قبول مشروط يعبر عن حس وطني ومسئولية بعد معاناة عاشها الفلسطينيون على مدار عامين خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسلام والتى وافقت عليها حركة حماس مؤخرًا تُعبر عن حس وطنى ومسئولية، خاصة وأنّ الأخيرة استمعت للوسطاء فى ضرورة إنهاء الحرب والمعاناة التى عاشها الفلسطينيون عى مدار عامين كاملين. هذه الموافقة قد تنهى الحرب، لكن موافقة حماس على الخطة مشروطه، ورغم ذلك أعلن الرئيس الأمريكى تفاءله دون أنّ يطلب الاستيضاح بخصوص تعديلات حماس على الخطة، ودون رفض أى تعديل عليها. يبدو أنّ حماس من بيانها الأخير أنها قبلت الخطة ورفضتها فى نفس الوقت، الحركة ليس لديها مشكلة فى الإفراج عن الإسرى الإسرائيليين، ولكن مشكلتها فى اليوم التالى للحرب، فهى تُريد أنّ تكون موجودة فى هذا اليوم، كما أنها لا تُريد أنّ تتصدر إدارة دولية شئون القطاع، ورغم أنّ هذين شرطين مهمين لواشنطن وتل أبيب، إلا أنهما لم يُعقبا عليهما حتى الآن. قبول حماس للخطة لا يُعنى بالتبعية انتهاء الحرب، وإذا سكتت أصوات المدافع، فسوف يكون بشكل مؤقت، فهذه الخطة لن تُحقق سلامًا دائمًا، ولكنها هدفت فقط لإنهاء مشكلة الأسرى الإسرائيليين، هى حتمًا لا تفرض السلام ولا علاقة لها به، صحيح لا يوجد بدائل أمام الفلسطينيين والدول العربية، ولكن الخطة ملغمة بما يُفجرها فى أى وقت، وهذا ما يجعلنا نذهب إلى أنّ هذه الخطة تدعو وترسخ للحرب لا للسلام. مؤشرات القبول المشروط لحركة حماس للخطة كان واضحًا منذ اللحظة الأولى، حماس فعليًا ترفض الخطة ولكنها كانت مضطرة لقبولها، فليس أمامها ولا أمام العرب إلا قبولها، وقد يكون هناك إلتفاف حولها سواء من قبل إسرائيل أو من قبل حماس والمقاومة فيما بعد مرور عامين كاملين. باتت حماس محشورة فى زاوية قبول الخطة وهى قد قبلتها فعليًا، رغم أنّ أغلب المؤشرات كانت تذهب إلى اعتراض الحركة على بعض بنودها؛ صحيح الحركة منفتحة على مبادرات لوقف الحرب، ولكنها لن تستسلم أو تسلم خصمها رصاصة الانتقام؛ خاصة وأنّها لا يوجد لديها ما تخسره فى معركة خسرت فيها الكثير من أسلحتها وقيادات الصف الأول والثانى والثالث. قبول حماس المشروط على الخطة الأمريكية بمثابة ذكاء سياسى تعاملت به الحركة مع خطة واشنطن وتل أبيب، ولعل هذا الذكاء تولد من استماع حماس للموقف العربى وقبولها له، ولعلها تفعل ذلك فى مقبل الأيام والأحداث. القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين فى كل مكان، ولكن ما تفعله الأنظمة السياسية والعرب ربما لا تستطع أنّ تفعله المقاومة، والعكس صحيح ما تصنعة المقاومة قد لا تكون الأنظمة العربية قادرة على صناعته، والكل يكمل بعضه البعض فى مواجهة خطة إسرائيل سواء فى احتلال مزيد من الأراضى الفلسطينية والعربية أو التوسع فى مشروعها بمنطقة الشرق الأوسط. صدقت كل المؤشرات التى ذهبت إلى موافقة حماس المشروطة، الموافقة التى حملت فى طياتها القبول والتحفظ فى نفس الوقت، وفق نصائح الشركاء الذين نصحوا حماس بضرورة الاستجابة للخطة وتقديم الموافقة على الرفض حتى ولو كانت هناك ملاحظات أو رفض لبعض البنود. على هامش الخطة وقبول حماس لها خطة ترامب للسلام تشترط تسليم حماس للرهائن وجثث الأسرى الإسرائيليين فورًا ودون مقابل وهو ما وافقت عليه الحركة، مقابل الانسحاب الإسرائيلى الكامل وعدم تسليم السلاح، وإنشاء لجنة تكنو قراط لإدارة غزة. الحركة لا تُمانع من وجود جدول زمني للانسحاب، فالحركة ترى وجود لجنة دولية لإدارة القطاع بمثابة إعادة احتلال جديدة، فبدلًا من تحرير مزيد من الأرض المحتلة جاءت نتائج 7 أكتوبر لتحتل إسرائيل مزيدًا من