيدا مشكلاتهم، بعد أن توقفت السياحة بشكل يكاد يكون شبه نهائي متأثرة بالأحداث السياسية التي لا تنقطع، ما أثر على الجميع بالمحافظة. "البوابة نيوز" انتقلت إلى شارع سافوي بطريق كورنيش النيل أمام مبنى ديوان محافظة الأقصر، للتعرف على مشكلات أصحاب البازارات بالسوق، ووجدنا أن الهدوء والصمت يخيمان على أرجاء المكان، والمحلات مغلقة والمنظر الخارجي يعبر عما وصل إليه حال المدينة. "الوضع سيئ للغاية فلا توجد سياحة"، هكذا بدأ يوسف محمد أحمد، 67 سنة، نائب أول نقابة البازارات السياحية، كلامه معنا، مضيفا، أنه لا يزال احتكار الشركات السياحية للسائح وتقول لهم إنه مفيش أمن في البلاد وفي حال نزولهم فتنزلهم في المراكب والفنادق السياحية الخاصة بها وتجعلهم يشترون من البازارات التي تتبعها وذلك بسبب العمولة الكبيرة التي تحصل عليها، "وإحنا مش بيدنا غير أننا نقول ربنا يتولانا"، مؤكدا أنه من العيب أن يقول مسئولون كبار إنه مفيش أمن، لما المسئولين يقولوا كدا يبقى البلد خربت وعليه العوض. وأثار يوسف، مشكلة أخرى وهي مطالبة الحكومة بدفع ال50% المتبقية من الإيجار بعد تخفيضها 50%، وأنها تفرض حجوزات عليهم، متابعا: "من أين نأتي بها كيف الدولة لا تتحملني في الكام سنة اللي فيها الركود، أنا هطالب القاضي بحبسي لأني لا أستطيع دفع هذا النسبة"، مختتما "إحنا مش لاقيين ناكل". ويقول ياسر نجدي أحمد، أحد مؤسسي شارع سافوي وصاحب محل بالشارع، أن مبنى سوق سافوي تأسس عام 1981 حيث تم ضم جميع الباعة المتجولين أمام المعابد الأثرية، خصوصا معبد الأقصر، ويتكون من 3 أدوار يوجد بها ما يقرب من 113 محلا منها 45 محلا في الدور الأرضي و18 محلا في الدور الثاني و44 محلا في الدور الثالث، وتم نقل الباعة إليها مقابل دفع إيجار رسوم 219 جنيها، وظل الحال كذلك إلى أن جاء محافظ الأقصر الأسبق سمير فرج، وقام بوضع خطة لتطويره وتم هدمه وإعادة بنائه من جديد منذ 7 سنوات. وأصبح بشكله الحالي الذي نعرفه الآن، وبعد تدهور الأحوال والكساد السياحي الذي ألم بالمحافظة عقب اندلاع ثورة يناير 2011 تم اتخاذ قرار تعسفي برفع القيمة الإيجارية من 219 جنيها إلى 520 جنيها دون سابق إنذار، ما زاد الطين بلة، حسب تعبيره. وأضاف ياسر، خاطبنا كل الجهات المسئولة لإلغاء هذا القرار أو تخفيض القيمة الإيجارية، لكنهم يريدون تطفيشنا لضم الشارع إلى ممتلكات الشركة المالكة لفندق إيجوث، وبالفعل أغلق العديد من أصحاب البازارات بالشارع إخلاء محلاتهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجار، بسبب الحالة المتردية للقطاع السياحي بالأقصر، مضيفا: "وصدر لي قرار بالحبس لمدة أسبوعين لعدم قيامي بتسديد الإيجار وذلك بناء على المحضر رقم 607 لسنة 2014". بينما قال مصطفى. ا، صاحب محل بالشارع، إنه من المفترض أن هناك خطة لتطوير السوق السياحية من خلال تزويده بأسانسيرات وسلالم متحركة، وذلك وفقا لخطة سمير فرج المحافظ الأسبق الذي كان يريد أن يطور السوق وفقا لما رآه في بلاد أوروبية، لكن مع اندلاع الثورة توقف كل شيء، وأصبحت السوق تحكمها المصالح الشخصية، وتم تشكيل لجنة لتخفيض القيمة الإيجارية. وتابع: لكن اللواء علاء الهراس السكرتير العام السابق للمحافظة قال لنا "انتو المفروض تخلوا المحلات دي كفاية ويتعمل عليها مزادات"، لأن الإيجار الخاص بالمحلات من المفترض أنه يجدد تلقائيا ورفض مطلبنا بتخفيض الإيجار، مشيرا إلى أن الوعود والكلمات عندما نكون داخل مبنى