-محفوظ يهرب من مكيدة ازدراء الأديان بروايته "أولاد حارتنا" فيغرق في الرمزية بروايته "الطريق"، "دنيا الله". - حامد عبد الصمد يبحث عن الله في "وداعا أيتها السماء" ويواجه القضية في "ماكدونالدز". - نوال السعداوي تهاجم التدين الشكلي بمسرحيتها "الله يقدم استقالته في اجتماع القمة" فتتعرض لمقصلة التكفير. -"أين الله" ل"كرم صابر" تهديه خمس سنوات سجنًا وتدفعه للدفاع: "لم أهاجم الذات الإلهية". كتبت: إسراء عبد التواب إشراف: سامح قاسم رحلة البحث عن الله في الأدب مليئة بالمخاطر، لا يقتحمها سوى مغامرون يمتلكون شجاعة نادرة تؤهلهم لمواجهة معتقدات الدين والتصورات الراسخة لدى المجتمع،ويصير كل ما يتعلق بالله والدين تحت مقصلة التكفير والمصادرة والملاحقة الأمنية ليصل إلى النهاية إلى دعوات التحريض على القتل، إذا رأى المجتمع أن المبدع قد تجاوز حدود إيمانه ومعتقداته ولكن المبدع يرفض دائما أن يوضع تحت هذه المقصلة. يواجه بحزم ولا يكف عن طرح أسئلته الوجودية التي تتعلق بأزمة البشرية في البحث عن قداسة يواجه بها قسوة وشرور المجتمع، وفى تلك الرحلة الموجعة، تهتز قناعات الإنسان العادي بفكرة وجود القداسة، يسأل الإنسان البسيط بينه وبين نفسه، إذا كان الله موجودا في العالم فلماذا خلق الشر....؟ الإنسان العادي لا يكتب، بل يختزن أسئلته الوجودية المشروعة بينه وبين ذاته، ولا يريد التصريح بها أو التفوه بكثير من الأسئلة التي قد تثير سخط ما حوله عن فكرة ماهية الله ونشأته، يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويصرف عقله عن التفكير، ولكن المبدع لا يستسلم مثله فهو أجرأ منه في طرح أسئلته عبر الشخصيات التي تحفل بها رواياته، وهو يرسم بأنامله البديعة رحلة البحث عن الله في صور ومشاهد، وفي تلك اللحظة تحديدا يضع المبدع نفسه في مرمى نيران المواجهة ويجد نفسه محاصر من المجتمع بكاميرات مراقبة لا حصرها لها، بقدر ما تخلق شهرته بقدر ما تعرض حياته لخطر الاغتيال، إذا تجرأ على مواجهتنا بكثير من الأسئلة التي تؤرقنا ولا نستطيع البوح بها. وإذا نظرنا إلى تاريخ الأدب العربي فسنجد أن قضية الذات الإلهية قليلة الطرح سواء في تناولها الإيجابي أو السلبى كما يعترف الناقد اللبناني جورج طرابيشي. لذا لم نجد أشجع من الروائي العالمي "نجيب محفوظ" الذي تطرق لهذه المشكلة ليضع نفسه على رأس قائمة الأدب العربي الحديث في اقتحامه لها، واستمر في طرحها بعد تلك الحقبة عبر صور فلسفية عميقة. كان جريئا وأمينا وهو يواصل البحث.. واستطاع نجيب محفوظ أن يفتح الطريق بجرأة غير معهودة، وهو يبحث عن الله عبر أدبه ليتخذ صورا صادقة في رحلة البحث، ومن يقرأ الروايات التي قام بكتابتها من بداية "دنيا الله"، و"الطريق"، و"الزعبلاوي" انتهاء بروايته "أولاد حارتنا" التي تسببت في محاولة اغتياله فسيجد أن "محفوظ" هو الوحيد الذي ظل وفيا ويستحق الإشادة وعدم الإغفال إذا تطرقنا لهذه القضية في الأدب العربي الحديث. فهل يتقبل الوطن العربي الحديث عن الله في الأدب؟ الإجابة تحتاج إلى نظرة لكم الهجوم الذي شنه عدد من الشيوخ ضد روايته "أولاد حارتنا" مما دفع أحد الشباب للاعتداء على نجيب محفوظ لنعرف أن المجتمع لا يريد أن يقتحم تلك المناطق. من يقرأ رواية "أولاد حارتنا" دون أن يقرأ الروايات التي سبقتها والتي تطرقت لنفس القضية سيجد أنه يبحث بصدق عن الله.. فروايته كانت تشغله كتابتها حينما بدأ قصة قصيرة تحت عنوان "الزعبلاوي" هذه القصة كانت نتاجا خصبا لروايته "أولاد حارتنا" وسيتعذب البطل في القصة وهو يصل لقناعة بعد سنوات من البحث،يقول لنفسه في بداية قصته " اقتنعت أخيرا أن أجد الشيخ الزعبلاوي "،يتصاعد أزمة البحث عنه لأنه رمز للقداسة عبر اختياره لولى صالح على يديه تهون كل الهموم.يعترف الناقد "جورح طرابيشي" في دراسته البديعة تحت عنوان "الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية" أن "محفوظ" قد لجأ إلى الرمز،وهو يتحدث عن الله لأنها كانت المعاجلة الوحيدة التي يمكن من خلالها التطرق إلى تلك المشكلة.ما الذي دفع "محفوظ" إلى الإغراق في الرموز وهو يتحدث عن الله؟ الإجابة يسيقها لنا "الطرابيشى": لقد لجأ "محفوظ" إلى الرمز بعد الهجوم الذي تعرض عليه بالتزامن مع صدور روايته "أولاد حارتنا" والتي هاجمه فيها الكثير لأنه يتطرق لرمز الجلالة والأنبياء بتجاهل أسمائهم، وخلق أسماء مغايرة أراد من خلالها "محفوظ" أن يؤرخ إلى تاريخ البشرية عبر ثلاثة أنبياء هم النبي موسى عليه السلام والنبي عيسى عليه السلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام يختار لهم أسماء مغايرة ليسرد تاريخ البشرية. هنا يعترف "الطرابيشى" أن المشكلة التي واجهها "محفوظ" تتمثل في أنه حاول أن يكون مؤرخا روائيا، وعند الوصول إلى تلك النقطة على الأديب أن يسوق بعض الأحداث التاريخية التي لا تمثل إسقاطا مباشرا ليس هروبا من محاكمة المجتمع،ولكن كي يكون أعلى فنيا في التناول، وهو ما أدركه "محفوظ" فيما بعد فيدفعه لاقتحام عالم الرمز من أوسع الأبواب بعد الهجوم عليه. جزء من هذه الرمزية يعود لقناعته التي توصل إليها ومفادها أن المجتمع ليس مهيئا بعد لهذا الطرح وجزء منه للهروب من المباشرة التي وقع فيها بروايته "أولاد حارتنا" لفتح آفاق عميقة للتساؤل.. هل وصل "محفوظ" إلى الله؟ سؤال شغل كثيرا من القراء المتابعين لرحلته ولكن "محفوظ" في رواياته يدربنا على أن رحلة البحث عن "الله" أهم بكثير من الوصول، يقول عن الزعبلاوي: " البحث عنه لن يتوقف وإن بدت السبل إليه مسدودة ". محفوظ يواجهنا بصوفيته التي تتقن أن لذة الإيمان في المسلك وأن التأرجح في الحيرة والشك من أجل الوصول جهاد وإيمان أيضا.فكثير منا من استسلم لبيئته التي ولد فيها واختار طريقا للتدين أو عدم الإيمان،وبين هذين الطرفين تولد فئة لا ترضى بما خلقت عليه،ولكنها تعيد طرح الأسئلة من جديد لتصل إلى طريقها الذي تختاره بإرادة حرة. تذكرني رحلة" محفوظ بالأسئلة التي كنا نرددها ونحن صغار " أين الله..." وأين يسكن....؟ ولماذا لا نراه؟. كلها أسئلة كانت تواجه طفولتنا البريئة المتطلعة والشغوفة لمعرفة "الخالق "، وكان الآباء يواجهون تلك الأسئلة بكثير من الإجابات المقتضبة التي يشوبها التحفظ فتغرق طفولتنا في بحر من الأسئلة،ولم يكن هذا التحفظ يرضينا وهو ما جعل "محفوظ" يبحث في طفولته مثلنا عن الخالق،وعندما كبر تدافعت الأسئلة وكانت تتعقد كلما ممرنا بتجارب كثيرة. والمشكلة الحقيقة التي كانت تواجه كل من قرأ "محفوظ" هو أنه كان يقرأه من قناعته الدينية الخاصة، وكان هذا منبع الصدام بينه وبين المتدينين، ولا يمكن أن تقرأ "محفوظ" وأنت تدخل بإيمانك الجاهز فأديب "نوبل" يدربنا على خلق مساحات من الحيرة والشك ولكنه لا يتركنا طول الوقت حائرين يسوق عبر أبطال روايته تطلعه للوصول،ويربطها دائما بمراحل الحياة. ففي بداية طفولتنا تكون الأسئلة مشتعلة، ولكنها ليست قادرة على الصمود بفعل ما نتربى عليه ونشب ومع مرحلة الشباب تندفع القلوب باتجاه الإيمان. فالشباب حديقة طازجة لامتصاص مياه الإيمان، ولكن عندما تتغير الطرق ونسلك الحياة وندخل فيها بكل قوتنا ونواجه الأشرار وننكسر ونقف ثم ننكسر مرة أخرى.هنا تتخلخل كل القناعات وتتفكك،وفى تلك اللحظة يجتهد كل شخص في إعادة تركيبها،وهذه المشقة هي التي ميزت الإنسان في رحلة البحث عن قداسة تتجاوز الشر وتحقق الراحة الأبدية.. نعود لقصة الزعبلاوي لنجد "محفوظ" يعبر عن تلك المراحل الفكرية التي نمر بها وهو يقول - زعبلاوي ! ياسلام والله زمان كان يقيم في هذا الربع حقا عندما كان صالحا للإقامة وكان يجلس عندي فيحدثني عن الأيام الخالية،وأتبرك بنفحاته ولكن أين زعبلاوي اليوم ؟ يبحث البطل عنه ويسأل شيخ الحارة متى آخر مرة رآه فيجيب: أنا في الواقع لم أره منذ سنوات،وشغلتني عنه شواغل الدنيا،وقد أعادني سؤالك عنه إلى أجمل عهود الشباب...؟؟ يصرخ "محفوظ" في النهاية على لسان بطله وهو يخرج مترنحا من ألحانه وتتدافع الصرخات وينادى بكل قوته " يا زعبلاوى...يازعبلاوى"،وفى تلك اللحظة يهيئ لنا كما يقول "طرابيشي" أن المؤلف فقد بوصلة البحث عن الله ولم يجده،ولكن يسوق لنا جملة رائعة تؤكد رغبته في الوصول رغم المشقة والتخبط والحيرة التي ترعد مفاصل جسده بالكامل يقول: "حسبي أنى تأكدت من وجود "زعبلاوي"..بل من عطفه على. ما يبشر باستعداده لمداوتي ". وإذا خرجنا من عالم "محفوظ" ورحلته عن البحث عن الله. سنجد رواية بديعة بعنوان "وداعا أيتها السماء" للروائي "حامد عبد الصمد" تتماشي مع "محفوظ" في رحلة البحث عن الله، وما أدهشني في الرواية أنها كانت جريئة أكثر في طرح أزمة البحث عن هوية والبحث عن الله في عالم الغربة،لشاب لم يتجاوز عمره ال25 عاما هرب من وطنه وهو يريد تطليق كل ما مضى وكل ما تعلمه على يد أبيه إمام المسجد، فلم تفلح تربيته الإيمانية،ولا حفظة للقرآن عن ظهر قلب أن تحميه من رحلة البحث عن الله في بلد مثل ألمانيا. يصطدم بالغربة يصلى ويخاف الله ثم بعدها يتجه إلى قهر الغربيات في السرائر يبكى بعدها ويتطهر ويغتسل من الجنابة،ويعاود الصلاة وعندما يصل إلى قمة اليأس في رحلة بحثه يمسك بسجادة الصلاة ويرميها في سلة القمامة، ولكن في الفصل الأخير من الرواية والتي بعنوان "الرب في ماكدونالدز" يواجه طفل صغير يدعى "ستيفن جوت" وهو يتغدى في مطعم لماكدونالدز" ليطلب منه شراء لعبة أعجبته وعندما يلبى رغبته يقول له ندال المطعم أنه لا يمكن منحها له إلى بعد شراء وجبة لأنها هدية عليه.