الحُبْ يَا رَفِيْقَتِي، قَدْ كَانْ فِي أَوَّلِ الزَّمَانْ يَخْضَعُ للتَرْتِيْبِ وَالحُسْبَانْ " نَظْرَةٌ، فَابْتِسَامَةٌ، فَسَلاَمٌ فَكَلاَمٌ، فَمَوْعِدٌ، فَلِقَاءُ " اليَوْمَ.. يَا عَجَائبَ الزَّمَانْ ! قَدْ يَلْتَقِي فِي الحُبِّ عَاشِقَانْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْتَسِمَا ذَكَرْتِ أَنَّنَا كَعَاشِقَيْنْ عَصْرِيَّيْنِ، يَا رَفِيْقَتِي ذُقْنَا الذِي ذُقْنَاهْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَشْتَهِيْهْ وَرَغْمِ عِلْمِنَا بِأَنَّ مَا نَنْسِجَهُ مُلاءَةً لِفَرْشِنَا تَنْقُضُهُ أَنَامِلُ الصَّبَاحْ وَأَنَّ مَا نَهْمِسُهُ، نُنْعِشُ أَعْصَابَنَا يَقْتُلُهُ البُواحْ فَقَدْ نَسْجْنَاهُ وَقَدْ هَمَسْنَاهُ. هكذا قال الشاعر"صلاح عبد الصبور" في قصيدته "أحلام الفارس القديم" وهو ينعى الحب بحزن شديد، لقد لمس الشاعر عبر قصائده الهم الإنساني في رؤيته للحب لدرجة أحدث نقلة عظيمة في حركة الشعر الحديث، توجته ليكون أحد أهم رواد حركة الشعر العربي الحر. توالت رغبة الشاعر في التجديد، واستطاع أن يجرب لغته الشعرية في المسرح ليبدع أروع المسرحيات الشعرية. صاغ الشاعر باقتدار قارورة شعرية نادرة من خلاصة أزهار موهبته ورؤيته وخبراته الذاتية مع ثقافته المكتسبة من الرصيد الإبداعي العربي ومن التراث الإنساني عامة.. إنه صلاح عبد الصبور. وُلد الشاعر محمد صلاح الدين عبدالصبور يوسف الحواتكي، الشهير باسم صلاح عبدالصبور، في مثل هذا اليوم 3 مايو من عام 1931 في إحدى قرى شرقي دلتا النيل في مدينة الزقازيق، تلقى تعليمه في المدارس الحكومية، التحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليًا" في عام 1947 حيث درس اللغة العربية، وفيها تتلمذ على يد الرائد المفكر الشيخ أمين الخولي الذي ضم تلميذه النجيب إلى جماعة "الأمناء" التي كوّنها، ثم إلى "الجمعية الأدبية" التي ورثت مهام الجماعة الأولى، وكان للجماعتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبي والنقدي في مصر. حصل عبد الصبور على البكالوريوس في اللغة العربية عام 1951. تنوعت المصادر التي تأثر بها إبداع صلاح عبدالصبور؛ من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي، مرورًا بسيَر وأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب مثل الحلاج وبشر الحافي، اللذين استخدمهما كأقنعة لأفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات، كما صاغ الشاعر قارورة شعرية نادرة من خلاصة أزهار موهبته ورؤيته وخبراته الذاتية مع ثقافته المكتسبة من الرصيد الإبداعي العربي ومن التراث الإنساني عامة، وبهذه الصياغة اكتمل نضجه وتصوره للبناء الشعري. ودّع صلاح عبد الصبور بعدها الشعر التقليدي ليبدأ السير في طريق جديد تمامًا تحمل فيه القصيدة بصمته الخاصة، زرع الألغام في غابة الشعر التقليدي الذي كان قد وقع في أسر التكرار والصنعة - فعل ذلك للبناء وليس للهدم- فأصبح فارسا في مضمار الشعر الحديث. بدأ ينشر أشعاره في الصحف واستفاضت شهرته بعد نشره قصيدته شنق زهران، وخاصة بعد صدور ديوانه الأول "الناس في بلادي" إذ كرسه بين رواد الشعر الحر مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وسرعان ما وظف صلاح عبد الصبور هذا النمط الشعري الجديد في المسرح فأعاد الروح وبقوة في المسرح الشعري الذي خبا وهجه في العالم العربي منذ وفاة أحمد شوقي عام 1932، وتميز مشروعه المسرحي بنبرة سياسية ناقدة لكنها لم تسقط في الانحيازات والانتماءات الحزبية. كما كان لعبد الصبور إسهامات في التنظير للشعر، خاصة في عمله النثري "حياتي في الشعر". وكانت أهم السمات في أثره الأدبي استلهامه للتراث العربي وتأثره البارز بالأدب الإنجليزي. يعتبر ديوان "الناس في بلادي" في عام 1957، هو أول مجموعات عبدالصبور الشعرية، كما كان، أيضًا، أول ديوان للشعر الحديث أو الشعر الحر أو شعر التفعيلة، والذي هزّ الحياة الأدبية المصرية والعربية في ذلك الوقت، كما أصدر على امتداد حياته عدة دواوين، من أهمها: "أقول لكم" في عام 1961 "أحلام الفارس القديم" في عام 1964 "تأملات في زمن جريح" في عام 1970 "شجر الليل" في عام 1973 "الإبحار في الذاكرة" في عام 1977. كما كتب عبد الصبور عددًا من المسرحيات الشعرية، هي: ليلى والمجنون في عام 1971، وعرضت على مسرح الطليعة بالقاهرة في العام ذاته مأساة الحلاج في عام 1964 مسافر ليل في عام 1968 الأميرة تنتظر في عام 1969 بعد أن يموت الملك في عام 1975. ونُشرت أيضًا للشاعر كتابات نثرية عديدة منها: حياتي في الشعر أصوات العصر رحلة الضمير المصري على مشارف الخمسين. عمل صلاح عبدالصبور عقب تخرجه في كلية الآداب في التدريس، ثم انتقل إلى العمل بالصحافة، وسافر كمستشار ثقافي لمصر بالهند في الفترة من 1977 وحتى 1978، وكان آخر منصب تقلده رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب. كما نال جائزة الدولة التقديرية. توفي رائد الشعر الحر العربي صلاح عبدالصبور في 12 أغسطس 1981، نتيجة تعرضه لأزمة قلبية فارق على إثرها الحياة، تاركًا بصمة بارزة في تاريخ الشعر الحديث والعمل المسرحي في نهاية القرن العشرين.