اختتم البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية زيارته الرعوية لإيبارشيات وأديرة محافظ أسيوط التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي، وقد قام قداسته بزيارة إيبارشية "ديروط وصنبو" وتمثل هذه الزيارة الأولى في تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية. كما قام قداسته بتدشين عدد من الكنائس وافتتاح ووضع حجر الأساس لعدة مشروعات خدمية كنسية وتعليمية وطبية واجتماعية. البوابة رصدت كافة جوانب تلك الزيارة. الزيارة الأولى للبابا عقب وصول البابا تواضروس الثاني لمحافظة أسيوط قام بزيارته الأولى مساء الثلاثاء إلى دير الأمير تواضروس المشرقي بصنبو، وكان في استقبال قداسته لدى وصوله الأنبا برسوم مطران ديروط وصنبو، ومجمع كهنة الإيبارشية، حيث التقطوا مع قداسة البابا صورة تذكارية. كما كان في استقبال قداسته 15 من الآباء المطارنة والأساقفة، وبعد فترة راحة قصيرة تفقد خلالها بعض معالم الدير توجه قداسة البابا إلى كاتدرائية الأمير تواضروس المشرقي الجديدة بالدير حيث كان في انتظاره الآلاف من شعب الإيبارشية الذين احتشدوا فرحين بمجئ "باباهم" لزيارتهم وافتقادهم. واستكمالاً لزيارته بالإيبارشية قام البابا تواضروس الثاني بزيارة دير السيدة العذراء ورئيس الملائكة ميخائيل بصنبو التابع لإيبارشية ديروط وصنبو، وكان في استقباله مجمع راهبات الدير قداسته بالألحان وهن يحملن الشموع والورود، وبعد أن صلى صلاة الشكر ألقى عليهن كلمة من خلال مقطع من تحليل صلاة الساعة السادسة من النهار وهو "أعطنا وقتًا بهيًّا وسيرة بلا عيب وحياة هادئة لنرضي اسمك القدوس". وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها أب بطريرك إيبارشية ديروط وصنبو التي تحمل تاريخًا عريضًا كإحدى الإيبارشيات العريقة في التاريخ المسيحي، وتوجد بها العديد من الآثار القبطية، من بينها دير الأمير تواضروس المشرقي الأثري. جذور الإيبارشية ويذكر مؤرخو الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن إيبارشية ديروط وصنبو كانت تابعة لإيبارشية القوصية، حيث كانت القوصية تاريخيًا مدينة ذات أهمية دينية كبيرة في العصور المسيحية المبكرة، وتضم عددًا من الكنائس التاريخية والأديرة. يعود تاريخ إيبارشية "القوصية ومير" بمحافظة أسيوط إلى القرن الرابع الميلادي وهى من أقدم الكراسي الأسقفية الباقية حتى الان، وكانت تحوى الكهنة والاساقفة الذين ظل يقيمون في مدينة القوصية حتى أوائل القرن الثامن عشر ثم نقل الكرسي بعد ذلك الى قرية"صنبو" عام 1809 ومنها نقل الى مركز "ديروط"، على يد الأنبا غبريال خلال عهد البابا بطرس الجاولي، لاحقًا، انتقل الكرسي إلى مركز ديروط في عهد الأنبا أغابيوس الثاني، الأسقف الذي كان يُشرف على إيبارشية ديروط وصنبو وقسقام. وبعد وفاة الأنبا أغابيوس الثاني أسقف ديروط وصنبو وقسقام، قُسمت الإيبارشية إلى ثلاث إيبارشيات مستقلة: إيبارشية ديروط وصنبو تحت رعاية الأنبا برسوم (منذ عام 1986)، إيبارشية القوصية ومير تحت رعاية الأنبا توماس (منذ عام 1988)، وإيبارشية منفلوط التي كانت مُتولّى رعايتها من قِبل الأنبا أنطونيوس حتى وفاته عام 2018، ليتولى لاحقًا المهام الأنبا ثاؤفيلس. وتضم إيبارشية "صنبو وديروط" الآن وفق الموقع الكنسي "تكلا هيمانوت" ما يقرب من 22 كنيسة أبرزهم كنيسة الشهيد الأمير تواضروس المشرقي وكنيسة