هنا يطلب له الوجبة واللعبة وعندما يسأله عن اسمه يقول له "ستيفن جوت" وعندما يسأله عن معنى اسمه يقول له " الرب".يكاد البطل يصاب بالصدمة،ويتذكر تلك النظرية العلمية التي تؤكد أننا نواجه كل الأشياء التي نهرب منها في الواقع صدفة.تهاجمه مواجعه التي لا تنتهى. الرواية بديعة من حيث الأسلوب الأدبي،ولكن من عليه قراءتها يجب أن يتحرر من عقده المحاكمة،فالبطل متخبط ومرتبك ومهزوز الشخصية يحب الله ويهرب منه في نفس الوقت ويتمرد ثم يعود فينكسر ثم يقع ثم يرفض ثم يهرب إلى ألمانيا للخلاص فيجد أن المادة التي ودعها في وطنه، وقسوة البشر التي جعلت من السماء غمامة كبيرة تلاحقه في الغربة كذلك وانه لا وجدود للحرية في ألمانيا فالكل يدور في ماكينة البحث عن رزق ومكبل بالضرائب يواجه أزمة الإنسان المعاصر في البحث عن قدرة متجاوزة لهذا الظلم. يسرقنا "عبد الصمد" بأسلوبه البديع في روايته وهو يؤكد في السطور الأخيرة بجرأة نادرة أنه اختار عنوانا للرواية لتعبر عن أزمته في البحث عن الله،ليسرد سيرته الذاتية لعذاب المحبين. عبد الصمد تعرض بسبب كتابته للاختطاف في ألمانيا "على يد بعض الإسلاميين المتشددين لكتابته الجريئة، ولكن يبقى السؤال إلى حد يكون فيه حرية الكاتب للتحدث عن الإله. لنكون أكثر صدقا مع انفسنا ونواجهها. هل أراد الله أن يخلق البشر على شاكلتين فقط إما مؤمنين أو ملحدين. الله لو كان يريد بعظمته أن يخلق مثلا طرفا واحدا لأراد، ولكنه ضرب لنا مثلا في قدرة الاختيار وأن على هذه التنوع اختلفت البشرية وانقسمت. تلك الرحلة يحكيها "شاكر" بطل رواية "وداعا أيتها السماء": لم أكن قادرا على التخلص من الدين بهذه السهولة. كانت لدى شكوكي العقائدية ولكنني لم أكن مستعدا أن أصبح ملحدا 100%.كنت الوحيد بين الرفقاء الذي يتكلم عن الصوفية وعن رحلة الإنسان اللا نهائية للبحث عن الله ". تنتهى سطور المؤلف لتؤكد أن رحلة البحث عن الله ممتدة وافتقاده لدى بطل الرواية يدفعه لدخول المستشفى لتلقى العلاج،ويكشف البطل أزمته الشخصية،وهو يقول:"بعد أسبوع انتهى بي المطاف في مستشفى للمجانين.أتجرع كل يوم حبة " تريفيلو ضد الاكتئاب وحبة "أوبى برامول" ضد نوبات الخوف والاضطراب الداخلي،ولكن هذه الحبات تسبب لي الدوخة والغثيان فأتناول معها 60 قطرة من قطرات "إم بدى سي". في الليل أتناول حبة منومة ضد الأرق وقبل أن أسقط في منامي. تنقلت من بين شفاهي نفس الجملة بتلقائية مثل كل ليلة وتكسر صمت الغرفة الرهيب !؟ ياأرحم الراحمين إرحمنا يارب ". يحاول الروائي في روايته البديعة أن يظهر أزمة الإنسان المعاصر في البحث عن الله، فلا هو استطاع أن يقاطع صورة الله مقاطعة تامة ولا استطاع أن يبقى على رحلته الإيمانية التي تربى فيها في بيته ووسط أسرة متدينة للغاية هو يبحث عن خلاص من الظلم...