· عم “,”إمام“,”: مصر القديمة كانت نموذجا للتسامح · ياعازر: والدى رفض مغادرة وطنه مصر · حافظ: اليهود يزورون الحارة لاسترجاع ذكرياتهم تمثل “,”حارة اليهود“,” نموذجا حيا للتسامح والتلاحم الإنساني بين أتباع الديانات المختلفة، عرفت مصر دائما بالتسامح، فهي مهبط الأنبياء والرسل، فليس غريبا أن تجد المسلم واليهودي والمسيحي يعيشون في مكان واحد يتبادلون الزيارات والتهاني في المناسبات والأعياد، أن تجد المعابد بجوار المساجد والكنائس، يعيشون بشعار واحد “,”الدين لله والوطن للجميع“,”. كل شارع في “,”حارة اليهود“,” الواقعة بحي الجمالية يتخصص في تجارة معينة، وبمجرد أن تطأها قدماك، لا بد أن تمر في ممر طويل ومتعرج، وسط زحام ممتلئ بالعديد من الأزقة التي تحوي محلات النجارة والأثاث وبيع الأقمشة وأدوات التجميل، كل ذلك يمتزج بروح التسامح دون أن تعرف الهوية الدينية. تشغل “,”حارة اليهود“,” مساحة 2 كيلو متر مربع تقريباً، تبدأ من وسط الصاغة، تتفرع بداخلها نحو 12 حارة وزقاقاً، تكثر بها المنحنيات، وتنقسم “,”حارة اليهود“,” إلى شياختين: شياخة اليهود الربانيين، وشياخة اليهود “,”القرائين“,”، وهي ليست حارة بالمعنى الحرفي، بل هي حي كامل يضم نحو 360 حارة تتصل ببعضها البعض، وفقا لروايات السكان، ورغم أن “,”حارة اليهود“,” خلت من سكانها الأصليين، إلا أنه حتى الآن تجد نجمة داود السداسية المصنوعة من الحديد على أبواب البيوت في حارة اليهود، بالإضافة إلى بعض النقوش اليهودية التي تدل على أصحاب البيوت وتاريخ بنائها مثل “,”موسى ليشع عازر“,”.. ورغم عراقة وتاريخ الحارة، فإنها تواجه العديد من المشكلات، مثل عدم رصف الشوارع والإنارة والبناء العشوائي وانقطاع الكهرباء. وتضم حارة اليهود نحو 13 معبدا لم يتبق منها سوى ثلاثة فقط، أشهرها معبد “,”موسى بن ميمون“,” الذي كان طبيبا وفيلسوفا شهيرا في بدايات القرن الثاني عشر الميلادي، أما المعبد الثاني فهو “,”بار يوحاي“,” ويقع بشارع الصقالية وهو شبه مهدم، بينما الثالث في درب نصير وهو معبد “,”أبو حاييم كابوسي“,” وفي هذا الحي الشهير كان يعيش نحو 20 ألفا من اليهود، حتى قيام ثورة يوليو 1952. التقت “,”البوابة نيوز“,” خلال جولتها في حارة اليهود عم “,”إمام“,” صاحب إحدى الورش المقابلة للمعبد اليهودي، الذي خاطبها بصوت مليء بالحزن من حال مصر الآن وتناحر أبنائها، مؤكدا أن مصر القديمة كانت نموذجا يحتذى به في التسامح وترابط المجتمع، فلا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي العبرة بالمعاملة ليس، كما يحدث الآن، يتم تقسيم وتقييم الناس وفق أفكارهم ومعتقداتهم الدينية. وأضاف “,”عم إمام“,” أن اليهود لعبوا دورا مهما في تنمية الاقتصاد المصري، حتى إن “,”شيكو ريل“,” كان أحد مؤسسي بنك مصر، وأنشأوا أول خط مواصلات داخل القاهرة، واستطرد قائلا: إن اليهود لعبوا دورا بارزا بالاقتصاد المصري في العهد الملكي، ووصلوا للمناصب العليا. وأكد إمام أن الرئيس جمال عبد الناصر لم يطرد اليهود من