فى تحرك دبلوماسى مفاجئ، بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية بإجراء محادثات أولية مع كل من إسرائيل وسوريا حول إمكانية التوصل إلى اتفاق أمنى بين الدولتين اللتين طالما اعتبرتا خصمين لدودين فى الشرق الأوسط. ونقلت مصادر مطلعة لموقعى "واللا" الإسرائيلى و"أكسيوس" الأمريكى أن هذه المحادثات لا تزال فى مراحلها التمهيدية، وتجرى حاليا عبر قنوات دبلوماسية وأمنية متعددة. ووفقا لمسئول أمريكي، فإن الحديث لا يدور بعد عن قمة أو لقاءات على مستوى القادة، بل إن المحادثات تدار مع شخصيات سورية من مستويات أقل من رئيس الحكومة الجديد أحمد الشرع. وأوضح أن هذه العملية "تشبه تقشير البصل، إذ يتم إزالة طبقة تلو أخرى"، فى إشارة إلى التعقيد التدريجى المتوقع لمسار التفاهم. وأضاف المسئول أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو يدعمان بشدة هذا التوجه، معتبرا أن فرق العمل الدبلوماسية تقوم بعمل جيد على الأرض، فى محاولة لتحريك المياه الراكدة بين الجانبين. محادثات تمهيدية وسط طموحات حذرة وقال مسئول أمريكى رفيع إن المفاوضات الحالية مع الجانب السورى "هادئة للغاية وتمهيدية بطبيعتها"، مشيرًا إلى أن الاتفاق المنتظر لا يهدف إلى التطبيع الكامل للعلاقات بقدر ما يركز على ضمانات أمنية مشتركة، والحد من النفوذ الإيرانى فى سوريا، إضافة إلى التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب. وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن إسرائيل تفضل أن تعرف مسبقا أن المفاوضات ستقود فى نهاية المطاف إلى تطبيع كامل مع سوريا، بينما تفضل واشنطن اعتماد نهج تدريجى يتيح بناء الثقة أولا. وقال مسئول إسرائيلى مطلع: "هناك إمكانية حقيقية للتوصل إلى اتفاق، لكن الأمر يتطلب وقتًا وصبرًا". وأعرب عن أمله فى أن "تتبنى إدارة ترامب نهجًا أكثر حزمًا لدفع العملية قدمًا". وأكد آخر أن الاتفاق "ليس وشيكا" وأن هناك الكثير من العمل قبل الوصول إلى نتيجة ملموسة. اتصالات متعددة بين إسرائيل وسوريا التقرير أشار إلى أن المحادثات الحالية تجرى عبر أربع قنوات رئيسة، تضم شخصيات بارزة مثل مستشار الأمن القومى الإسرائيلى تساحى هنغبي، ورئيس جهاز الموساد دافيد برنياع، ووزير الخارجية جدعون ساعر. وتجرى اتصالات على المستويين السياسى والاستراتيجي، بالإضافة إلى تنسيق يومى بين ضباط الجيش الإسرائيلى وأجهزة أمنية سورية لأغراض تكتيكية. وفى تطور لافت، كشف التقرير أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أبلغ المبعوث الأمريكى إلى سوريا، توم باراك، خلال زيارته لتل أبيب فى مطلع يونيو، برغبته فى إطلاق مفاوضات بشأن "اتفاق أمنى جديد مع الحكومة السورية الجديدة"، مطالبًا بأن تلعب واشنطن دور الوسيط الرئيسى فى العملية. ووفقا لمصدر إسرائيلي، فإن خطة نتنياهو تقوم على تحديث اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974، مع إدخال تعديلات لصالح إسرائيل، ما يمهّد الطريق لاحقًا لاتفاق سلام شامل بين الدولتين. رفع العقوبات عن سوريا... خطوة محسوبة فى خطوة داعمة لهذا المسار، وقع الرئيس ترامب، مساء الإثنين، مرسوما رئاسيا برفع الجزء الأكبر من العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا. وكانت واشنطن قد أعلنت فى مايو الماضى نيتها تخفيف العقوبات استجابة لوساطات من السعودية وتركيا، وتمسكت بالإبقاء على الإجراءات ضد رموز النظام السورى السابق، وعلى رأسهم بشار الأسد، الذى فرضت عليه عقوبات صارمة بعد فراره إلى روسيا أواخر العام الماضي. وزير الخارجية السورى الجديد، أحمد الشيباني، رحب بالقرار الأمريكي، واعتبره "نقطة تحول تاريخية" تسهم فى فتح الباب أمام استثمارات إعادة الإعمار، وتوفير الظروف المناسبة لعودة المهجرين السوريين. وفى منشور على منصة "إكس"، أكد الشيبانى أن "رفع هذا العائق الكبير أمام التعافى الاقتصادى هو مقدمة لمرحلة جديدة من الاستقرار والانفتاح"، مشيرًا إلى أن سوريا مستعدة للتفاعل مع المجتمع الدولى على قاعدة الاحترام المتبادل. الجولان.. العقبة الكبرى من بين القضايا العالقة، تبقى مسألة الجولان من أبرز التحديات التى قد تواجه أى اتفاق قادم. فقد أشار التقرير إلى أن سوريا ما زالت تطالب باستعادة هضبة الجولان المحتلة منذ عقود، فى حين تصر إسرائيل على أن "مرتفعات الجولان ستبقى جزءًا من السيادة الإسرائيلية"، وفق تصريح وزير الخارجية غدعون ساعر. وكان الرئيس ترامب قد اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان خلال ولايته الأولى، وهو موقف لم تغيّره إدارة بايدن لاحقًا، بينما لم تُصدر الحكومة السورية الجديدة موقفًا رسميًا حول القضية حتى الآن. تحركات دبلوماسية متزامنة ومن المتوقع أن يجرى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، هذا الأسبوع محادثات فى واشنطن مع مسئولين فى البيت الأبيض، حيث ستكون قضية سوريا واتفاق محتمل معها محورًا أساسيا للنقاش. كما ينتظر أن يسافر نتنياهو الأسبوع المقبل إلى واشنطن للقاء الرئيس ترامب، فى زيارة قد تشكل لحظة مفصلية فى مسار التفاهم بين تل أبيب ودمشق.