المفكر الإسلامي ناجح إبراهيم ل“,”البوابة نيوز“,”: *نقترب من موجة تكفير عاتية *الحركة الإسلامية خسرت الدعوة وفشلت في السياسة * نظرية التجربة والخطأ مهلكة ولا تصلح لدولة بحجم مصر * مشروع محور القناة يضرب أمننا القومي في مقتل *حكومة قنديل مرتعشة.. لم تستعد الأمن ولم تنقذنا من الانهيار الاقتصادي *سيناء تحولت لجمرة والتعامل معها بالحلول التقليدية لا يُجدي *السلفيون يحتاجون فترة طويلة لخلافة الإخوان الدكتور ناجح إبراهيم، من أبرز رموز الحركة الإسلامية في مصر طوال الثلاثين عامًا الماضية، وأحد أبرز منظري الجماعة الإسلامية، سواء خلال السنوات التي مارست فيها الجماعة العنف أو بعدما تبنت المراجعات وعادت إلى الدعوة، غير أن مياهًا كثيرة جرت في النهر دفعته لاعتزال العمل التنظيمي والتفرغ للدعوة وتطوير الفكر الإسلامي.. وظل محط اهتمام وسائل الإعلام والصحف؛ نظرًا لما يمتلكه من رؤية متجددة وأفكار متقدمة. لا يجد الدكتور ناجح، رغم انتمائه لمعسكر الإسلام السياسي، حرجًا في نقد ما يراه مستحقًا للنقد في أداء الحركة الإسلامية في الحكم وخارجه، ويرى أن الحركة لم تحسن بعد الانتقال من فقه الجماعة والدعوة إلى فكر الدولة، وأخفقت في تبني خطاب سياسي توافقي يجمع الأمة خلفه، وحمّل الحكم الإخواني والمعارضة مسئولية الاحتقان السياسي الذي تشهده البلاد حاليًا. وعاب إبراهيم على الإسلاميين تجاهل الدعوة والتربية الإسلامية والتركيز على العمل السياسي، بشكل جعل الدعاة يخسرون العمل الدعوي ولا يربحون المشهد السياسي.. وفي السطور التالية التفاصيل الكاملة للحوار مع القيادي بالجماعة الإسلامية ومُنظرها السابق ناجح إبراهيم. *أمضى الدكتور محمد مرسي ما يقرب من عام في سدة السلطة.. فما تقييمك لهذه التجربة؟ **من المؤكد أن للتجربة بعض الإيجابيات منها أنه أول رئيس مدني منتخب للبلاد بعد ما يقرب من 60 عامًا من الحكم الشمولي.. فضلًا عن أنها المرة الأولى التي يوجد فيها رئيس في سدة السلطة ووراءه جماعة قوية ومنظمة تحميه؛ بل إن حماية الجماعة قد لعبت دورًا في الإبقاء عليه في السلطة، فضلًا عن أنه الرئيس القادم من خلفية إسلامية الذي يمكن أن يحمل مشروعًا إسلاميًا، قد يمهد لتطبيق الشريعة الإسلامية ورفع الظلم عن هذه الحركات الإسلامية التي عانت طويلًا من التعسف والقمع، أما سلبيات التجربة فعديدة وفي مقدمتها أنه لم يحسن الانتقال من فقه الجماعة إلى فقه الدولة، ومن فقه الدعوة إلى فقه الحكم الرشيد، وسيطرت عليه نزعة أهل الثقة وتقديمهم على أهل الخبرة، وهو ما ظهر واضحًا في التشكيلات الوزارية المتتالية، بالإضافة للإخفاق في إنهاء مناخ الاحتقان مع القوى المعارضة، ليبرالية ويسارية. *الإخفاق في احتواء القوى السياسية لم يقف عند حد المعارضة والقوى الثورية؛ بل امتد للحلفاء أيضًا؟ **المشكلة حاليًا أن الاستقطاب السياسي أصبح حادًا جدًا وطال الجميع؛ بل وانتقل إلى العلاقة بين الإخوان والسلفيين، والإخوان والسلفية الجهادية، وشخصيات كانت محسوبة على جماعة الجهاد وقطاعات إسلامية أخرى، وهو ليس صراعًا على الدين في كل الأحوال؛ بل هو صراع سياسي محض تحكمه المصالح ولغة القوة. * مَنْ يتحمل مسئولية ذلك كله؟ **حتى نكون منصفين، الجميع يتحمل المسئولية وإن كانت بنسب متفاوتة، فالمعارضة الرشيدة تولد الحكم الرشيد، فحالة التوتر السياسي وتحول البلاد لحالة من الثورة الدائمة وتوالي المليونيات وتوفير غطاء سياسي من المعارضة للعنف أضعف من تأييد المصريين للثورة، وأدى إلى كراهية كل الأطراف السياسية، نتيجة ما عانوه من اضطراب ومشكلات؛ بل إن بعضهم يحن للعصر السابق حاليًا ويقترب من حالة الكفر بالثورة. *واجهت حكومة هشام قنديل انتقادات حادة ومطالبات بتغييرها، ما تقييمك لهذه المجموعة؟ **أداؤها ضعيف، وتفتقد إلى الرؤية الشاملة لإدارة الدولة، خاصة في القضايا الاقتصادية، وحكومة مصر حاليًا يديها مرتعشة، ناهيك عن الإخفاق في احتواء القوى السياسية المختلفة في ظل تفاقم الخلافات معها. *إذا كانت الانتقادات توجه لمرسي وحكومته بهذه الشراسة، فهل تملك المعارضة القدرة على علاج هذه الأخطاء وتقديم نموذج جديد؟ **جبهة الإنقاذ لها العديد من العيوب الخطيرة، فقد شرعنت العنف ثوريًا، ومنحته الغطاء السياسي، واستخدمت أطفال الشوارع والبلطجية سياسيًا في صراعها مع النظام، وجعلت البلطجي يتحول لشهيد، وهذا لا ينفي أن لديهم ثوارًا، وكذلك حصار المساجد وإدخال المساجد في معركة لا ناقة لها فيه ولا جمل، حيث تم ضرب المساجد بالحجارة وهذا سيئ، وهذا لا يتعلق بجبهة الإنقاذ وحدها، ولكن كل القوى أرادت إدخال المساجد في الصراع السياسي. *برأيك ما الخطأ الذي ارتكبته قوى المعارضة؟ ** تجاهلها للشارع والتعرف على طلبات المواطنين وتلبية حاجاتهم، فقد انعزلت في أبراج عاجية، كما أنها طيف واسع يضم اليساري المتطرف والليبرالي المعتدل وكل هؤلاء لا يجمعهم جامع، وهذا الطيف مع مرور الزمن يتمزق، كما أن كل عضو في الجبهة له غرضه وهدفه وتوجهه وفكره، لذلك تجد بينهم اختلافات كثيرة يُخْفُون أكثرها. *خلال الحملة الانتخابية أعلنت جماعة الإخوان المسلمين مشروع النهضة، كيف ترى هذا المشروع؟ ** مشروع غير واضح المعالم، وبالتالي تقييمه أمر غير منطقي، فكيف أقيم مشروعًا ليس لدى نصه كاملًا. وتنفيذ أي مشروع يحتاج لسنوات، فمثلًا هدف مثل تحرير القدس، الذي شكل ركنًا أساسيًا في خطاب قوى الإسلام السياسي على مدار 80عامًا يحتاج لعشرة أجيال في حال توفرت الإرادة السياسية وخلصت النوايا، والحديث عن رؤية مصر دولة متقدمة مثل الولاياتالمتحدة أو ماليزيا، يحتاج لاستقرار سياسي واصطفاف وطني وقاعدة علمية ووقت طويل، وهي أمور تفتقدها مصر لحد كبير. *شهدت سيناء أزمة اختطاف الجنود في عملية مازالت غامضة، رغم الإفراج عن الجنود؟ **جزء كبير من الأزمة في سيناء يعود لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها انتشار الفكر التكفيري، فهناك مجموعات في سيناء تعتبر محمد مرسي، كافرًا ينبغي مقاتلته، وأخرى تعتقد بحقها في خوض حرب مع إسرائيل، دون إذن الجيش، وهو أمر غير مقبول، ناهيك عن أننا نتعامل مع سيناء منذ عقود بنظام “,”القطعة“,”، والمشكلة أن التعامل الحالي يسير على نفس منوال حسني مبارك، من حيث افتقاد الرؤية والنظرة الشمولية، ويأتي كرد فعل وليس نابعًا من استراتيجية كاملة يضعها متخصصون في جميع المجالات. * كيف ترى السبيل لإعادة استقرار الأوضاع في سيناء؟ **لابد من معالجة جذرية لهذه الأزمة المتمثلة في تنامي النزعة التكفيرية في سيناء.. فأصحاب الفكر المتطرف وغير الوسطي إذا لم يجدوا يدًا قوية وغير مرتعشة تردعهم، وفكرًا وسطيًا يصحح عقول الفكر التكفيري، ومن دون قوة الردع والفكر، فقد ينقلون تفجيراتهم للقاهرة وهو ما سيزيد الأزمة تفاقمًا. * هل ترى أن النظام الحالي يدرك خطورة التكفيريين؟ **الفكر التكفيري سيصطدم بالحكم لا محالة في ذلك، خاصة أن هناك انهيارًا أمنيًا ومصر مليئة بالأسلحة، كما أن صناعة السيارات المتفجرة أصبحت سهلة جدًا جدًا، ويمكن تفجير أي سيارة في أي سفارة في مصر، ويمكن إسقاط طائرة، فقد تم ترك الفكر التكفيري حتى تحول إلى تفجيري، وأصبح يشكل خطورة على مصر، فالصدام قادم قادم، وأدبياتهم في ذلك واضحة وضوح الشمس، فالصراع قادم قادم، ولكن الدولة تؤخره والدولة لن تصبر عليهم كثيرًا. *ما أبرز أخطاء الحركة الإسلامية منذ تصدرها المشهد السياسي في مصر؟ **اعتقادهم أن حُكم بلد مثل مصر، أمر سهل؛ بل ويقينهم بأن الوصول للحكم كفيل بحل كل المشكلات، وهو أمر شاركتهم فيه جميع الحركات الإسلامية، وغاب عنهم أن تحويل الشعارات لواقع عملي أمر شديد الصعوبة، فالمشاكل التي تعاني منها مصر سواء الزراعية أو الصناعية أو التعليمية معقدة لا يمكن حلها عبر شعارات أطلقت خلال الحملة الانتخابية لدغدغة المشاعر فقط، المشكلة الكبيرة أن البعض يحكمون ولا يمتلكون رجال دولة، وكل رجال الدولة في مصر أبعدوا عن المشهد بحجة أو أخرى، وفيما كان الإخوان والإسلاميون محرومين من الوصول لدوائر صنع القرار وصناعة رجال الدولة، كان ذلك مسموحًا للآخرين.. والآن وصلنا للحكم ولكن دون خبرة سابقة والبعض يسير بنظرية التجربة والخطأ، مما يشكل عاملًا كبيرًا من عوامل صناعة المشهد المعقد حاليًا، لذا أرجو من المسئولين ألا يديروا البلاد بأسلوب التجربة والخطأ؛ لأنه لا يصلح لإدارة بلد بحجم مصر. * هل ترى أن مشروع محور قناة السويس يعرض أمن مصر القومي للخطر؟ ** هذا المشروع دخل ضمن منظومة الصراع السياسي، التي حولت كل شيء في مصر إلى مادة للصراع السياسي، فكل شيء بين التقديس والتبخيس، وبين الإفراط والتفريط، والحديث عن قناة السويس دائمًا يثير حساسيات، فالمجرى المائي الذي يُعد شريان التجارة العالمي يرتبط في العقل الجمعي المصري بتضحيات جسام وشهداء سقطوا لتثبيت السيادة المصرية عليه، ومن ثم فأنا أطالب بضرورة إلغاء كلمة التملك من أي قانون لتنظيم العمل في هذا المشروع، فضلًا عن ضرورة ألا تستأثر به دولة بعينها وتشارك فيه جميع الدول سواء العربية أو الدول الأخرى مثل الصين واليابان وتركيا أو بلدان أوروبية ليست لها طبيعة استعمارية سابقة بشكل لا يضر أمننا القومي، وإسناد جميع المشاريع بنظام المناقصات بأعلى درجات الشفافية. * ألا ترى أن مسيرة الدعوة الإسلامية قد تعرضت لضرر كبير في مرحلة ما بعد ثورة يناير؟ **بالفعل الدعوة الإسلامية تعرضت لضرر كبير في مرحلة ما بعد الثورة، وذلك لانصراف الدعاة الكبار عن المجال الدعوي إلى دولاب السياسة والحكم، فخسروا الدعوة ولم يربحوا السياسية؛ بل أكاد أجزم أن السياسة قد حرقت ثياب بعضهم ولم يعد قبولهم لدى المواطن العادي بنفس الدرجة التي كانوا عليها خلال تركيزهم على العمل الدعوي. *كأنك تريد تحميل الدعاة المسئولية عن تراجع الدعوة؟ **لا.. فهذه القوى الإسلامية تتحمل مسئولية تراجع العمل الدعوي بدرجة كبيرة، خصوصًا أن الدعوة لها ثلاث أذرع، التربوية والاجتماعية والسياسية، و دون تكامل الثلاث لن يكون هناك مسئول أو محافظ أو وزير يجيد عمله ويكون أمينًا على مال الأمة؛ لذا فقد تعرضت الدعوة لانتكاسات كبيرة، فقد وظفت لخدمة أهداف سياسية ولم تستثمر السياسة لخدمة الدعوة. *ما رأيك في ظهور التفحش في الخطاب الدعوي؟ **ظهر نوع من التفحش في الخطاب الدعوي، حيث أصبح الدعاة يلجأون لألفاظ لا تليق بالداعية، ويمكن أن نطلق عليها بالمفهوم العامي “,”لغة الصياعة “,”، بحجة الرد على الاشتراكيين واليساريين والليبراليين. *هل حدث خلط في الخطاب الدعوي؟ ** نعم.. حدث خلط فاحش بين الدعوي الثابت والسياسي المتغير، مما أضر بالدعوة ضررًا كبيرًا، والمفروض التمييز بينهما، لا الفصل بينهما. *هل تقدم لنا المبرر الذي استندت إليه القوى الإسلامية في عدم اهتمامها بالعمل الدعوي؟ **القوى الإسلامية كانت تنتظر فرصة الوصول للحكم منذ ثمانين عامًا للإخوان مثلًا، وأكثر من ثلاثين عامًا بالنسبة للسلفيين والجماعة الإسلامية والجهاد، وأعتقد أن هذه الفرصة الذهبية ستضيع في حالة عدم استغلالها، حيث كانوا “,”مشتاقين“,” بشدة وعملوا على توظيف الدين لاعتلاء صدارة المشهد السياسي، والسياسة كما نعرف قد تمكنك من السيطرة على الأبدان، فيما يمكنك الدين من إخضاع العقول والقلوب، ولا أظن أن الإسلاميين ومنهم الإخوان قد نجحوا في تحقيق الهدفين، وليس أدل على ذلك من أنهم تربعوا على عرش القلوب لعقود طويلة بفضل تركيزهم على الدعوة، وسقطوا من هذا العرش خلال الفترة الأخيرة بفضل لغة التفحش والانتقام والابتعاد عما يجمع الصفوف والتركيز على الهيمنة. *لماذا حذرت القوى السياسية من خطورة ثقافة الحرق على الجميع؟ **عملية الحرق بشكل عام أمر يختص به الله تعالى، وبالتالي فإن التعامل بها بين البشر أمر منهي عنه، لدرجة أنني انتقدت كثيرًا إقدام الثوار على حرق الحزب الوطني الحاكم إبان اشتعال الثورة، وكنت أراها سنة سيئة ستكرس لظواهر سلبية في المجتمع، فالمبنى المملوك للدولة كان يمكن السيطرة عليه واحتلاله دون اللجوء لإحراقه.