رئيس الملائكة ميخائيل، إضافة إلى دير الأمير تواضروس المشرقي في صنبو والذي يُعتبر معلمًا أثريًا بارزًا. تدشين كاتدرائية "مارمرقس" وفي اليوم الثاني الأربعاء قام قداسة البابا بتدشين كاتدرائية القديس مار مرقس الرسول بقرية رزقة الدير التابعة لإيبارشية الدير المحرق، بمشاركة 20 من الآباء المطارنة والأساقفة، وكان في استقباله الأنبا بيجول أسقف ورئيس الدير ومجمع رهبانه، بالألحان، على بوابة الدير التاريخية المعروفة باسم "بوابة البطريرك" والتي لا تفتح سوى لاستقبال البابا البطريرك، وتوجه مباشرة إلى الكنيسة الأثرية حيث صلى صلاة الشكر. وبدأت صلوات التدشين، حيث تم تدشين ثلاثة مذابح في الكنيسة الرئيسية أولها على اسم القديس مار مرقس الرسول، وثانيها (البحري) على اسم الشهيد مار مينا، والمذبح القبلي على اسم القديسين الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا، ودُشِن ثلاثة مذابح أخرى في الكنيسة الكائنة في الطابق السفلي، المذبح الرئيس دُشِن على اسم السيدة العذراء مريم والدة الإله، والمذبح البحري على اسم الشهيد أبي سيفين والمذبح القبلي على اسم القديسة مهرائيل، كما تم تدشين أيقونات حضن الآب (البانطوكراتور) بالمذابح الستة وكافة أيقونات الكنيستين. وتعد قرية رزقة الدير المحرق أبرز قرى مركز القوصية، كلمة "الرزقة" في الريف المصري قديماً كانت تُطلق على قطعة أرض أو مجموعة أراضي موقوفة، أي تُخصَّص ك "رزق" للمعيشة أو لخدمة مؤسسة دينية. وتقع القرية تحت رعاية الأنبا بيجول، وتخدم حوالي 16 ألف نسمة من الأقباط الأرثوذكس، وتضم كنيستين إلى جانب كاتدرائية القديس مار مرقس، المؤسسة عام 2005 وبدأت الصلاة بها عام 2007، وتبلغ مساحتها الإجمالية 4200 متر مربع، وتحوي بالإضافة إلى الكنيسة الرئيسية ثلاث كنائس أخرى، ومبنى إداريًّا وخدميًّا تبلغ مساحته 700 مترًا مربعًا. المحطة الثالثة وفي اليوم الثالث "الخميس" قام البابا تواضروس الثاني اليوم بزيارة دير السيدة العذراء بجبل قسقام (الدير المحرق)، حيث تفقد قداسته معهد ديديموس لإعداد المرتلين، ورتل الدارسون عددًا من الألحان وأثنى عليهم وشجعهم قداسة البابا وشاركهم الترتيل. ثم توجه إلى الكلية الإكليريكية حيث عقد لقاءً مع طلابها وطلاب معهد ديديموس، بحضور أعضاء هيئة التدريس والآباء المطارنة والأساقفة، وألقى الراهب القمص أرساني المحرقي المشرف على طلبة الإكليريكية كلمة ترحيب بقداسة البابا، حدثهم بعدها قداسته عن ثلاثية هامة تؤدي من خلالها الكنيسة عملها، وهي: التعليم والتكريس والرعاية. والتي تعد بمثابة مثلث الخدمة الكنسية. كما زار البابا مزار القديس ميخائيل البحيري المحرقي، وكنيسة السيدة العذراء، والتقطت صورة تذكارية لقداسته مع مجمع رهبان الدير. وانتهى قداسته بافتتاح المركز الثقافي بالدير بعد تجديده، ثم عقد لقاء مع مجمع رهبان الدير، وحدثهم عن موضوع "الرهبنة فرح واستقامة" من خلال المزمور ال 50 (مزمور التوبة) دير المحرق يُعتبر دير السيدة العذراء المعروف بالدير المحرق من أقدم وأقدس الأديرة القبطية في مصر، ويقع عند سفح جبل قسقام بقرية رزقة الدير المحرق في مركز القوصية بمحافظة أسيوط، ارتبط الدير برحلة العائلة المقدسة إلى مصر، إذ استقرت فيه العذراء مريم والطفل يسوع ومعهما يوسف النجار مدة ستة أشهر وعشرة أيام، وهي أطول فترة قضوها في مكان واحد، ولذلك صار يُلقب ب "القدس