في ضربة أمنية جديدة، أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن إحباط مخطط إرهابي خطير كانت تخطط له حركة "حسم"، الذراع المسلحة المرتبطة بجماعة الإخوان الإرهابية، العملية الأمنية أسفرت عن مقتل عنصرين شديدي الخطورة داخل شقة سكنية بمنطقة بولاق الدكرور، كانت تستخدم كوكراً لتخزين متفجرات وتجهيز عمليات تستهدف منشآت الدولة ومرافقها الحيوية. الحادث يعيد إلى الواجهة التساؤلات حول طبيعة هذه الحركة، جذورها الفكرية، هيكلها التنظيمي، والكيفية التي تحولت بها من جُرح سياسي إلى بندقية في يد الغضب، وهو ما نستعرضه في هذا التقرير التحليلي الذي يرصد القصة الكاملة ل"حسم" منذ نشأتها، مرورًا بأبرز عملياتها، وصولًا إلى المواجهة الأمنية والموقف الدولي منه أولًا: النشأة والسياق لم تكن "حسم" وليدة لحظة عابرة، ففي يوليو 2016، ظهر اسمها إلى العلن كذراع مسلح يحمل اسم "سواعد مصر"، لكنه في جوهره كان امتدادًا لتصدع داخلي في جماعة الإخوان عقب الإطاحة بها من الحكم في 2013.
ثانيًا: الهيكل التنظيمي "حسم" لا تتبع نموذج التنظيمات الهرمية الكلاسيكية، بل تعمل من خلال خلايا عنقودية مستقلة، لا يعرف أعضاؤها بعضهم البعض، وغالبًا ما يُكلّف الفرد بمهمة واحدة فقط، ضمن قيادة غير مرئية. هذا الغموض منح الحركة مرونة في الانتشار، وخلق درعًا ضد الاختراق الأمني، مما مكنها من توجيه ضربات مفاجئة وفي مناطق متعددة. أما التمويل، فلم يكن لغزًا كبيرًا؛ حيث أُشير إلى مصادره القادمة من قيادات إخوانية في الخارج، في محاولة لإعادة نفوذ الجماعة من خلال إشعال الفوضى.
ثالثًا: الفكر والأيديولوجيا تحمل "حسم" خليطًا فكريًا ينهل من جذورها الإخوانية، ويستوحي لغته من كتابات سيد قطب، هي لا ترى نفسها جماعة مسلحة، بل "حركة مقاومة" تسعى للثأر واسترداد ما تسميه "الشرعية". في خطابها، تتحول الأعمال الإرهابية إلى "دفع صائل"، والضحايا إلى "أعداء للثورة"، والعنف إلى "رد فعل مبرر".
رابعًا: بصمات دامية نشطت "حسم" خلال فترة قصيرة، لكنها خلفت أثرًا واضحًا في المشهد الأمني، من خلال عمليات نوعية استهدفت شخصيات بارزة: محاولة اغتيال المستشار زكريا عبد العزيز (سبتمبر 2016)، في رسالة تهديد للقضاء. محاولة اغتيال المفتي السابق الدكتور علي جمعة (أغسطس 2016)، كضربة رمزية ضد المؤسسة الدينية الرسمية. كما شملت عملياتها استهداف كمائن شرطية، سيارات أمنية، وشبكات البنية التحتية، في محاولة لإبقاء الوضع متوترًا ومشتعلًا.
خامسًا: الرد الأمني منذ عام 2017، بدأت الدولة في تنفيذ حملات استباقية مكثفة، قادها جهاز الأمن الوطني، لتفكيك الخلايا وملاحقة خطوط التمويل والدعم. في الفيوم والجيزة وغيرهما، تم توقيف وقتل العشرات، وصدرت أحكام رادعة في قضايا عرفت إعلاميًا ب"قضية حسم الكبرى"، و"اللجنة النوعية"، و"محاولة اغتيال النائب العام المساعد". لكن التحدي الأعمق ظل في مواجهة الفكرة لا الأفراد. سادسًا: الموقف الدولي لم تغب "حسم" عن أعين المجتمع الدولي، ففي يناير 2018، أدرجتها الولاياتالمتحدة على قائمة التنظيمات الإرهابية، وتبعتها بريطانيا في 2019، معتبرة الحركة تهديدًا عابرًا للحدود. هكذا خرجت "حسم" من نطاق الملف الأمني المحلي إلى حيز الرقابة الدولية. سابعًا: العلاقة بجماعة الإخوان رغم الإنكار الرسمي، إلا أن خيوط العلاقة بين "حسم" والإخوان تظل واضحة: تشابه الخطاب، وتطابق التمويل، والتقاء الأهداف السياسية. لكن "حسم" ليست مجرد ذراع، بل تعبير عن تمرد داخلي من شباب الجماعة على قيادتها، بعد أن شعروا بأن السلمية فقدت فاعليتها.
ثامنًا: قراءة استراتيجية "حسم" ليست كيانًا عارضًا، بل انعكاس لتصدع أعمق في بنية التيار الإسلامي السياسي، بين من يتمسكون بشرعية الصندوق، ومن لجأوا إلى شرعية السلاح. هي النتيجة الحتمية لفشل الجماعة الأم في احتواء جيل تربى على الطاعة، ثم تُرك وحيدًا في مواجهة العنف والتهميش. استمرار مثل هذه الحركات مرتبط بعدة عوامل أهمها وجود دعم خارجي.