مصر كما يزعم البعض. يهود مصر كانوا كرماء وليس كما صورتهم الأعمال السينمائية بهذه العبارة بدأ أحد أبناء “,”شالوم ياعازر“,” من سكان الحارة اليهود، أن والده الرجل الثمانيني رفض أن يغادر مصر بعد الثورة مفضلا الموت فيها. وقال إن والده جاء إلى الحارة ليعمل صبياً في محل يمتلكه يهودي يدعى “,”داود الناسى“,”، وكان يتقاضى مليمين نظير اجتهاده فى بيع الإكسسوارات، وقتها كان عمره 8 سنوات، وكانت اليومية تكفيه للعودة إلى منزله بمنطقة “,”السكاكيني“,”. وأكد أن يهود مصر كانوا يغدقون الأموال على من يعمل معهم، وطالما كانت هناك ثقة بينهم، وأتذكر عم “,”سعد الكيلاني“,” الذي كان موضع ثقة اليهود في هذا المجال وكانوا يأتمنونه على دخول منازلهم. على بعد خطوات من محل شالوم التقينا عم إبراهيم الذي أكل عليه الدهر وشرب، وجدناه جالسا أمام محله لبيع الأدوات المنزلية مهموما حزينا بسبب وضع مصر السياسي، وتفكك المجتمع عقب ثورة يناير، موضحا أن الجميع كان يعيش في سلام اجتماعي ونفسي، فاليهود كانوا يعيشون معنا في الحارة، بل كنا نقوم بخدمتهم دون حدوث مشاكل أو أزمات بيننا. وأكد أن اليهود خرجوا من مصر عقب ثورة يوليو 1952 بمحض إرادتهم ولم يتم طردهم، كما يدعى البعض. التقط طرف الحديث “,”عم جلال“,” أحد سكان الحارة القدامى، مؤكدا أنه حزن كثيرا على مغادرة جيرانه اليهود لمصر، فقد كانوا حسب قوله “,”أولاد بلد ويفهموا بالأصول والجيرة“,”، ويتذكر أن الأجرة التي كانوا يضطرون لتحصيلها من بيوت اليهود يذهبون بها للطائفة الإسرائيلية. واستكمل حديثه قائلا: أحلى سنوات عمري قضيتها مع اليهود، فأنا عمري 72 سنة، وعملت مع اليهود منذ عام 1947 وحتى عام 1962، أي لمدة 15 عاما، مؤكدا ضرورة التفرقة بين اليهود المصريين الذين عاشوا معنا، ويهود إسرائيل الصهيونية، فهناك فرق شاسع بين الاثنين، فيهود مصر الشرقيون كانوا يعيشون بيننا كأسرة واحدة لا تستطيع أن تفرق بينهم وبين المصريين مسيحيين ومسلمين. وفي “,”درب نصير“,” كان يجلس عم “,”حافظ“,” على مقهى تحت أحد المباني العتيقة، له قبة تشبه قباب الأديرة أو مقامات الأولياء المسلمين، وسألنا عم حافظ عن طبيعته فأكد أنه ليس معبدا، بل أقرب ما يكون إلى دار مناسبات يهودية، كان يتم فيها عقد مختلف طقوس الزفاف أو توديع الموتى، لكنه أغلق منذ أوائل الستينيات. وقال إن الحارة كانت كلها عبارة عن منطقة سكنية يقطنها اليهود مع أقلية من المسلمين والمسيحيين، ورغم ذلك لم تكن هناك مشاحنات أو مضايقات بين فئة وأخرى، بل على العكس كانت هناك حالة من الود تسود أجواء الحارة. وبنبرة حزن يضيف قائلا: آخر يهودي ترك الحارة كان الخواجة “,”زكي باروخ“,” صاحب محل الخردوات، وقد بكى بشدة هو وأولاده لعدم رغبتهم في ترك مصر، كذلك فهناك العديد منهم يعودون بين الحين والآخر ليسترجعوا ذكرياتهم في الحارة، ويشاهدوا منازلهم الآن والتي كانوا يعيشون فيها ومنهم الخواجة “,”جاك الشماس“,” الذي جاء منذ سبع سنوات، فأغلبهم كان مرتبطا بمصر والحارة بشدة.