يبحث عن خلاص من التناقض البين في مجتمع مسلم حين يسأله ابن عمه قبل سفره إلى "ألمانيا " وهو يقول له: خلى بالك من نفسك الستات هناك بتمشي عريانة " وقبل أن يسافر يترجاه أن يحضر إحداهن معه،وهو يغمز له.يتفتق البطل من هذا التناقض فيرتمى في أحضان غربته،ويجد أن الفتاة هناك لا ترتمي في أحضان كل من يواجهها وأنها صادقة مع " البوى فريند " ولا تستطيع أن تخونه مع أحد،وعندما يحاول أن يهزم إحدى صديقاته التي دعته في شقتها لشرب كوب شاي معها ويغازلها ليدفعها على سرير غرفتها تقذفه بعيدا عنها وتطرده من غرفتها. فيتعاظم الشكوك لديه ويغرق البطل في حيرة لا تنتهى إلا بالإغراق في الملذات، ولكنه طول رحلته لا يفارقه وجه أبيه "إمام المسجد" الذي كان حريصا على أن يحفظه القرآن،ويحن إليه وفى حنينه يبحث البطل طول الوقت عن راحة أبدية ممثلة في أب يعيده إلى الطفولة التي كان يستمتع بها قبل اغتصابه من قبل فتى يكبره في ورشة ميكانيكا. هنا يسقط البطل في السخط على المجتمع والقيم والدين ويتساءل لماذا هو تحديدا من وقع له هذه الحادثة.تتسع الأسئلة ويتعاظم دور الله وحضوره وترتبك المسلمات ومع الارتباك تتعقد الرحلة في مسعاها وتكبر الأسئلة بداخله ولا تنتهى الشكوك،ولكنه يعترف في نهاية رحلته أنه يحن لراحة لا يجدها، ولا يستسلم لغيابها في الوقت نفسه.تنتهى حيرة البطل في مصحة نفسية،ولا تهدأ روحه عن رغبته في الوصول إلى " الإله "..... "إن القضاء على كتاب جيد يعادل قتل إنسان تقريبا،بل أسوأ أيضا على نحو ما،لأن من يقتل رجلا،يقتل كائنا مفكرا صورة الله،لكن من يقضي على كتاب جيد،يقتل الفكر ذاته،ويقضى على جوهر تلك الصورة الإلهية.هكذا قال الشاعر الإنجليزي " جون ميلتون " عن رؤيته تجاه مصادرة الأعمال.. ولكن ما قاله "ميلتون" يقذفه المتطرفون الذين يحاكمون ضمير الأديب ويلاحقونه ويتدخلون في نواياه ويصدرون أحكاما لقتله.. ولم يسلم عدد كبير من المبدعين الذين تطرقوا للذات الإلهية من الملاحقة في وقت كان فيه مبدعو الغرب أجرأ في الطرح،وبعد سنوات كبيرة كانت فاصلة بيننا وبين رواية "أولاد حارتنا " ما زال القمع للكتاب مستمرا بإرادة سلطة ونظام راديكالى يؤيد ملاحقة الأدباء فمؤخرا صدر حكم بالحبس خمس سنوات ضد الروائي "كرم صابر" لإصدار مجموعته القصصية " أين الله" بعد بلاغ قدم ضده للنائب العام طالبه بحبس الكاتب، وهو ما تحقق بعد أن وضعنا قوانين لحرية الإبداع ولرفض حبس المبدعين، وكأننا نعود للخلف من جديد ضاربين بكل المواد الجديدة المدرجة في الدستور التي تنص على حرية الفكر عرض الحائط،وترفض محاكمة المبدعين.. وهو ما دفع "كرم صابر" للدفاع عن نفسه في أكثر من مرة وهو يؤكد أن المجموعة القصصية لا تتعرض للذات الإلهية كما رأى البعض، الغريب في أمر الملاحقات الأمنية التي يتعرض لها الكتاب أن معظم من يدعو لها شيوخ متدينون..