الأراضي الفلسطينية. تنص الخطة على تخفيف التواجد الإسرائيلى فى غزة بعد تسليم حماس سلاحها، وهو لا يُلبى الحد الأدنى من طموح حماس، وهو بمثابة انتصار لإسرائيل فى حربها التى استمرت عامين كاملين؛ وهو ما سوف يُحرج حماس أمام منتقديها الذين رأوا أنّ ما دفعته حماس كضريبة فى هذه الحرب أكبر بكثير من الأهداف التى حققتها. من الأشياء المفخخة فى خطة ترامب، أنها تفتح باب التهجير الطوعى أمام الفلسطينيين فى قطاع غزة، ولذلك من يقول إنّ الخطة خير محض لا يُدرك خطورة التهجر أو ربما يعول على أنّ الفلسطينيين لن يوافقوا على الخروج من أرضها، ولكن التهجير الطوعى قد يُصبح تهجيرًا قسريًا مع الوقت، وبالتالى سوف تنجح إسرائيل فى تحقيق أهدافها. تُدرك حماس أنّ تشكيل مجلس سلام بقيادة ترامب وإدارة للقطاع سوف يمثل بعض الفلسطينيين فيها وأغلب أعضائها من الخارج، تونى بلير مثالًا، هى بمثابة إعادة احتلال جديدة للقطاع، وهو من صور بسط السيطرة والهيمنة الإسرائيلية على ماتبقى من الأراضى الفلسطينية. كما أنّ حركة حماس ترى تفكيك بنيتها التحتية هو خط أحمر؛ صحيح قد تقبل الهزيمة أو تُعلن عدم نجاحها فى تحقيق أهدافها بشكل كامل ولكنها لن توافق على تفكيك بنيتها، خاصة أنها لم تُحقق أهدافها من الحرب بصورة كاملة، بل نشاطها قد تسبب فى إعادة احتلال ما بقى من الأرض الفلسطينية. من أخطر ما ورد فى خطة ترامب، بند عدم تسليم إدارة غزة للسلطة الفلسطينية، لأن إسرائيل تعتبرها وجه آخر لحماس، وهذا معناه أنّ القضية الفلسطينية سوف تظل متداولة، لأنّ إسرائيل تعوق السلطة الفلسطينية وخيارات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى فى السلطة، فى الوقت الذى يرفض فيه الفلسطينيين أى تكريس للاحتلال حتى ولو من خلال مجلس دولى لإدارة القطاع. هذه الخطة تقف عائقًا أمام عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل تشهد الأراضى المحتلة مزيدًا من الاحتلال فى ظل تطبيق الخطة، فضلًا على أنها لن تلبى احتياجات الفلسطينين على المدى القريب أو البعيد فى دولة فلسطينية كاملة السيادة. الخطة بمثابة توريط العرب فى مواجهة حماس والمقاومة عبر وجود القوات العربية؛ إعادة إنتاج الخلافات داخل القطاع ولكنها سوف تكون عربية فلسطينية وليست فلسطينية فلسطينية، والخطة توريط للفلسطينيين وللدول العربية أيضًا. وهنا يبدو ذكاء حماس فى نزع فتيل الخطة؛ قبول الخطة دون بنودها المفخخة، فالرفض يعنى مزيد المعاناة واستمرار الحرب، بينما الموافقة تُعنى انتهاء المأساة بأقل الخسائر، والتعديل على الخطة قد يكون مقبولًا أمريكيًا أو يُمارس الوسطاء دورهم فى الضغط من أجل إجراء هذه التعديلات. صحيح خطة ترامب للسلم لا تنص على التهجير ولكنها تقوم بتجهيز سكان القطاع طوعًا، وهذا ما يُسمى بتحقيق الهدف بشكل مرحلي، وصحيح أنها أوقفت محاولات ضم الضفة الغربية ولكنها أعادت احتلال غزة من جديد من خلال إدارة دولية وتحكم إسرائيلي، وهنا نستطيع القول، إن الخطة تمثل إعلان انتصار إسرائيلى فى الحرب التى خاضتها على مدار عامين كاملين. خطة ترامب للسلام كما أسلفنا تضع القوات العربية فى مواجهة الفلسطينيين وإسرائيل معًا، وهنا تبدو صورة أخرى للصراع، حيث تقوم إسرائيل من خلال هذه الخطة بإقرار الحرب وتوسعة دائرتها، بحيث يُصبح الصراع عربيًا أولًا وفلسطينيًا ثانيًا، ورغم ذلك العرب مضطرون للموافقة على الخطة لأنها تمثل أقل الخسائر التى يمكن تخليها فى هذه الحرب. تعديلات حماس وموقفها من خطة ترامب للسلام حركة حماس ترفض أنّ تكون هناك إدارة دولية للقطاع، ولذلك تُلخص موقفها فى الخروج من المشهد مقابل أنّ تكون إدارة