طالب "إسحق ليئور" الكاتب الصحفي بجريدة "هآرتس" بعدم الاعتراف بدولة يهودية، موضحا أنه يتحرك بين عداءين نتجا عن السامية، عداء إسرائيلي ناتج عن الكراهية للدين اليهودي وما يريد الحاخامات والمتدينون تطبيقه علينا، وبين عدائنا نحن الإسرائيليون لمعادي السامية. وأوضح ليئور أن معاداته للسامية لاتعني مطالبته بإنهاء الاحتلال، و"لكني أطالب بأن لانكون ضمن دولة دينية يهودية، أطالب بأن لا تكون سيادتنا خاضعة لكيان متوهم يدعي القائمون عليه أنهم يحكمون باسم الرب الذي يمدهم بالقوة والحكمة، فيطبقون علينا قوانينهم ويبيدوننا". لم يبالغ ليئور فيما قاله مطلع إبريل الجاري، فالصراع الديني العلماني قائم منذ الهجرات الأولى لفلسطين، منذ نهاية القرن التاسع عشر، فمن هاجر مؤمنًا بالصهيونية اعتقد أن الصهيونية حررته من نير السلطة الدينية لحاخامات والمجتمعات اليهودية خارج "الجيتوهات" كذلك، كما يعتقد أنها أسكنته وطنًا يقيه شر الاضطهاد في الشتات، وكان هؤلاء في غالبيتهم يهودًا صهيونيين، أما المهاجرون اليهود المتدينون فهؤلاء هاجروا بفكرة دينية في سبيل تحقيق مملكة الرب. ومع عشرينيات القرن العشرين، أنشأ المهاجرون الصهاينة جمعيات اجتماعية لتنظيم شئونهم، ورفض المتدينون الانضمام لهم، وانشا المتدينون الذين كانوا منخرطين ضمن جماعة "اغودات يسرائيل" مؤسسات ومدارس خاصة بهم. جاء هذا التحول عن طريق استخدام التعليم والمدارس، حيث عملت المدارس الدينية خلال الثلاثين عاما الماضية بشكل مكثف لاجتذاب أطفال العلمانيين، فهي تقدم رعاية للأطفال لساعات طوال تصل حتى الثامنة مساء، مع تقديم الوجبات الغذائية وبعض المواد المحسوبة على العلوم العلمانية كالحساب إلى جانب التركيز على التعليم الديني، وتقدم هذه الخدمات طيلة السنة بحيث يسمح للأطفال حتى عمر التاسعة الالتحاق بتلك المدارس في العطلات الصيفية. يبرز أيضا دور التيار الديني وتأثير الحاخامية الكبرى بكل ما يخص التشريع حتى داخل الجيش الإسرائيلي حيث يتم تعيين حاخامات ليتلوا على الجنود العلمانيين تعاليم الشريعة. ويذكر أنه في عملية الرصاص المصبوب 2008 كان الحاخامات يشجعون الجنود على القتال قائلين أن "قتل العربي يعتبر تقربا إلى الرب"، كما عززوا الطقوس الدينية والصلوات المنتظمة بين صفوف العلمانيين، مغلظين على أن "إسرائيل لن تزول إلا بالابتعاد عن الشريعة والقتال في سبيل مملكة الرب". وكانت صحيفة معاريف قد نقلت فتوى مدير المعهد العسكري الديني الحاخام "شلومو ريسكين" والتي أجاز فيها نهب محاصيل الزيتون من الفلسطينيين، وتسميم آبار مياههم، وعلقت الصحيفة قائلة أن تلك الفتوى تأتي ضمن محاولات التيار الديني الصهيوني السيطرة على الجيش، موضحة أن هذا التيار المتطرف نجح في التغلغل في غالبية الوحدات العسكرية. ولاتبتعد الساحة السياسية الإسرائيلية عن هذا الصراع الذي يعد اخطر على وجود إسرائيل من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تكشف الأحداث أن الاسرائيليين يخوضون صراع وجود داخلي في إطار تحديد هوية الدولة للمرحلة المقبلة، وتنشط الأحزاب الدينية المدعومة من الحاخامية العظمى على حساب نظيرتها العلمانية التي تعمل على نزع السلطات من الأحزاب الدينية. وعلى المستوى الاجتماعي فان التوجه من اليسار إلى اليمين يغلب على الساحة الاجتماعية الإسرائيلية فيتمتع المستوطنين الدينيون بخدمات اجتماعية وحماية من السلطات أكثر من تلك التي يتمتع بها العلمانيون الذين يعيشون داخل الخط الأخضر، وينظر كل العلمانيين للمتدينين بازدراء والعكس بالعكس، إلا أن العلمانيين يتفقون على أن المستوطنين الدينيين يمثلون حماية للدولة، على أن يبقوا في مواضعهم ولا يعيشوا معهم في نفس الأحياء. فإسرائيل في الواقع تقسم أحياء للعلمانيين وأخرى للمتدينين، وإذا ما سكن عدد من المتدينين في حي علماني فإنهم سرعان ما يتكاثروا ليحموا بعضهم بعض ومن ثم يهجر العلمانيين الحي، كما ينبذ الدينيون العلمانيين لإيمانهم بأن كل ممارسات العلمانية محرمة وضد الشريعة. كل ما سبق أدى إلى التحول من العلمانية إلى التشدد الديني حيث قد يجد الباحث والدين من العلمانيين بينما أولادهما من المتشددين الدينيين.