فهل يمكن أن يتسع صدر متدين لقراءة مخيلة كاتب قد لا تتناسب مع ثوابته المقيدة...؟! لم تتوقف ملاحقة الكتاب اللذين تطرق إبداعهم للذات الإلهية،فلم يسلم الكاتب "علاء حامد" أيضا من تلك الملاحقة لتظل المساحة التي تتطرق للإله مساحة ملغمة بالمخاطر لا يجوز للكاتب التعبير عنها ومن يتتبع المحاكمة التي تعرض لها الروائي سيعرف كم السلاسل التي تقيد المبدعين في تطرقهم للذات الإلهية.. الأكثر دهشة فيما يتعلق برواية "مسافة في عقل رجل.. محاكمة الإله " أن من قام بالتحريض عليها كاتب ينتمى إلى نفس الهم، ويشن حربا كبيره عليها في صندوق الدنيا.حيث كتب الكاتب الكبير "أحمد بهجت " مقالا في ركنه بصندوق الدنيا بجريدة الأهرام تحت عنوان " سلمان رشدي آخر" مضيفا عبر مقاله:"ها هو سلمان رشدي آخر يظهر في مصر،مؤلف يزعم أن ما كتبه امتزج فيها فيض الخيال بنبض الفكر.أليس غريبا أن يشير "بهجت" وله الحق في انتقاد الكتاب إلى الإشارة بأن الكاتب يذكره بسلمان رشدي لمجرد أنه اختلف معه.لم يكن "بهجت" هو فقط من شن الهجوم، ولكن عددا كبيرا من التيارات الدينية شنت هجوما حادا على روايته التي تمت مصادرتها وتسببت في إيداعه السجن لمدة 9 سنوات. مصير الملاحقة للإبداع لم تسلم منه كذلك الروائية "نوال سعداوي" وهى كاتبة لها حظ وفير من المنع والملاحقة، "السعداوي" معروفة بجرأتها في كسر التابوهات الثلاثة الجنس والدين والسلطة وهو ما جعلها في مواجهه التيارات الأصولية التي تلاحقها بدعوات التكفير طول الوقت لاقتحامها منطقة ملبدة بالغيوم.. وهذا ما دفع الراحل "محمد مدبولي" صاحب دار نشر " مدبولي" إلى حرق "مسرحية الإله يقدم استقالته" بعد الهجوم الصاخب الذي تعرضت له.فقد حاولت السعداوي تقديم رؤية في مسرحيتها مفادها أن المشكلة الكبرى في العالم كله أن الدين نص حرفي هو الذي سيطر وليس الدين كعدل" ووضعت بطلتها "زينة" في مواجهة رحلتها في البحث عن الله،وهى تمارس التمرد بعد أن خصصت عشر سنوات من حياتها لدراسة التوراة والإنجيل والقرآن، وعلى مدى المسرحية تواجهنا الروائية بالتدين الزائف الذي سيطر على كل حياتنا وجعلنا تحت مقصلة النفاق البشرى المذرى.تعترف في كثير من تصريحاتها انها دائما ما كانت ملاحقة من قبل السلطة والتيارات الدينية التي جعلت أدبها محاصرا داخل وطنها، مما ساهم في خنقه داخل الوطن تعترف بقولها:" للأسف لم أقر في الوطن العربي..النقاد ليس لديهم وقت للقراءة.. نحن نعيش أكذوبة كبيرة..أصبحت السلطة هي المتحكمة حتى تصنيف الأدباء.لابد للكاتب لكى يكون كبيرا أن تربطه بالسلطة جذور "،ورغم كل ما واجهته من ملاحقات كان يسعدها فقط عندما يقول لها جمهورها " لقد قرأنا مؤلفاتك وغيرت حياتنا "،وعندما يتفاقم الجدل حول كتاباتها التي يصنفها عدد كبير من الكتاب أنها تهاجم الدين تؤكد أنها تخوض معركتها لتكريس التمرد ضد بناء عقل جديد غير قائم على التدين الشكلي، عقل يرى أن الله هو العدل ولا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي.. نحن نرث الأديان فقط دون أن نقرأها.. لمتابعة اضغط هنا: http://tempuri.org/tempuri.html