قطاع غزةفلسطينية خالصة دون أنّ تكون هناك وصاية دولية، مهما كان طابعها ومهما كانت التصورات الناتجة عنها، ومهما كان رد فعل إسرائيل فى حال رفض الخطة. ربما تتعهد حماس بعدم القيام بأى أعمال عدائية تجاه إسرائيل طالما أنّ الأخيرة لم تشن حربًا ضد الفلسطينيين؛ تُريد أنّ تُرضى إسرائيل على المدى القريب عسكريًا، وهو ما لا توافق عليه تل أبيب، لأنها تُريد حلولًا جذرية لمشكلة الأمن، فهى تُريد القضاء على حماس وليس القضاء على الخطر القريب فقط. حماس ليس لديها مشكلة فى أنّ تتعهد خطيًا بعدم تكرار أحداث 7 أكتوبر طالما التزمت إسرائيل بوقف الحرب والإعمار وعدم شن هجمات مماثلة، وهذا شرط تضعه حماس وكأنها تُريد أنّ تُبرأ ساحتها من أى تهديد محتمل على الأقل أمام الأمريكان والوسطاء. هناك مشكلة لدى حماس تتعلق بالخطة يأتى فى مقدمتها فكرة التهجير، سواء كان التهجير طوعًا أو قسرًا، معتبرة ذلك بأنه من أعمال الحرب وهو ما يتبعه رد فعل فلسطينى مقاوم، فمازالت الحركة تتعامل بندية مع إسرائيل فى قضية الدفاع عن الأراضى الفلسطينية ومقاومة مشروع إسرائيل التوسعى داخل فلسطين وفى المنطقة! أبدت حماس رغبتها فى الالتزام بعدم التصعيد مقابل التزام إسرائيل بوقف الاعتقالات وأى صورة من صور التصعيد فى القطاع أو الضفة الغربية، وهنا تُريد أنّ تخرج حماس بأى مكسب من الحرب رغم خسارتها لها بشكل عسكري، وهنا تبدو المعركة استراتيجية، من يعلن انتصاره على الآخر. تدور مناقشات داخل حركة حماس، تُريد من خلالها مشاركة الأطراف الضامنة فى الرد على إسرائيل فى حال وجود خروقات من جانبها مع تفصيل أشكال الرد فى الاتفاق، هذا الشرط لن توافق عليه إسرائيل ولن توافق عليه الأطراف الضامنة، لأنه بمثابة توسيع لدائرة الصراع والحرب ولكنه من قبل حماس هذه المرة وليس من قبل إسرائيل. خيارات حماس فى المستقبل حركة حماس أمام عدة خيارات بعد موافقتها على الخطة الأمريكية، أول هذه الخيارات يتعلق بمحاولة بناء نفسها بعد الحرب، معتبرة أنها فى هدنة الفترة الأخيرة وإصلاح ما حدث لها على مدار عامين كاملين، وهنا سوف تتراجع الحركة خطوتين للوراء. ووارد أنّ تقوم الحركة برفع مذكرة بملاحظاتها على الخطة وطلب تفاوض حول بنودها، وهو ما دفع الوسطاء للتواصل مع الحركة ليس لإقناعها بقبول الخطة ولكن لمحاولة تقريب وجهات النظر وتقليل الفوارق بين الرؤية الأمريكية ورؤية المقاومة ممثلة فى حركة حماس. وهنا سوف تتفاوض الحركة أنّ تكون موجودة بصورة ما فى المشهد، وهنا سوف تستغل هذه الفرصة على المدى البعيد فى بناء قدراتها سواء السياسية أو العسكرية صحيح قبلت الحركة بخطة السلام ولكنها فى المقابل قامت بتعليق تسليم السلاح وخروج قياداتها من غزة، إسرائيل تُريد أنّ تُعلن انتصارها فى حرب العامين، بينما حماس ترفض أى شروط تظهرها وكأنها خسرت هذه الجولة فى الحرب مع إسرائيل، ولذلك يبدو تسليم السلاح وخروج القيادات أمرًا مستبعدًا بالنسبة للحركة. لم تتأخر حماس فى ردها على خطة ترامب، مع العلم أنّ كتائب القسام ترفض قبول الخطة بالكلية وترى ضرورة فى استمرار الحرب لتحقيق أهدافها، لأنها ترى أنّها هى الأقوى إذا دخلت جولة حرب العصابات مع إسرائيل، ورغم ذلك نجحت الحركة فى تأكيد موقفها الداعم لإنهاء الحرب. بدت منذ اللحظة الأولى أنّ خيارات حماس قليلة ولكن إسرائيل ليست فى متسع من الخيارات هى الأخرى؛ هناك ضغوط يُمارسها الرأى العام فى إسرائيل على حكومته فضلًا عن ضغوط المعارضة والضغوط الدولية وخسائر الحرب والخسائر البشرية من استمرارها، هذه الأسباب جميعها حماس تنحاز فى النهاية لقبول الخطة بشروطها التى عرضناها سابقًا.