المحافظة شيء وفي الواقع شيء آخر، ونحن نريد معرفة مصيرنا من ناحية القيمة الإيجارية يإ إما تقسيط المستحقات وإما جدولة المديونيات بشارع سافوي من 520 إلى 219 ووقف الأحكام الصادرة بحق أصحاب المحلات". وعن موقف نقابة البازارات من الأزمة، قال مصطفى، إن نقيب البازارات ليس له أي صفة ولم يقم بأي موقف تجاه سوق سافوي، بل كان يعطينا مسكنات، ولم نر جهودا ملموسة من قبل النقابة، في سبيل حل مشكلاتنا، فكل العاملين بالسياحة تم تعويضهم إلا أصحاب البازارات، فأصحاب الحناطير أعطوهم مبلغا ماليا ونقودا، وكذلك أصحاب الفلوكات والمراكب السياحية، كما أن أصحاب الشركات يحتكرون السياح. وأكد أن المرشد السياحي التابع لشركة معينة يوهم السائح أن مصنوعات سوق سافوي مضروبة ويأخذه إلى المحلات التابعة لهم، مشيرا إلى أن أصحاب البازرات السياحية بمنطقة السوق السياحي، احتجوا أكثر من مرة علي ما اعتبروه احتكار أصحاب البازارات السياحية الكبرى للسياح من خلال وجود اتفاقيات بينهم وبين المراكب والفنادق العائمة والشركات السياحية لجذب السياح لهذه البازارات دون غيرها ولكن لم يلتفت إلينا. بينما أكد فادي إسحاق، مدير سوق سافوي السياحي، أنه خاطب قيادات المحافظة ممثلة في اللواء علاء الهراس السكرتير السابق بشأن تركيب لمبات إضافية للسوق تسمح بأن يكون مضاء في كل الأوقات منعا لتعرضه للسرقات والسطو، لكنه لم يتلق أي جواب على الرغم من أن أصحاب البازارات يقومون بدفع 20 جنيها، بالإضافة للإيجار للصيانة، مشيرا إلى أنه حدثت عدة سرقات أكثر من مرة، وتمت سرقة عدد من الأبواب والمفاتيح من المحلات الخالية بالدور الثاني والثالث، وذلك بسبب الظلام الذي يسود المكان ليلا، حيث يقوم كل صاحب البازار بإطفاء اللمبة الخاصة بالمحل الذي يملكه عند مغادرته للسوق ليتركوا المكان في ظلام دامس. ولم تخل الأزمة من اللجوء إلى القضاء بعد تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية، حيث قامت جبهة الدفاع عن طيبة بإقامة دعوى حملت الرقم 24042 لسنة 68 قضائية تطالب بإصدار حكم قضائي برفع المديونية عن أصحاب البازارات في الأقصر، واختصمت فيها كلا من رئيس الجمهورية المؤقت، ورئيس الوزراء ووزراء السياحة والمالية والآثار بصفتهم القانونية، وقامت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، مطلع الشهر الماضي بإحالة نظر الدعوى القضائية لهيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها. وفي النهاية، خرجنا من سوق سافوي بمجموعة من المطالب لتحسين أوضاع أصحاب البازارات السياحية بالأقصر، وكان على رأسها عودة القيمة الإيجارية إلى 219 جنيها، كما كانت، وتسكين المحلات الخالية في الدور الثاني أو نقلهم إلى مكان أفضل وفي حالة عدم النقل فإنهم يطالبون بإدخال مميزات إلى السوق السياحية وتقسيط الإيجارات على 4 سنين ودهانات للشارع وإنارة كاملة وصيانة للمحلات، حتى يكون واجهة حقيقية للبلد السياحي الأول في العالم، بالإضافة إلى عمل دعاية كافية من قبل غرفة شركات السياحة للسوق في الخارج تليق به كواجهة حضارية. جدير بالذكر، أن وزارة السياحة كانت قررت صرف إعانات للمتضررين من التراجع السياحي، بالمراكب الشراعية، وأصحاب عربات الحنطور في الأقصر، وذلك بناءً على اقتراح غرفة شركات السياحة في الأقصر، وسط دعوات لإقامة صندوق دائم لدعم العاملين بالقطاع السياحي، وتدبير إعانة بطالة للمتضررين من حالة التراجع السياحي التي تشهدها الأقصر حاليا.