الثاني". وقد أشار أبوالمكارم في كتابه عن الكنائس والأديرة في القرن الثاني عشر إلى مكانة الدير وارتباطه بالمغارة التي احتمت بها العائلة المقدسة، مؤكدًا أن مذبح الكنيسة الأثرية أُقيم في الموضع الذي كان الطفل يسوع ينام فيه، كما وصفه المؤرخ المقريزي في القرن الخامس عشر باعتباره من أشهر أديرة الصعيد وأكثرها قداسة بين الأقباط، وذكر أن الدير ظل مقصدًا للزوار رغم ما تعرض له من اعتداءات على يد البدو والبربر في فترات مختلفة من تاريخه، ويضم الدير كنائس متعددة أبرزها الكنيسة الأثرية، إضافة إلى كنيسة الملاك ميخائيل وكنيسة القديس مارجرجس، فضلاً عن مكتبة تحتوي على مخطوطات لاهوتية وتاريخية نادرة. وقد تناول عدد من الرحالة الأجانب مثل ريتشارد بوكوك في القرن الثامن عشر الدير في كتاباتهم، مشيرين إلى أن الأقباط يأتونه من أماكن بعيدة في مواسم الأعياد وبخاصة في صوم العذراء في أغسطس لإحياء ذكرى وجود العائلة المقدسة به، ومن خلال هذه المصادر التاريخية والكنسية يتضح أن الدير المحرق لم يكن مجرد مؤسسة رهبانية، بل صار رمزًا للذاكرة الدينية المسيحية في مصر ووجهة روحية لها جذور ضاربة في عمق التاريخ. نشاط مكثف وفي يوم الخميس دشن قداسة البابا تواضروس كاتدرائية القديسين الأنبا أنطونيوس والأرشيدياكون حبيب جرجس بأسيوط الجديدة التابعة لإيبارشية أبنوب والفتح وأسيوط الجديدة، بمشاركة 24 من الآباء المطارنة والأساقفة، وبدأت صلوات التدشين، حيث تم تدشين ثلاثة مذابح المذبح البحري على اسم السيدة العذراء والقديس الأنبا أنطونيوس، والمذبح البحري على اسم الأرشيدياكون حبيب جرجس، والمذبح القبلي على اسم القديسة مريم المصرية ودُشِنت المعمودية وأيقونات حضن الآب (البانطوكراتور) بالمذابح الثلاثة وكافة أيقونات الكنيسة. ووعقب التدشين إلتقى قداسته برهبان دير القديس الأنبا هرمينا بجبل قاو بالبداري، التابع لإيبارشية أسيوط، وذلك في مزرعة كيرلومينا التابعة للدير، وافتتح البابا بعدها نادي "الإيمان" بمزرعة كيرلومينا بالبداري، بمشاركة اللواء دكتور هشام أبو النصر محافظ أسيوط، ويوجد في النادي حمام سباحة أوليمبي داخل الصالة المغطاة. كما تتوافر به أماكن عديدة وتجهيزات لإقامة المؤتمرات واللقاء. واسكتمل البابا تواضروس الثاني نشاطه الرعوي المكثف في يوم الجمعة الماضي بوضعه حجر أساس مستشفى "الخليقة الجديدة" لعلاج حالات الإدمان. وفي نهاية اليوم أقيم حفل استقبال بدير السيدة العذراء بجبل أسيوط (درنكة) على شرف قداسة البابا تواضروس، وحضر الحفل اللواء دكتور هشام أبو النصر محافظ أسيوط وقيادات المحافظة النيابية والعسكرية والأمنية والدينية ورؤساء الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة، وممثلي الوزارات والهيئات والطوائف المسيحية ورموز المجتمع الأسيوطي. المحطة السادسة وفي يوم الجمعة قام قداسته بتدشين كنيسة المغارة بدير السيدة العذراء بدرنكة بأسيوط بمشاركة 28 من الآباء المطارنة والأساقفة، وأزاح قداسته لدى وصوله الستار عن اللوحة التذكارية التي تؤرخ لتدشين الكنيسة، ثم دخل إلى الكنيسة يتقدمه خورس الشمامسة وهم يرتلون ألحان استقبال الأب البطريرك، وسط حفاوة بالغة من الشعب. وتم تدشين المذبح الرئيس على اسم السيدة العذراء، والمذبح الجانبي على اسم العائلة المقدسة، ودُشِنت أيقونة حضن الآب (البانطوكراتور) بالمذبحين المدشنين وأيقونتين داخل الكنيسة.